زيارة ماكرون لتونس: ضغوط لانعاش اللغة الفرنسية المحتضرة وخيبة أمل للتونسيين

كريم السليتي (*)
عندما زار ترامب السعودية وحصل على نصف ترليون دولار قال كلمته الشهيرة : Jobs, Jobs, Jobs، أما ماكرون لما زار تونس قال : Français, Français, Français. ماكرون ومن ورائه كل فرنسا يعلمون جيد أن لغة موليير في تراجع مستمر أمام لغة شكسبير، ليس فقط بين الشباب في تونس بل أيضا حتى في فرنسا نفسها. لذلك تحاول الحكومة الفرنسية استغلال الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الهشة في تونس لمقايضة بعض المساعدات الاقتصادية الموعودة بمزيد دعم التعليم باللغة الفرنسية، التي صارت في حقيقة الأمر مضيعة للوقت و استثمار تعليمي أثبت فشله دوليا، حيث أن أي بحث علمي جاد لا يمكن إلا أن يكون باللغة الإنجليزية.
عندما زار ترامب السعودية وحصل على نصف ترليون دولار قال كلمته الشهيرة : Jobs, Jobs, Jobs، أما ماكرون لما زار تونس قال : Français, Français, Français. ماكرون ومن ورائه كل فرنسا يعلمون جيد أن لغة موليير في تراجع مستمر أمام لغة شكسبير، ليس فقط بين الشباب في تونس بل أيضا حتى في فرنسا نفسها. لذلك تحاول الحكومة الفرنسية استغلال الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الهشة في تونس لمقايضة بعض المساعدات الاقتصادية الموعودة بمزيد دعم التعليم باللغة الفرنسية، التي صارت في حقيقة الأمر مضيعة للوقت و استثمار تعليمي أثبت فشله دوليا، حيث أن أي بحث علمي جاد لا يمكن إلا أن يكون باللغة الإنجليزية.
تونس سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي لم تحقق شيئا يذكر سوى بعض الوعود الفرنسية ببعض الدعم الاقتصادي على سبيل المكرمة، ومن باب التصدق بالفتات اليسير على المتسول جنوب المتوسط. لكن في المقابل حقق ماكرون ست (6) إنجازات على الأقل متمثلة في:
1- ضمن تعهد الحكومة التونسية بعدم القيام بالإصلاح المرتقب للتعليم الثانوي والعالي والبحث العلمي والذ ي يفرضه المنطق و المصلحة الوطنية و المطلوب بإلحاح شبابيا في تونس، والذي كان من المفترض أن يتضمن تغيير تدريجي في استبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية.
2- أوصل ماكرون من تونس رسالة واضحة لكل من تركيا و الإمارات و قطر وألمانيا و الولايات المتحدة بأن تونس هي مستعمرة فرنسية و أرض نفوذ اقتصادي و سياسي فرنسي وأن القرارت التي تتخذها الحكومة التونسية و الاتفاقيات الدولية التي تبرمها تونس لابد أن تمر عبر باريس أولا للحصول على الضوء الأخضر. و يمكن للمتابع البسيط المقارنة بين الاستقبال الذي تم تخصيصه لماكرون والهالة الإعلامية المرافقة لذلك في الإعلام التونسي بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى تونس.
3- أوصل رسالة للتونسيين بأن فرنسا الهرمة ديمغرافيا يقودها شاب يافع وأن تونس الشابة ديمغرافيا يقودها شيخ تجاوز التسعين من عمره.
4- ضمن عدم تطرق الجانب التونسي للمطالب الشعبية الحثيثة المتعلقة بطلب زيادة عدد التأشيرات المخصصة للتونسيين، وتسوية وضعية الشباب التونسي المقيم في فرنسا بدون أوراق رسمية.
5- ضمن عدم تجرأ الحكومة التونسية على فتح الملفات الساخنة المتعلقة بعقود "الإذعان" الخاصة بالطاقة والموارد الطبيعية (البترول، الملح، الفسفاط...) وهي عقود استعمارية بإمتياز و تستنزف إيرادات الدولة التونسية. ولو كان ماكرون صادقا في وجود إرادة لمساعدة تونس لأمر بمراجعة عقود تصدير الملح على سبيل المثال.
6- ضمن عدم فتح الملف الليبي ومساعدة فرنسا للماريشال الليبي خليفة حفتر على حساب استقرار ليبيا وذلك طمعا في عقود النفط التي قد تجنيها فرنسا من تحالفها معه رغم أنه متمرد وخارج على القانون والشرعية الدولية.
في المقابل من ذلك لم يفتح ماكرون ملف حقوق الإنسان في تونس وانتشار التعذيب وملاحقة الصحافيين والمدونين لمجرد إبداء أراءهم والتجسس عليهم، وبصمته فهو يقر تلك الممارسات أو يعطي الضوء الأخضر للمزيد منها. والحقيقة أن سجل فرنسا حافل جدا بالتناقضات في المتاجرة بورقة حقوق الإنسان وحرية الصحافة وللحكومات الفرنسية المتتالية تاريخ طويل في دعم الدكتاتوريات والمسؤولين الفاسدين في مختلف دول العالم مقابل ضمان مصالحها الثقافية والاقتصادية.
لا يشك أحد بأن لتونس علاقات متينة مع فرنسا وعليها المحافظة عليها لكن ليس على حساب المصلحة الوطنية، حيث يجب الوعي بأن فرنسا سببت لتونس انعزالا عن العالم وما يحدث فيه من تطورات اقتصادية وتكنولوجية ضخمة. تونس لا ترى العالم إلا من الثقب الذي تسمح به فرنسا وهو ما يضيع عليها فرصا لا يعلمها إلا الله. حيث عطلت الفرنكوفونية الشاب التونسي المتعلم من الاندماج في سوق الشغل العالمية، وأضاعت علة تونس فرص مضاعفة حجم الاستثمارات المباشرة الخارجية وعدد السياح وحجم الصادرات.
من جانب آخر أوقعت التبعية إلى فرنسا الإدارة التونسية في براثن البيروقراطية وعقلية الانتهازية والزبونية بسبب الموروث الاستعماري والعقلية الفرنسية التي كانت سائدة زمن الاستعمار. كما أن العقلية الأمنية والنزعة البوليسية للدولة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا هي نتيجة للعقلية الاستعمارية الموروثة عن الجندرمة الفرنسية في تعاملهم مع الرعايا التونسيين زمن الاحتلال.
الأمل اليوم، في شباب تونس الذي صار له تعليم موازي، حيث يتعلم اللغة الإنجليزية يوميا على تطبيقات اليوتيوب و ويمارسها على مواقع التواصل الاجتماعي. فهناك أعداد لا يستهان بها من التعليقات والكتابات للشباب التونسي تتم باللغة العربية أوالإنجليزية وقد انحصر استعمال اللغة الفرنسية في مواقع التواصل الاجتماعي على الفرنكفونيين الجامدين والذين غالبا ما يكونون قد تجاوزوا الخمسين من أعمارهم.
باحث و محلل سياسي
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 155291