بدون ثورة أخلاقية شاملة لن تنتج تونس للعالم إلا وحوشا بشرية

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5e2c93ffa80e35.34382815_enomiphlkgqfj.jpg width=100 align=left border=0>


كريم السليتي

يستغرب الكثير من التونسيين عن أسباب استشراء الفساد في كل أجهزة الدولة دون استثناء، وعن أسباب كثرة عمليات السرقة تحت تهديد الأسلحة البيضاء (البركاجات)، وعن الغش في المواد الغذائية والغش في الامتحانات والمناظرات، وعن انتشار اللامبالاة والتقصير والاهمال واستغلال النفوذ، وعن مظاهر التفسخ الأخلاقي وانعدام القيم وغياب مظاهر الرجولة والمروءة عند الناس وعدم احترام الكبير في سن واستغلال الضغيف والفقير.





كل هذه المظاهر تدل على وجود أزمة أخلاقية خطيرة تهز أركان بلادنا من شماله إلى جنوبه وتشمل المتعلمين والأميين على حد السواء والفقراء والأغنياء و الكبار والصغار.

والسؤال المطروح لماذا فشلت تونس في انتاج مجتمع متحضر وذو أخلاق رفيعة. لماذا أينما حللت تحس بهذه الأزمة الأخلاقية في المعاملات والتصرفات؟.
لماذا سمعة التونسيين سواء في ايطاليا أو فرنسا أو في قطر والامارات مرتبطة بجوانب سلبية مثل قلة الثقة والانتهازية المفرطة وعدم احترام الوعود والتعهدات.

إن ما نراه اليوم من أزمة أخلاقية ومجتمعية كبيرة هو نتيجة لتراكمات لجملة من السياسات والإجراءات التي قامت بها الدولة التونسية على مدى عقود منذ فجر الاستقلال مرورا بالحقبة السوداء للرئيس المخلوع وصولا الى ما رافق الثورة من استغلال المنحرفين اخلاقيا لمساحات الحرية لبث سمومهم الاجتماعية والتشجيع على التمرد على قواعد التصرف الحضاري و الأخلاقي.

لقد كانت سياسات بورقيبة مبنية على فرضية ان انتاج مجتمع علماني ضعيف العلاقة بالتدين سيتنج شعبا متحضرا على غرار البلدان الاسكندنافية وسويسرا. وجاء بن علي بسياسة الفوضى الأخلاقية الخلاقة ظنا منه أن ضرب النواميس الاجتماعية التي تفرض الاحترام داخل المجتمع سوف يريحه من التيارات الإسلامية حيث لن تجد لها موطأ قدم في المجتمع. وعمل على تشجيع كل انواع الرذيلة عبر فتح الخمارات والمواخير الرخيصة الثمن في اغلب المدن والقرى الداخلية. كما عمل على تجفيف منابع الأخلاق و الدين في البرامج التعليمية وحاول تعويضها بثقافة اللهو والمجون والتعصب للجمعيات الرياضية.

لكن هذه السياسات المجتمعية المحاربة في عمقها للجوانب الدينية والأخلاقية أنتجت شيئا مختلفا تماما عما كان يرمي اليه منظرو تجفيف منابع التدين ، حيث تبين بالكاشف أن شخصية التونسي اذا تم تجريدها من الوازع الديني والأخلاقي تصبح شحصية تستحل كل شيء لتنتج شيئا فشيئا وحوشا بشرية لا رحمة في قلوبها ولا انسانية.

بل إن هذا الجيل اللاأخلاقي صارت له جرءة كبيرة على محاربة وتشويه الأقلية التي مازالت تحافظ على جزء من أخلاقها وإنسانيتها. والأمر لا يتعلق بالمستوى التعلمي فأغلب المورطين في قضايا فساد وفضائح تحرش هم من خريجي الجامعات والدراسات العليا.

اليوم إذا خرجت من بيتك لا تأمن على نفسك ولا على أفراد عائلتك ليس فقط من قطاع الطرق بل أيضا من الطبيب الذي سوف يداويك ومن التاجر الذي ستشتري منه مواد غذائية ولا تأمن على أطفالك من معلمهم أن يتحرش بهم ولا من الشرطي والقاضي ان لا ينحازفي تطبيق القانون.
اذا الأمور صارت أشبه بالغابة التي لاثقة فيها بين أفرادها. وهذا مؤشرا خطير جدا خاصة في ظل وجود صحافة وإعلام ينشر التفرقة والفتنة بين الناس ويزين لهم الباطل ويشوه الحق.
إن الأزمات الأخلاقية أشد خطرا من الأزمات الاقتصادية وأخطر حتى من الفقر. لأنه لا يمكن لبلد نسبة هامة من شعبه يتصف بالانتهازية أن ينتج اقتصادا قويا موثوقا فيه.
إن أولى الأولويات للحكومات القادمة هي توعية الناس بأهمية الالتزام الأخلاقي واحترام القواعد المجتمعية وتأصيل الناشئة في دينهم حتى ينمو الوازع الديني والضمير الانساني لديهم فيكونوا مواطنين صالحين وملتزمين أخلاقيا.
إن الاصلاح يبدأ بوضع مدونات سلوك مفصلة داخل مؤسسات الدولة ومحاسبة الفاسدين بلا رحمة ليكونوا عبرة لغيرهم. كما أن إصلاح البرامج التعليمية لتشمل الجوانب التربوية والأخلاقية والحرص على انتداب وتوظيف منهم على خلق وتدين لضمان ايصال قيمهم وأخلاقهم للنشء من شأنها أن تنتج جيلا ملتزما.
إن اصلاح الاعلام التونسي ووضع ضوابط اخلاقية وقواعد حضارية ومجتمعية صارمة يتعين احترامها هي أيضا من بين الخطوات التي ينبغي اتخاذها ومراقبة تنفيذها لضمان ان يلعب الاعلام دوه الايجابي في المساهمة في الخروج من هذه الأزمة الخطيرة التي يتجنب السياسيون الخوض فيها.

