تحوير تمسّك الشاهد بقشّة النجاة من الغرق

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/chahedle259816.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

كنا ننتظر الحقيقة ردات فعل من رئيس الحكومة بات رصيده من الثقة يتضائل الى حد عالي، فالمشروعية المنخفضة بطبيعتها اهترأت والاساطير المؤسسة لمجيء ما أطلق عليه السبسي مغالطة حكومة "وحدة وطنية" افتضحت، وعديد الاحزاب المنخرطة في ما سمي "وثيقة قرطاج" انفضّت، والاغلبية البرلمانية اليوم في ادنى مستوياتها، والمصداقية الجوفاء في منطلقها تآكلت ومضمون الخطاب المخاتل انكشف، والاغراء صار اليوم مفقودا لحكومة ورئيسها صارت تتلقى الصفعات السياسية كل يوم، الى حد "الديغاج" التاريخي والطرد الصريح في تطاوين.





كل عناصر استراتيجية الخطاب السياسي، المشروعية légitimité والمصداقية crédibilité والاغراء captation، التي فصّلها الخبير المختص في الخطاب السياسي باتريك شارودو Patrick Charaudeau، تصل اليوم مستويات سلبية قياسية، واستبيانات الراي تبرز نسبة تشاؤم عالية جدا لدى الشعب التونسي في الحكومة، أما الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وحتى الحقوقي ففي اقصى حدود الانهيار، وكل الأضواء تقريبا صارت حمراء.

والشاهد اليوم يجد نفسه في مأزق عميق، منعزل شعبيا وبرلمانيا وسياسيا، ولا يتقدم خاصة وان الاخطاء تتكرر وتتعدد كل اسبوع، وحواره الاخير على الوطنية الاولى الذي القى فيه المسؤولية على المعارضة اوضح تصاعد عجز الرجل وحكومته، وافتقادها الحلول لتصاعد "الحرائق" المختلفة اجتماعيا ومهنيا وحتى طلاّبيا، ومواجهة حقيقة الانهيار الاجتماعي في الجهات بات صعبا جدا، ففي اسبوع فقط يعجز عن تقديم الحلول في تطاوين ويلغي (او يؤجل) زيارته للقيروان بعد حالة الاحتقان العالية.

والحقيقة أن الجميع انتظر تحويرات كانت مستوجبة منذ الاشهر الأولى، من ماجدولين الشارني الى جلول الى الزريبي الى العذاري الى المؤخر وعديد الوزراء بل اغلب الوزراء، والحالات تختلف من فضائح فساد الى عجز في التسيير او الخطاب او انهيار العجز التجاري او احتقان داخل الوزارة مع النقابة او انهيار الدينار، في حكومة من اساسها فاقدة لكل مقوّمات البقاء ابتداء من رئيسها الذي كان مسقطا من السبسي لاسباب كانت ولازلت معلومة، ولكن الشاهد الذي انطلق على اساس خاطىء لم يجد القدرة على التحوير، وكان يؤجل المشاكل ويؤخرها في الوقت الذي كانت فيه القضايا تتفاقم وتحتد.

افتقاد الرؤية كان واضحا والبرنامج كان محدودا جدا والعجز عن ابتداع الحلول ظهر جليا، وكان منتظرا ان تتأزم الامور وتصل الى الانسداد الحالي، ولم تأت الحقيقة مشكلة جلّول مع النقابات اليوم بل كانت موروثة، والاصل ان الاقالة تتم منذ الشهر الاول او الاستغناء منذ تشكيل الحكومة، ولكن التعيينات المعتمدة على الولاءات اخّرت الامر، فوزير التربية تفنن في تمجيد "مولى الباتيندة" الذي حباه بحصانة خاصة، اما الزريبي فمحدوديتها تاكدت منذ جلسات الميزانية في مجلس النواب، ما اضطر الشاهد باسنادها باياد الدهماني، والتحوير كان ضروريا منذ شهر جانفي الفارط وما كان يجب انتظار كل هذا الوقت، حتى تزيد وتتسبب لنا في الانهيار التاريخي للدينار.

