بائع التيراميسو المتجول ... وريادة الأعمال في تونس

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/63fc4c6a94fd40.95501792_fknlgmijehqpo.jpg width=100 align=left border=0>


كريم السليتي (*)

انتشر في الأيام الأخيرة مقطع فيديو لشاب تونسي يبكي بحرقة بعد أن تم حجز بضاعته المتمثلة في أكواب حلويات التيراميسو التي تصنعها له أمه ليبيعها وسط العاصمة وفي أسواقها ليسترزق منها هو وعائلته، لكن في كل مرة يتكرر نفس السيناريو وتحجز بضاعته ليخسر رأس ماله، وظهرت على الشاب علامات التأثر الشديد والاحساس بالقهر وانعدام الحيلة.

...

هذا الشاب صاحب مبادرة بيع حلويات التيراميسو في وسط العاصمة مثال حي عن الفرق والتناقض بين النظريات والواقع في مجال المبادرة الحرة وريادة الاعمال في بلادنا.

هناك آلاف الاداريين والاعلاميين والخبراء الاقتصاديين يُنَظِرون ليلًا نهارًا عن ريادة الأعمال وعن تشجيع المبادرة الحرة وعن تشجيع الشباب والمستثمرين لإنشاء مشاريع جديدة، دون أن تكون لهم نظرة واقعية على أرض الميدان كيف تسير الأمور. أقول "يُنَظِرون" لأنهم جالسون في مكاتبهم منقطعون عن الواقع، ويكررون ما تعلموه في الجامعة أو في دورات تدريبية أو ما قرؤوه في الكتب.

الشاب بائع التيراميسو المتجول في بلدان أخرى ترعى الشباب والمبادرة الحرة يعتبر رائد أعمال ويلقى كل التشجيع والدعم من الدولة ومن المجتمع، وهكذا كانت بدايات عديد الماركات العالمية مثل دجاج كنتاكي في الولايات المتحدة الامريكية الذي بدأ بتوزيع الدجاج المقلي على البيوت.

لا أستطيع أن أنكر النية الطيبة لبعض المسؤولين وصدقهم واخلاصهم في دعم المبادرات الشبابية وريادة الأعمال، لكن هذه الارادة تتحطم على أسوار البيروقراطية القديمة الموروثة عن الاستعمار والذي يناهز عمرها السبعين عامًا اليوم، اجراءات تعسفية بإسم القانون، خارج التاريخ، وحسب الاهواء الشخصية لمن يطبقها، تقوم بتحطيم نفسية كل مبادر وكل مجتهد وتحطيم كل شيء جميل في هذه البلاد.

وهنا يتعين التأكيد على أنه ليس بالضرورة أن يكون رائد الاعمال من خريجي الجامعات أو من أبناء المشاهير والمتنفذين ليحقق النجاح ويكون قدوة حسنة لبقية الشباب. بل يمكن أن يكون انسانا عاديًا صاحب فكرة مبتكرة تبدأ صغيرة لتكبر وتنجح وتكون قاطرة لمبادرات ومشاريع اخرى.

لذلك يتعين على الدولة والمجتمع والاعلام أن يشجع ويحتفي بجميع المبادرات الاقتصادية مهمًا كان من يبعثها ويقوم بها.
وهنا يتبادر للذهن بعض التساؤلات المهمة :
إلى متى هذه النظرة الدونية لعامة ابناء الشعب وهذه العقلية المتخلفة المليئة بالاحتقار والتسلط على المستضعفين الذين يسعون إلى الاسترزاق بالحلال الطيب من عرق جبينهم.
لماذا لا يتم اسنادهم رخص باعة متجولين مثل الذين نراهم في نيويورك ولندن واسطنبول ودبي؟
لماذا لا تحفظ الدولة كرامة هؤلاء المجتهدين في العمل بالكسب المشروع بتقنين عملهم دون تعقيدات واجراءات وخزعبلات بيروقراطية قروسطية؟
كيف يمكن اقناع الشباب بحب بلاده والبقاء فيها والاستثمار اذا كانوا يرون مثل هذا القهر لكل من يبادر ويجتهد ليأكل من عرق جبينه؟

إن علوية القانون وهيبة الدولة وحفظ النظام لا تكون على المستضعفين والبسطاء والأتقياء والطيبين بل على عتاة المجرمين والمتحيلين وعلى المتنفذين الذين يظلمون الناس ويتعسفون عليهم مستغلين شهرتهم أو مناصبهم أو أموالهم ليظلموا البسطاء من عامة الناس ويأكلوا حقوقهم. فيأيها المسؤولون رأفة بالبسطاء والمستضعفين ورأفة ببائع التيرامسو وأمثاله من المجتهدين .

* كريم السليتي
كاتب وباحث في السياسات العمومية



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 262373

Hechmi  (Tunisia)  |Lundi 27 Février 2023 à 09h 43m |           
الرجاء كونوا عونا لناس يريدون العفاف والكسب بعرق جبينكم...


babnet
All Radio in One    
*.*.*