هكذا كانت رسالة أحمد العبيدي ”كافون“ فنان الراب ربي يشفيه ويعينه على ما أصابه من تداعيات maladie de buerger (خلل بالعروق والشرايين يعيق السير العادي للدورة الدموية يصيب خاصة الأطراف) وبتر رجله تفاديا لمزيد من المضاعفات جراء هذا المرض اللذي يمثل المدخنين 80% من مرضاه ...

كلمات ووضعية عادت بي سنوات عدة إلى الوراء وبالتحديد سنة 2003 كنت شابا لم أبلغ بعد سن الثلاثين دون أي إلتزامات أو مسؤوليات في بداية مسيرتي المهنية اللتي توفر لي دخلا أصرف معظمه على شؤوني اليومية وهي أساسا المرتبطة بالعمل أوالجلوس مع الأصدقاء والزملاء في المقاهي المتعددة اللتي كنت أرتادها كلما سنحت الفرصة لتدخين الشيشة اللتي أدمنتها سرا(أخفيت الأمر عن والداي ) منذ كان عمري 15 سنة وتدرجت في إستهلاكها حتى بلغت ثلاث مرات يوميا كمعدل متوسط وخمس مرات كحد أقصى أحيانا..إدمان نال من جيبي( 150/200دينار شهريا) ومن صحتي اللتي بدأت تتأثر سنة تلو الأخرى وخاصة مع حلول فصلي الخريف والشتاء اللتي أصاب خلالها بمختلف أنواع النزلات لتصبح في ما بعد إلتهابا مزمنا للقصبات الهوائية bronchite chronique جعلني كثير السعال والافراز المخاطي(البلغم) نصحني الأطباء كثيرا بالإقلاع عن التدخين حتى تتحسن مناعتي للأمراض الصدرية ولكن الأمر بدا لي غير عاجل أو ذي أولوية فالأدوية كانت تعطي مفعولها والحالة المرضية مرتبطة بالتغييرات المناخية للفصول الباردة فقط وجلسة مع الخلان والأحباب حول الشيشة للمسامرة أو لمشاهدة مقابلة أو فلم لا يعادلها أي شيء آخر...حتى جاءت سنة 2003 حيث مرضت كالعادة في أول الشتاء لكن فترة العلاج طالت والأدوية لم تكن لها نفس النجاعة وطالبني الطبيب المختص حينها بالإقلاع الفوري عن التدخين اللذي أصبح يعيق فعليا علاجي ففكرت حينها بالتوقف عن إرتياد المقهى ملاذي لتدخين الشيشة وبقيت أسبوعا دونها لكن سرعان ماعادت حليمة لعادتها وتابعت نسق حياتي العادية وإدماني حتى بداية شهر سبتمبر وحلول الخريف حيث عاودني المرض مبكرا هذه المرة وبحدة أقوى من سابقاتها لكن ما فاجأني حقا هو موقف طبيبي الصارم اللذي بعد ما فحصني وراجع التحاليل و صورالأشعة رفض علاجي حتى أقرر الإقلاع نهائيا عن التدخين فحياتي أصبحت في خطر ليعلمني بخبر أذهلني وهو إقبالي على مرحلة جديدة من المرض تجعلني قريب جدا من الإصابة بالإنتفاخ الرئوي emphyseme وهو إعتلال يصيب الحويصلات الهوائية والشعيرات الرئوية وتأثر في عملية فرز الأوكسيجين وتوزيعه في الدم مقابل إخراج ثاني أكسيد الكربون وهي حالة تفقد الرئتين مرونتها وتحد من القدرة على الإنبساط والإنقباض(الشهيق ،الزفير) وتؤدي مضاعفاتها إلى أمراض أخرى قد تؤدي في عديد الأحيان إلى الوفاة. كانت حقا صدمة وخاصة بعدما بحثت جيدا في تفاصيل المرض وعلمت أنه irriversible اذاما دمرت الحويصلات الهوائية والشعيرات الرئوية ...شعرت حينها بالموت ماثلة أمامي تتربص بي تنتظرني تمد يدها نحوي فكان القرار هو التمسك بالحياة والإقلاع عن تدخين الشيشة لتبدأ مرحلة جديدة وهي الكيفية وهل ستكون لي القدرة على ذلك و تغيير نمط حياة بأكملها ...فكرت مليا وقد قرب شهر مضان الكريم اللذي تفصلنا عنه أيام قليلة (آخر أسبوع من أكتوبر 2003) وكان الحل فيه أي شهر رمضان اللذي يغير فيه أغلبنا نمط حياته و تتغير مواعيدنا وعاداتنا اليومية للتلاقي مع الأصحاب فكانت آخر شيشة لي في آخر يوم من شوال تلك السنة وصمدت الليلة الأولى و الثانية والثالثة وطيلة شهر رمضان حيث ألتقي خلاني في السهرة دون التدخين معهم ثم أصبحت أتغيب عنهم بعدما كنت مواظبا لا أغيب يوما ليكون الإختبار الجدي الموالي يوم العيد والرجوع للعادات اليومية ولتفتح المقاهي طوال اليوم لكن الله سلم وما توفيقي إلا بالله حيث صمدت ولا أزال حتى صرت اليوم وبعد 14 سنة إقلاع أنفر حتى رائحة الشيشة وأنا اللذي كنت مصدرا قارا لها (ربي يسامحني فالمدخن لا يشم ) ،عوفيت تماما وشفيت وغابت عني نهائيا النزلات المتكررة لأعود للحياة مقبلا لا مدبر لأتزوج و أنجب الأبناء و أعيش في صحة جيدة صحة هي نعمة لا تقدر بثمن ولا يعرف قيمتها إلا من غادرها أو كاد...أكتب هذه الكلمات تفاعلا مع رسالة ”كافون“ اللذي أدعو له بالشفاء وأنشر هذه الشهادة علها تساعد مترددا ما زال يفكر ويتسائل عن فائدة الإقلاع وموعده وأدعوه لترك الإدمان كل أنواع الإدمان مهما صعبت أو طال أمدها فالأمل قائم مادام القلب ينبض بالحياة .