وواضح ان الشاهد مع انسداد الامور على جميع المستويات بات مختنقا، واليوم هو يبحث في مخرج لنفسه ولحكومته من انهيار بات وشيكا حادا، فكان لا بد من التضحية بوزيرين اثارا كثيرا من اللغط والجدل، واصبحا يشكلان عبئا ثقيلا عليه في وضعية باتت صعبة ودقيقة، وما يؤكد ذلك ان ساكن القصبة اصبح اليوم شديد الحساسية لحماية نفسه ومركزه من التداعي الاخير، هو تغيير المسؤولين الامنيين والوالي والمعتمد الاول في تطاوين الذين لم يوفروا له الحماية، وكان هاجسه الاكبر هو امنه الشخصي والسياسي.

التأخير تفسّره اسباب اخرى منها افتقاد الشاهد للدعم السياسي من التحالف الحزبي، ورفض النهضة وافاق تغيير بعض وزرائهم عطّل الامور، والتأكد من عدم نيل الثقة للوزراء الجدد في البرلمان زاد في التأخير، وانتهى الامر بالاقتصار على جلول والزريبي مع اعتماد الية "النيابة" في انتظار ايجاد "تسوية" سياسية لتمرير الوزراء الجدد، والامور فعلا وصلت الى حدود التسيير البدائي، اذ وزارات التربية والمالية لا يمكن سياسيا ودستوريا تسييرهم بطريقة "النيابة"، في وقت لا يمكن فيه للوزير النائب اتخاذ قرارات سيادية (غير التصرف اليومي) دون تفويض مجلس النواب.

المشكل اليوم وصل الى حدود انهيار منظومة انتخابات اكتوبر 2014، والاصوات السياسية اليوم تتصاعد بانتهاء رصيد الشرعية المتاكل اصلا لهذه المنظومة، والمشكل اضافة الى ذلك هو مشكل حوكمة عامة، والتحوير بات واضحا مجرد تمسك الشاهد بقشة النجاة من الغرق التي لن تفيد، والاصل ان يتم التفكير بجدية في حلول عميقة جذرية باتت ضرورية، حتى نفادى انهيارا قد يكون حادا، وهو ما حذرنا منه عديد المرات واليوم نراه بات وشيكا!!

(*) قانوي وناشط حقوقي


Comments


6 de 6 commentaires pour l'article 142076

Jraidawalasfour  (Switzerland)  |Lundi 1 Mai 2017 à 12:14           
الشاهد يعمل تحت حكم ونظام البايات.....والبقية صبايحية

...لا بد من استفتاء شعبي أو انتخابات مبكرة تشريعية وتنفيذية وشعبية 🗣⚖

لأن الناس راهم فدوووووووو

Mandhouj  (France)  |Lundi 1 Mai 2017 à 11:16           
@PATRIOTE1976 (Tunisia)

هذا حل ، إذا نذهب إليه يصبح دليل على أن المجتمع السياسي يتمتع بصحة و غير كثير المرض .. ثم لننجح يجب أن تكون قوى الضغط لصالح القوى التي تؤمن بالتغيير و المضي في تفعيل قيم الدستور و ما يفرضه من مسارات ... أما إذا دخل الارهاب ، و الانفلات الاداري على الخط ، و فعلت قوى الاقتصاد الموازي كل قواها .. فيا خيبة المسعى.. حتى حليب الصغار سوف يقطع من السوق .. هذا ليس تخويف ، لكن قوى التغيير و الاصلاح يجب أن يكون لها رؤية ثاقبة و مشروع .. و عتقد أن كثير
من الأحزاب يمكن أن تدخل في تحالف على أساس برنامج حكم لخمس سنوات قادمة . من الفعل المشين لقوى الثورة المضادة هو خلق حالة اليأس و الخوف من تبديل الحكومة و الذهاب لإنتخابات تشريعية مبكرة . الرخ لا ، شعار المرحلة .

تحياتي إليك .

Mandhouj  (France)  |Lundi 1 Mai 2017 à 09:59           
تصحيح :

نعم لا نزال ، لا أزال أحلم أن الاصلاح يمكن أن يأتي من داخل المنظومة نفسها .. لكن مع الأسف ، ما هو سوى حلم !

PATRIOTE1976  (Tunisia)  |Lundi 1 Mai 2017 à 09:58           
في ضل الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الامنية الحالية تصبح استقالة رئيس الجمهورية و الذهاب لانتخابات رئاسية مبكرة تليها مباشرة انتخابات تشريعية مبكرة افضل الحلول للتمتع بهدنة اجتماعية و لتحميل الشعب مسؤولياته كاملة في اختيار قادته الجدد و منحهم فرصة و وقتا للانجاز بعد ان تلقى عديد الدروس المفيدة من 2011 ليومنا هذا

اما اذا تمسك رئيس الجمهورية بعدم الاستقالة فذلك من حقه و له سديد النضر .

