تونس: جلود الأضاحي جزء من التراث اللامادي في طريقه إلى الاندثار

(وات/ تحرير منية تريمش)
يعتبر الاهتمام بجلود الاضاحي في مدينة المنستير وفي عديد المدن التونسية الاخرى جزءا من التراث اللامادي، غير أنّ العديد من الاسر تخلت خلال السنوات الأخيرة عن تقليد العناية بها، وباتت تلقي قرب حاويات الفضلات لتهدر بذلك ثروة تعود بالنفع على الكثيرين، ويدفن تراث عريق طالما ارتبط بحياة الاشخاص وذكرياتهم.
يعتبر الاهتمام بجلود الاضاحي في مدينة المنستير وفي عديد المدن التونسية الاخرى جزءا من التراث اللامادي، غير أنّ العديد من الاسر تخلت خلال السنوات الأخيرة عن تقليد العناية بها، وباتت تلقي قرب حاويات الفضلات لتهدر بذلك ثروة تعود بالنفع على الكثيرين، ويدفن تراث عريق طالما ارتبط بحياة الاشخاص وذكرياتهم.
واعتبرت احدى المستجوبات (السيّدة مشموم، أصيلة مدينة المنستير) في تصريح لمراسلة (وات) ان "هذه الظاهرة بدأت منذ حوالي 10 سنوات، وتفشت خلال السنوات الأخيرة"، وذكرت أنّها وزوجها "يجمعان البعض من هذه الجلود التي يجلبها عدد من الأهالي ويقومان بتنظيفها وتوزيعها مجانا على بعض النسوة المسنات من اللواتي يغزلن الصوف".
وقالت ان "جلد الأضاحي، يكتسي حسب الثقافة الشعبية، على خلاف جلد الخروف في سائر أيام السنة، نوعا من القدسية، وحياكته وارتداءه فيه ثواب"، وفق المعتقد السائد.

وأفاد مدير إدارة النظافة والمحيط ببلدية المنستير محمود بنواس أن البلدية "رفعت المئات من جلود الأضاحي سلمت بعضها خلال يومي عيد الإضحى إلى بعض الأشخاص المختصين في غسل الجلود، فيما ردمت البقية التي أصبحت تنبعث منها رائحة كريهة في مصب الفضلات"، مشيرا في سياق متصل الى ان "المواطنين لم يتجاوبوا مع بلاغ البلدية بخصوص توقيت رفع الفضلات المنزلية خلال يومي العيد".
وذكرت احدى سكان حي السلام بالمنستير (حميدة البديوي) أنّها "تقوم يوم العيد بغسل جلد الأضحية بماء البئر ثم تضع عليه الملح وتتركه ليجف تحت أشعة الشمس، لتقوم بغسله مجددا بماء البئر (باعتبار أنّه لم يعدّ مسموحا بغسله في البحر) ثم تتركه ليجف وتنظفه وتمشطه "بالقرداش"(مشط الصوف)".
وتعتمد النسوة في مدينة المنستير طريقة تقليدية متوارثة في معالجة جلد الخروف ترجع الى ما قبل القرن 19، وتتمثل في شق الجلد على مستوى الرقبة والأطراف في مرحلة أولى، ووضع كمية هامّة من الملح عليه، وعرضه لأشعة الشمس ليجف، ويتم في مرحلة ثانية غسله بماء البحر و"الطفل" (الطين الطبيعي)، مع طرقه باستعمال "الكرنيفة" (وهي التسمية الشعبية لجزء من غضن النخلة الذي يكون ملتصقا بها قبل اقتلاعه وثقفه)، ثم تقوم النسوة في مرحلة ثالثة بتجفيف الجلد بعد دقه أرضا بمسامير، وغالبا على الحائط، وفي مرحلة رابعة يتم تمشيطه باستعمال "القرداش" وذلك في حال أريد الإحتفاظ به لاستعماله في غرفة النوم أو الجلوس، وان لم يكن كذلك فيّجز صوف الجلد لاستعماله كحشو للوسادة أو للحشايا التي كانت تقوم بحشوها وخياطتها في المنستير "أمي حبيبة" والشهيرة باسم "شَاوْشَةْ"، أو تحويله إلى خيوط لنسج الزربية أو البرنس (لباس رجالي) أو "العْبَانَةْ" أو "الوَزْرَةْ" وهي تسميات شعبية لما يعرف اليوم بالأغطية الصوفية.
وأوضح المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بالمنستير كاظم المصمودي أن "عددا من الخواص كانوا في السابق يجمعون هذه الجلود في شاحنات صغيرة مباشرة من المنازل، ثم يقومون ببيعها إلى معامل الصوف، ويُوّجه حوالي 90 بالمائة منها إلى مدينة قصيبة المديوني باعتبارها تضم أكبر عدد من معامل الصوف إلى جانب مدينة خنيس، غير أنّ التراجع الكبير المسجل في إنتاج الزربية، وقلّة الطلب، وندرة استعمال الأغطية والملابس المنسوجة من صوف الخرفان اليوم، والذي يعود الى تغير نمط عيش التونسيين، جعل عدد المجمعين يتراجع، حيث يوجه البعض إلى تصدير الصوف في شكله الخام دون تثمينه بسبب تراجع الاستهلاك".
واعتبر المصمودي أنّ "بامكان الدولة التشجيع على جمع هذه الجلود في مناطق تربية الخرفان على غرار سيدي بوزيد والشمال الغربي للبلاد التونسية لخلق موارد رزق جديدة وحماية البيئة وتثمين هذا المنتوج عبر الابتكار وذلك بتضافر جهود مختلف الأطراف المتداخلة على غرار التشغيل والبيئة والتراث والصناعات التقليدية".
واشار الى ضرورة تدخل أطراف عدة على غرار الفلاحة "لتجويد أنواع معيّنة من الخرفان بهدف انتاج صوف بجودة عالية ومردودية كبيرة، بما من شأنه مساعدة الصناعيين في حال بعث مشروع لاستغلال هذا الصوف في الصناعات التقليدية أو في المنسوجات أو في الصناعة"، على حد قوله.
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 131062