يتظاهر أشقاؤنا في الجزائر والسودان من أجل إرساء "دولة مدنية" في مكان "دولة العسكر" القائمة في بلدانهم منذ عقود.. كما يطالبون بنظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان والحرّيات العامة ويتداول فيه مدنيون على السلطة..
في تونس وخلافا لتقدير الشعبين السوداني والجزائري للأمور، يطالب بعض ساسة "الهوان" بالبيان رقم واحد ويتصوّرون أن العسكر يمكن أن يكون حلّا.. رغم أنه لا توجد في تاريخ الأنظمة السياسية حالة واحدة أثبت فيها العسكريون قدرتهم على ممارسة الحكم بشكل جيّد وناجح..
لا شكّ أن أداء النخب السياسية في تونس غير مرضي، فنحن في ديمقراطية ناشئة لا تؤتي أكلها إلا مع الزمن، ولكن ليس الحل أبدا في السير بالبلاد في الإتجاه المعاكس للتاريخ، والحمد لله أن مؤسستنا العسكرية قد بنيت على أسس صحيحة ذات عقيدة وطنية راسخة تقوم على احترام صارم للمؤسسات الدستورية، وعلى انضباط قوّي للدستور والقانون.
وما جرى في انتخابات باردو البلدية يجب أن يكون عبرة، فماذا يعني عزوف 90 بالمائة عن أداء واجبهم "المواطني" والتنازل بالتالي عن حقّهم "الدستوري" الذي سالت دماء الشهداء الزكية عبر الأجيال من أجل أن يتمتعوا به.. وهل يعاقب شعب ما نفسه بهذه الطريقة وكأنه يجلد ذاته، وما بجلد الذات تنصلح الأمور.
بلدية باردو ليست كسائر البلديات، بل هي بلدية "سيادة الشعب"، فهل يعني أن الشعب عازف عن ممارسة سيادته، فإن كان الأمر كذلك فهل يعقل ذلك؟ التصحيح ممكن دائما، ولكن هل العزوف والمقاطعة هما الحل؟ لا أعتقد ذلك، إن أردتم عاقبوا السياسيين لكن لا تعاقبوا الديمقراطية.. قد يكون الديمقراطيون أخطأوا ولكن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة، والدولة المدنية هي أحسن بكثير وأكثر صونا للذات البشرية من الدولة العسكرية.. فلا نضيّع بمزاجنا المتقلّب وعنادنا غير المبرر الفرصة التاريخية."