الحناشي والجورشي: لا بديل عن "الحوار" لحل الأزمة السياسية في تونس،"و لا جدوى من انتخابات مبكرة قبل تعديل المنظومة الانتخابية"

وات -
تحرير أحلام الجبري - أزمة سياسية مركبة ومعقدة ومتعددة الأوجه، تعيشها تونس منذ أشهر، وهي الأكثر تعقيدا منذ الاستقلال. ورغم مراكمة التجارب والنجاح في الخروج بالبلاد من أزمات سابقة، أخطرها أزمة العام 2013، لم تتمكن النخب السياسية ولا الأطراف الاجتماعية ولا "الحكماء والعقلاء" من إيجاد مخرج لهذه الأزمة، ما خلق مشهدا سياسيا موسوما بالجمود والتوتر حد "العبثية"، انحسر فيه وعي من يحكمون (سلطة ومعارضة) بأولويات حارقة تهدد كيان الدولة وبنيانها الاقتصادي، وتمترسوا وراء حسابات سياسية وفئوية ضيقة تستخف بالفاتورة الثقيلة لأوضاع اجتماعية متفجرة.
ولئن كان أغلبية أهل الرأي والقرار يجمعون على أن الحوار يعد الآلية الأنجع للتباحث حول مشاكل البلاد وإيجاد حلول لها، بديلا عن الدفع بالأزمة والمعارك والخلافات إلى أقصاها، فإن الأطراف السياسية لم تنجح في تحقيق حد أدنى من الاتفاق، حتى أن رؤساء المؤسسات السيادية الكبرى للبلاد باتوا يتواصلون عبر الرسائل ويتبادلون الإتهامات ويحملون بعضهم البعض مسؤولية تعميق الأزمة.
ولئن كان أغلبية أهل الرأي والقرار يجمعون على أن الحوار يعد الآلية الأنجع للتباحث حول مشاكل البلاد وإيجاد حلول لها، بديلا عن الدفع بالأزمة والمعارك والخلافات إلى أقصاها، فإن الأطراف السياسية لم تنجح في تحقيق حد أدنى من الاتفاق، حتى أن رؤساء المؤسسات السيادية الكبرى للبلاد باتوا يتواصلون عبر الرسائل ويتبادلون الإتهامات ويحملون بعضهم البعض مسؤولية تعميق الأزمة.
وقد تعددت المبادرات الداعية لعقد حوار جامع وشامل، لم تتوصل جميعها إلى جمع الشتات وتوحيد الكلمة لفائدة المصلحة الوطنية، وأهمها مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل، الذي دعا رئيس الجمهورية للإشراف عليها، إلا أن هذا الأخير وضع تقديم رئيس الحكومة هشام المشيشي لاستقالته شرطا أساسيا لإجراء الحوار، بالرغم من موافقة جل الأطراف السياسية، وفي مقدمتها حركة النهضة، وجزء من الأحزاب الداعمة للرئيس قيس سعيد، على الحوار.
وأمام تعثر مسار الحوار، تواتر الحديث مجددا عن إمكانية اللجوء إلى إنتخابات تشريعية مبكرة، أو إلى استفتاء على نظام الحكم، غير أن تواصل توفر شروط الأزمة على المستويين الدستوري والقانوني وعلى صعيد تركيبة الحكم، يفرض مراجعة شاملة على كافة المستويات حتى لا تعيد الحلول الوقتية إنتاج أزمة أعمق.
الأزمة اكتست بعدا ذاتيا وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية زاد في تعميقها
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي وأستاذ التاريخ المعاصر، عبد اللطيف الحناشي، أن الأزمة السياسية الراهنة انطلقت منذ سقوط حكومة الحبيب الجملي الذي اقترحته حركة النهضة، وتتالت بعدها المواقف والقرارات التي زادت في تعميق الهوة بين أطراف الحكم وأضلع السلطة، كما ازدادت تعقيدا بسبب الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية، واكتساء الأزمة بعدا ذاتيا شخصيا.
وأضاف في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنه وبالرغم من تعدد المحاولات لتنظيم الحوار، فإن المسألة مازالت معطلة مما أوصل البلاد إلى "مأزق لم تعرفه طوال تاريخها المعاصر، ولا يمكن مقارنته بأزمة 2013 بعمقها وتمددها وسياقها ونوعيتها".
واعتبر الحناشي أن "المشكل الأساسي هو فقدان الثقة بين الأحزاب، ونفيها لبعضها البعض، ومحاولتها تسجيل النقاط على حساب بعضها البعض"، مما يكشف أن "هذه النخبة السياسية وإلى حد اللحظة، ليست واعية بخطورة الوضع والمرحلة التي تمر بها تونس"، وغير قادرة على إدارة الصراع أو الخلاف أو على إدارة الأزمات "وفق الآليات المفروض اعتمادها، والمتمثلة في التنازلات والتوافقات والتسويات، والتي تعتمدها الدول فيما بينها خلال الحروب، فما بالك بأبناء البلد الواحد".
كما شدد على ضرورة أن تتجاوز الأزمة البعد الذاتي والأخلاقي وتراعي مصلحة الوطن قبل كل شيء، معتبرا أن الأحداث التي شهدتها البلاد منذ بداية الأزمة، والتظاهر في الشوارع، وتنامي منسوب العنف اللفظي والجسدي، لا يخدم مصلحة أي طرف كان، وخاصة مصلحة الشعب.