Mandhouj  (France)  |Lundi 1 Mai 2017 à 09:56           
أسباب التحوير كثيرة ، يمكن أن تكون مجرد تمسك بقشرة النجاة .. يمكن أن تكون مدروسة لإمكانية تمرير ملفات خطيرة لا تتمكن لمية الزريبي من قياداتها و لا المحافظة على سرياتها ، و السهر و الحكمة اللازمان لتمرير تلك الخيارات .. ثم بما أن ناجي جلول في خطر ، يمكن أن يستقيل هو على إدعاء أن لا يكون شاهد زور ، و ربما كثير من قواعد النداء و غيرهم قد يصطفون حوله.. خاصة أن الوقت لم يحن بالنسبة لرئيس الجمهورية و مافيا القصر قرطاج أن يستبدلوا الشاهد و لا حتى ازاحة
حافظ قائد السبسي من ساحة النداء .. خاصة أنه ذا بلاهة سياسية مفضوحة ، لكنه ماسك بقوى تصدي تقدر على المناورة ..

يمكننا أيضا أن ندخل في الهلوسة و نقول أن دائرة الحكم فهمت مقتضيات المرحلة ، وهي تريد الدخول الجدي بطريقة ذكية ، في رسم خارطة إستكمال المسارات، و فتح أبواب التنمية في مناخ اسثمار يقبل به أغلب الشعب و قواه الحية .. هناك حيطة كبيرة من طرف احزاب الحكم الكبار (النداء ، النهضة )، حتى يقوموا بهذه المناورة ببراعة لا تجيش عليهم قوى الردة الكبرى عن الثورة ... هذا الكلام الذي أسوقه في الحقيقة و حسب تعاطي الشاهد مع الأحداث ، يمكن أن نعتبره هلوسة أو حلم ..

نام لا نزال ، لا أزال أحلم أن الاصلاح يمكن أن يأتي من داخل المنظومة نفسها .. لكن مع الأسف ، ما هو سوى حلم !

لو كانت فعلا هناك نية إصلاح من داخل منظومة الحكم بعد أن عزلت حكومة الصيد .. لكان التمشي حسب وثيقة قرطاج جدي .. خاصة و أنها وثيقة يمكن أن تكون (الممكن التاريخي لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية ، المالية ، الاجتماعية، و من حالة الركود في إستكمال المسارات،... ).

مع إستكمال المسار الدستوري كنا نربح الدولة القوية بمؤسساتها القضائية و غيرها ، و كل ما تحمله من هيبة الدولة ، من رزنامة آليات الشفافية و آليات الحكم الرشيد ، و كل ما يتطلبه من آليات الرقابة الديمقراطية و الاجتماعية.. كذلك إعداد جاد لمجلة المحليات ، صياغة قانون جيد للإنتخابات البلدية و المحلية ، ...
كان يمكن الاجتماع بعديد الهيئات ، الأطراف السياسية و الاجتماعية ، و من المجتمع المدني لصياغة ورقة مصالحة مكتملة (كان هناك وقت لفعل هذا منذ دخول الشاهد رئاسة الحكومة ).. ربما كان يتطلب الوقت 3 أو 4 أشهر حوار ثم قد نكون دخلنا بكل سلاسة في مرحلة فتح أبواب التنمية و الاستثمار . و يتعافى مجتمعنا من خرقات الماضي الديكتاتوري ، ...

كان يمكن وضع رزنامة قوانين جديدة تفعل قيم الدستور من مساواة ، حرية الضمير ، ... هكذا تكون تونس دولة لا تعيش مفارقات عجيبة و تناقضات .. خاصة و أن دستور جانفي 2014 جاء ليفتح عهد جديد ، في البناء الوطني و العيش المشترك ...

بذلك نكون قد حققنا أكثر لحمة في المجتمع ، بكون ربحنا الدولة المستكملة المؤسسات . ورقة الدستور التوافقي أصبحت كفن الثورة .. لست أدري هل احزاب الحكم على وعي بهذا أم لا ؟

BenMoussa  (Tunisia)  |Lundi 1 Mai 2017 à 00:30           
سي شكري بن عيسى كل عام وانت بخير ……الباقي تفاصيل "


babnet
*.*.*
All Radio in One