كاتب وباحث تونسي


Comments


8 de 8 commentaires pour l'article 196829

Volcano  (France)  |Lundi 27 Janvier 2020 à 08:16           
فعلا ازمة تونس ازمة اخلاقية بالاساس فمن دون الاخلاق تنعدم كل المقومات الاخرى التي تجد نفسها فاقدة لكل سند و اساس فتنهار و ينهار المجتمع ككل
لقد بقينا طيلة عقود نعالج التمضهرات الخارجية فقط لهذه الازمة مثل الاجرام و الارهاب و الفساد وووو دون ان نركز و ندرس الدوافع و الاسباب الحقيقية لها و لعل الازمات الاخلاقية المتحكم فيها هي دفة القيادة التي تحدد مسار اي مجتمع و ان من يمسك تلك الدفة هو الذي يحدد مصير اجيال كاملة منا وان موقعه في الدولة محل صراع و تخطيط يخدم في النهاية مصالح صاحب المشروع

Elghazali  (France)  |Dimanche 26 Janvier 2020 à 17:33           
دهبت الخلاق مع عوده الاخوان بقوه علي الساحه الاجتماعيه والسياسيه

Potentialside  (Tunisia)  |Dimanche 26 Janvier 2020 à 12:50           
خلاصة الحديث ،انظر الي معدلات الطلاق في الأسر التونسية و حالات الفقر و التهميش في كل المجالات لتفهم ما يحدث .لا الأسرة قامت بدورها ،ولا المدرسة قامت بدورها و لا الدولة و المجتمع المدني يولي اهتمام كاف للتربية و الثقافة و الذوق العام.الامور خرجت عن الكنترول في جميع المجالات ،الهدم سهل و البناء صعب ...

Aziz75  (France)  |Dimanche 26 Janvier 2020 à 08:45           
إنما الأمم أخلاق ما بقيت قالها عميد الشعراء شوقي. هذا ما يريده المستعمر و ما تبناه "النخبة" أو بالأحرى النكبة. دراسة قيمة قام بها أحد الباحثين في الغرب، الطفل الغربي في سن العاشرة يعرف 16000 كلمة من لغته الأم، لكن العربي في نفس السن يعرف 3000 كلمة لأنه يتحدث لغة و يتعلم لغة عامية. و الطفل الذي حفظ القرآن في نفس السن يعرف50000 كلمة. فرنسا مثل إ نقلترة عملوا على منع المدارس القرآنية و تهميش الناشأة و زرع الفكر العلماني التطرفي في المجتمعات
الإسلامية و العربية خاصة. هذه الدراسة ينبغي ترجمتها و توزيعها في المجتمعات الإسلامية على نطلق واسع. و هذا من أكبر الواجبات لكل الحكومات.

Ra7ala  (Saudi Arabia)  |Dimanche 26 Janvier 2020 à 06:34           
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه

MedTunisie  (Tunisia)  |Samedi 25 Janvier 2020 à 21:52           
لم يصنع الاستعمار الفرنسي هذا و لم يترك جيلا مثل هذه الاجيال المتعلمة في دولة الاستقلال

BenMoussa  ()  |Samedi 25 Janvier 2020 à 21:21           
كلام في الصميم وتحليل صادق
لكن مع الاسف مقال ممط مطول جدا كان من الاجدر اختصاره تعميما للمنفعة والفائدة
ثم اننا قوم اعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله. مقولة وعاها اعداؤنا واستغلوها لاذلالنا والتغلب علينا ولم نعمل بها فصار هذا حالنا

Mohamedwalid  (United States)  |Samedi 25 Janvier 2020 à 20:29           
شكرا على اثارة هذا الموضوع فالازمة في تونس قبل كل شيء أخلاقية وهذا ما لا يريد ان يخوض فيه الاعلام الفاسد الذي يشجع على الرذيلة ومحاربة القيم الدينية


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female