لا بديل عن الحوار لحل الأزمة
وأكد الحناشي أن كل الحلول المقترحة لحل الأزمة لن تكون ذات جدوى في ظل الظروف الراهنة، ولا بديل عن الحوار كفضاء جامع للتباحث حول القضايا الجوهرية وإيجاد أرضية مشتركة للعمل من أجل الخروج بحلول جذرية للأزمة متعددة الأوجه التي تمر بها البلاد، لافتا إلى "ضرورة تنظيم حوار يجمع النخب الأكاديمية والفكرية لا السياسيين فقط".
ودعا إلى الاستعانة بالخبراء والأكاديميين والمستقلين لإيجاد بدائل، مجددا التأكيد على أهمية إيجاد لجنة أو هيئة من الحكماء، تضم شخصيات وازنة على المستوى المعرفي، ترجع لها الأحزاب والنخب عند كل إشكال، "وإن كان الاتفاق حول أعضائها صعبا في ظل سعي كل طرف سياسي للتموقع على حساب الآخر، والمحكمة الدستورية أفضل مثال على ذلك"، حسب تعبيره.
وقال "إن الأغلبية تطالب بإعادة النظر في النظام السياسي، لكن ذلك لن يكون له أي جدوى قبل المصادقة على قانون جديد للانتخابات، لأن القانون الحالي سيفرز التركيبة ذاتها بخلافاتها وتناقضاتها وأزماتها غير المحلولة، كما أن الصراعات ومحاولات التموقع ستفشل كل المبادرات".
وأضاف أنه "من المفروض على هذه النخبة أن تعيد النظر في سلوكها وتفتح المجال للنخب حتى تكون طرفا في الحوار وتدفع نحو تحقيق خطوات إلى الأمام".
من ناحيته، شدد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح ل"وات" على ضرورة فتح حوار وطني، كحلقة انتقالية، قبل المرور إلى الإصلاحات، مقترحا، في صورة تواصل رفض رئيس الجمهورية المشاركة فيه أو الإشراف عليه، وتخوف الحكومة ورئاستها منه، "فتح الحوار بين الأطراف المؤمنة بجدواه، وتكوين جبهة عريضة تتفق على أرضية سياسية وحلول محددة، وبناء على ذلك، يمكن لهذه الكتلة الواسعة السياسية والمدنية أن تفتح المجال لممارسة الضغط على الأطراف الرافضة للحوار".
وأضاف "لو تشكلت هذه الكتلة الواسعة، فإن الأشخاص في مواقع المسؤولية سيعيدون النظر في مواقفهم وسيلتحقون بهذا المسار الحواري"، منبها إلى أن المواصلة في هذا النسق سيوصل تونس إلى "وضع متفجر سيؤدي إلى خروج الناس للشارع، لأن مصالحهم الحيوية مهددة، وبالتالي فإن الحوار سيكون فرصة لتراجع كل الأطراف حساباتها وترى الإمكانيات التي يمكن اللجوء إليها".
تعديل المنظومة الانتخابية بات ضروريا من أجل تعديل المشهد
واعتبر الجورشي أنه بات من الضروري تجاوز المشهد الحالي والسعي لفتح مجال لإمكانية إعادة بناء المشهد السياسي "من خلال التفكير في جملة من المقترحات، جوهرها تنظيم انتخابات مبكرة، لكن بعد القيام بالعديد من الإصلاحات"، ذلك أن توفر شروط الأزمة الراهنة القائمة ستؤدي إلى إعادة تغذية الأزمة وترسيخها في البلاد، حسب تقديره.
وبين أنه لا بد أن يسبق تنظيم الانتخابات، تغيير المنظومة الانتخابية برمتها بشكل جدي وشامل، وتركيز المحكمة الدستورية، مع إمكانية فتح المجال لمراجعة جوانب في الدستور تتعلق بالنظام السياسي "الذي أصبح سببا في إنتاج مشاكل وأزمات مستمرة بدل تأطيرها وإيجاد حلول لها".
وأضاف أنه بعد استكمال الحسم في هذه النقاط والاتفاق حولها، يمكن المرور للحديث عن انتخابات سابقة لأوانها، تكون بقرار توافقي وجماعي، لأن الوضع الراهن لا يسمح بالدعوة لحل البرلمان أو لإقالة رئيس الجمهورية، وهي مقترحات تفتقر إلى الحد الأدنى من الواقعية، "إلا إذا كانت بالقوة والغلبة، وهو ما سيدفع تونس نحو المجهول"، وفق قوله.
كما شدد على ضرورة فتح المجال لتجديد النخبة وإفساح المجال أمام الشباب لتقديم الإضافة حتى يتجدد لدى هذه الأجيال الإيمان بالوطن قبل الجميع، وأن تبتعد عن مظاهر الاستقالة، معتبرا أن ذلك "يفرض إعادة النظر في الثقافة السياسية التي أصبحت بعد عشر سنوات مرتبطة بالانتهازية وبالجانب الظرفي وبتنامي نزعة الأنانية والمصالح الضيقة".
Comments
3 de 3 commentaires pour l'article 222347