هل المسلم مُطالبٌ بإثبات إيمانه بواسطة لغةٍ دينية ضِمن إنتاجه الفكري؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/62fd5c82e0aa80.02563801_foqihpkljemgn.jpg width=100 align=left border=0>


محمد الحمّار



كلما تعلق الأمر بعمل فكري يتمثل في وصف الحياة العمومية أو الخاصة أو بتفسير ظاهرة تربوية أو ثقافية أو علمية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية من منظور الإسلام، يعتقد نفرٌ من التونسيين، مثلما هو الشأن في كل مجتمعات المسلمين، أنّ لغة شيخ الإسلام أو الإمام أو الداعية، أو الخطاب المسجدي، هي نفسها التي يتوجب أن يستخدمها المعلم والإعلامي والمهندس والطبيب والباحث ورجل الشارع وغيرهم ممن ليسوا من المتخصصين في العلوم الشرعية، أو بالأحرى هي التي ينبغي أن تتخلل كل وصف وكل تفسير لظاهرة دنيوية بل أن تتصدر كل خطاب مهما كان دنيويا، وإلا فإنّ القائم بالوصف والتفسير سوف يكون مشتبها بعدم انتمائه للإسلام. فهل أنّه من الضروري أن تكون الخلفية الإيمانية للمعلم والإعلامي ولكل المتخصصين في علوم غير علوم الدين دوما بارزة بواسطة عبارات و"حجج" و"دلائل" و"براهين" من المدونة الدينية، القرآنية منها والحديثية؟



في تعليق له على مقالة لي عنوانها "هذا ما تقوله عقيدة التوحيد في عجز تونس عن إدارة أزماتها"، كتب واحد من القراء: "لم أر في تحليلك كلمة دين أو إسلام ولو مرة واحدة!" وفي تعليق آخر على مقال لي بعنوان " عقيدتان تحرمان التونسيين من العمل وتونس من التقدم" كتب قارئ: "لقد ضل وتاه صاحب المقال (....) وأدعو الكاتب إلى اعتماد الإسلام العظيم في حل جميع المشاكل". كما كتب متابع آخر لنفس النص:" المقال لا يذكر آية واحدة ولا حديث عن نبي الله عليه الصلاة والسلام، في كيفية حياة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين. فأنصح هذا الكاتب (...) أن يُصحح عقيدته (...)"
يتجلى من هاته التعاليق أنّ ما يطالب به المسلم في علاقته مع الرأي حين يكون هذا الأخير نابعا من منطلقات إيمانية هو أن يحتوي المقال أو البحث أو الدراسة على كلمات وعبارات مثل "إسلام؛ مؤمن؛ صلاة" أو إحالات مثل "رواه البخاري ومسلم؛ قال بن ماجة؛ شرحه الزمخشري؛ جاء في تفسير بن كثير؛ حسب الطبري؛ جاء في تفسير الجلالين" وهلم جرا.
لست ضد الاستشهاد بشيء من أقوال القدامى لكن شريطة أن يتلاءم قولهم مع تفكيري. فبالرغم من أنّ هؤلاء النوابغ والمفسرون الأجلاء، رحمهم الله جميعا، قد أنجزوا أعمالا مفيدة إلا أنّه يكفي أن يكون ما أنجزوه راسخا بشكل أو بآخر في وعيِنا الجماعي لكي يكون تفكيرنا وخطابنا، مهما كان خاليا من العبارات الدينية، دالاّ عن الانتماء إلى ثقافة المسلمين إن لم أقُل على الإيمان. أما الحرص الشديد على الاستشهاد بأقوال القدامى فهي دعوة مُلحة لأمواتٍ كي يفكروا في مكان الأحياء.
كما أنّ الاستشهاد بآيات بينات من الذكر الحكيم مِن أنفعِ ما يمكن أن يُدَعم رأيا، لكن في حدود تسلسُلِ ذلك الرأي ، شفويا كان أم مكتوبا، لأنّ الخطورة لا تكمُن في الاستشهاد بالنص الديني في حد ذاته وإنما في غياب الدليل على فهم النص المستشهد به من طرف الناطق به أو محرّرِه.
في السياق نفسه، وبالرغم من أنّ الصنف من القراء الموصوف أعلاه لا يشكل غالبية إلا أنّه يشكل ظاهرة خطيرة. وتتمثل خطورتها في كونها من ناحية متخفية في ثقافة ووجدان غالبية المسلمين، مما لا يجعلها تحظى بعناية عاجلة من أجل علاجها، ومن ناحية ثانية في كونها تخفي نظرة ناقصة للتدين تتمثل في عدم قدرة ثقافة المسلمين المعاصرين على دمج كل ما هو تربوي وعلمي وسياسي واقتصادي واجتماعي في الوعي الديني، أو بعبارة أخرى عدم قدرة الثقافة على دمج الحداثة في الوعي الديني، ما حَدا بهذه الثقافة أن تقلب الموازين فتتسبب في توليد عقول تعتقد أنّ الإيمان الحق يتطلب دمج الوع الديني في الحداثة، وليس العكس كما هو مطلوب.
هكذا فإنّ التعاليق التي عرضناها أعلاه كانت محاولات (فاشلة) لترويضِ الحداثة، عبر أداة اللغة، ووضعِها تحت نير المادة الدينية الخام من قبيل آيات كريمة لا يُجيدون تفسيرها وأحاديث نبوية شريفة يؤولونها حسب انطباعهم ومزاجهم، عِوضا عن فَهم الحداثة وتَمَثلها واستبطانها في الوعي الديني إلى درجة أن يصبح فَهْم النص الديني متماشيا بالشكل الأقرب مع القرآن الكريم والحديث والسنّة. بالتوازي، سيتوَلد عن ذلك التمثل للحداثة استبطانٌ ذو جودة أعلى للإسلام، نصا كان أم مقاصدا.
بهذه الطريقة، سيتحوّل خطاب عموم المسلمين من خطاب مسجدي إلى خطاب بشري يفهمه عموم الناس، مؤمنون كانوا أم غير مؤمنين، على قدم المساواة، بالرغم من استبطانه المبدئي للحس الإيماني الديني. فقط عندئذ سيَحصل التواصل بين الإسلام والحداثة.


Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 261468

Zeitounien  (Tunisia)  |Dimanche 12 Février 2023 à 11:04           
إن كاتب المقال يرفض ضمنيا الاقتراب من الإسلام واعتماده خاصة عندما اعترض على تعليق سابق أدعوه فيه إلى اعتماد الإسلام العظيم في حل جميع المشاكل.

Zeitounien  (Tunisia)  |Samedi 11 Février 2023 à 15:55           
إن تعليق كاتب المقال بشأن تعليقي دليل بل وحجة على فراغه من العلم وعجزه على مقارعة الحجة بالحجة. وهذا ديدن كل من يلتجئ إلى السخرية هروبا من الاحترافية.

Zeitounien  (Tunisia)  |Samedi 11 Février 2023 à 08:04           
يدعو كاتب المقال إلى فصل الدنيا عن الدين خلافا للإسلام الذي جمع بينهما. فما من أمر دنيوي إلا وكان للإسلام العظيم فيه رأي وقول في التفاصيل أو في الخطوط العريضة والمنهج. وكذا في السياسة والحكم، فالآيات والأحاديث المتعلقة بالسياسة متعددة. ومن أمثال حكم الإسلام العظيم للدنيا توجيهاته للأكل والشرب والنوم والصيد والسفر والمعاملات الاجتماعية والمالية والاقتصادية والتجارية والفلاحية. وغير ذلك كثير.

ويرى كاتب المقال تجنب الآيات والأحاديث في مقالاته. فهذا الرأي مقبول فقط في صورة عدم تعلق مقاله بالدين. ولكنه يكتب في موضوع الدين الإسلامي العظيم فلا يكون مقاله مستساغا لدى العموم ومقبولا لدى المختصين إلا إذا استشهد بنصوص تشريعية من الكتاب العظيم والسنة المطهرة.

وخلافا لما أراد كاتب المقال تمريره فلا يمكن لأي شخص أن يفسر القرآن والحديث بنفسه إلا بعد استيفائه لعدة شروط صناعية أولها إتقان اللغة العربية. فلا يقبل من ضعفاء اللغة أن يفسروا آية أو حديثا. وإن اقتصار التونسيين على لهجتنا العامية يبعدهم عن فهم القرآن. فلا بد من العربية الفصحى المعمقة لفهم القرآن العظيم.

وليس كل من يقرأ القرآن يفهمه وليس كل من يفهم يفسر وليس كل من يفسر قادرا على استنباط الأحكام. ولهذا وضع العلماء ضوابط لقبول اجتهاد المجتهد وقول القائل. وإن أخرج لنا شخص غير مختص قولا أو اجتهادا (بفتح رباني ونعمة) فنعرضه على هذه الضوابط العلمية لقبوله أو رفضه.

وأسوق أمثلة لعلو المستوى في اللغة العربية إذ لا بد لمن يريد الفهم أن يتعلم على الأقل جميع قواعد النحو والصرف والبلاغة وخاصة اختلاف قواعد النحو والصرف بين مختلف القبائل العربية لأن القرآن العظيم فيه ذلك الاختلاف. وأيضا يجب عليه معرفة المعاني وخاصة المتعددة. ومن الأمثلة أعرض هذه الثلاثة الآتية وغيرها لا يحصى ولا يعد :

1 – لا ننسب المعرفة لله تعالى كما في المثل الشعبي التونسي (ربي يعرف ميمونة) لأن المعرفة حصول علم بعد جهل سابق. وعلم الله تعالى ليس كمثله شيء وهو أزلي وأبدي وحاشا الله أن يكون جاهلا ثم علم.

2 – من أصعب الدروس للتونسيين في دراية تجويد القرآن العظيم درس الوقف والابتداء ودرس الوصل والفصل. فالمعني يتغير بالوقف والابتداء. ففي سورة الأنبياء مثلا (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) الوقف على (إسحاق) يعني أن يعقوب فقط هو الموهوب نافلة وعدم الوقف على (إسحاق) يعني أن إسحاق ويعقوب موهوبان نافلة. وكذا يتغير المعنى في الوصل والفصل وقد ورد ذلك في تسع عشرة لفظة في القرآن العظيم. وكل لفظة جاءت مفصولة في مواضع وموصولة في مواضع أخرى. فيختلف المعنى بين
(أين ما) و(أينما) وبين (كل ما) و (كلما) إلخ.

3 – في الآية 212 من سورة البقرة (حتى يقول الرسول) ورد (يقول) بروايتين صحيحتين متواترتين : رفع الفعل المضارع ونصبه. ولكل رواية معنى مستقل. والمعنيان متكاملان وفيهما إثراء فكري ومعرفي.

ومن تعدد أخطاء اللغة العربية في المقال يستفاد أن الكاتب ليس متضلعا في العربية ويستحيل عليه إذن فهم القرآن ما دام لم يتعلم. ولكن يجوز له الاستشهاد بالقرآن العظيم والحديث الشريف بفهم من يشاء من أهل الاختصاص الموثوق في علمهم وتقواهم من الذين لم يغيروا مقالاتهم تحت تأثير الأهواء المنحرفة للسياسة والمال وغيرهما.


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female