كيفما اليوم: معركة اليرموك

في مثل هذا اليوم 20 أوت 636 انتهت معركة اليرموك أحد أهم وأشهر المعارك في التاريخ الإسلامي والبشري بانتصار المسلمين على حساب البيزنطيّين
مع وفاة الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم سنة 632، كان الإسلام قد انتشر في الجزيرة العربيّة، فقام الخليفة أبو بكر الصدّيق بتركيز دعائم دولة الخلافة الاسلاميّة بمحاربة المتمردين فما عرف بحروب الردّة، ثمّ بدأ بنشر الإسلام خارج الجزيرة، وواصل على نهجه بقيّة الخلفاء من بعده. وقد تمكّن المسلمون في عهد أبي بكر إلى فتح الشام التي كانت تعتبر السور الحامي للامبراطوريّة البيزنطيّة من خطر العرب.
وكان البيزنطيّيون (الروم في المصطلحات العربيّة القديمة) يشكّلون أحد قطبي القوّتين العالميّتين مع الفرس. لمّا بدؤوا يستشعرون تصاعد قوّة المسلمين، (الذين كانوا لوقت غير بعيد لا يشكّلون أي وزن عسكري) قرّر هرقل ملك الروم استعادة الشام ودحر المسلمين وإعادتهم الى الجزيرة العربيّة، خصوصا أن جيوشهم كانت متفرّقة بين أنحاء الشام ممّا يسهّل على الروم مهاجمتهم والقضاء عليهم سريعا. لكن المسلمين كانوا قد ركّزوا جهاز استخبارات فعّال جعلهم يعلمون مبكّرا بتحرّكات الروم. فاجتمع القادة العسكريّون في الشام بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح، واتفقوا على رأي خالد بن الوليد أحد أكبر المخطّطين العسكريّين في التاريخ، والذي يقضي بالانسحاب التام من الشام واستدراج العدوّ جنوبا في وادي اليرموك. واليرموك نهر يقع بين سوريا والأردن وفلسطين يوجد فيه واد فسيح تحيط به من الجهات الثلاث جبال مرتفعة شاهقة الارتفاع ومنحدرات عميقة وحادّة.

جمع هرقل جيشا عظيما من 150 ألف رجل ومتكوّن من أغلب العرقيّات المنضوية تحت إمرة الامبراطوريّة البيزنطيّة، فكان ماهان قائدا للأرمن، وقناطير قائدا للروس والسلاف، وغريغوري قائدا للأوروبيّين وجبلّة بن الأيهم على رأس النصارى العرب المعروفين باسم الغساسنة. أمّا المسلمون فكان عددهم لا يزيد على 40 ألف أو أقلّ بقيادة أبو عبيدة بن الجرّاح وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن أبي بكر وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة. ورغم أن عمر بن الخطّاب أمر بالقيادة لأبي عبيدة بن الجرّاح، الّا أن هذا الأخير أعطاها في هذه المعركة لسيف الله المسلول خالد بن الوليد لما يعلمه منه من دهاء عسكري لا نظير له. فاختار خالد بن الوليد موقعا مضيّقا في السهل بعرض 13كم تقريبا، بحيث يجعل الصفوف المتقابلة متساوية العدد مهما كان تعداد العدوّ. كما ابتكر نظاما عسكريّا جديدا يرتكز على الكراديس (الكتائب) بحيث يسهل تحرّكهم أمام العدد الضخم للروم، وجعل جبل العرب مؤخّرة الجيش حتى يسهل وصول الإمدادات والانسحاب بسلام متى أرادوا ذلك، وأجبر الروم على التموقع بحث تحيط بهم المنحدرات. وتمركز الجيش تحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح الذي تولى قيادة الوسط الأيسر وتولى شرحبيل ابن حسنة قيادة الوسط الأيمن. وكان الجناح الأيسر تحت لواء يزيد بينما الجناح الأيمن تحت قيادة عمرو بن العاص. وأسند المركز وكلى الجناحين بفرق الخيالة لتستخدم كقوة احتياطية أثناء الهجوم المعاكس في حالة التراجع تحت ضغط الجيش البيزنطي. ووقفت خلف المركز الخيالة المتحركة تحت القيادة الشخصية لخالد بن الوليد. وفي حالة انشغال خالد في قيادة الجيش الأساسي، يتولى ضرار بن الأزور قيادة فرقة الخيالة المتحركة حتى يستغلّ خالد قواته الاحتياطية الراكبة في استخدامات حاسمة وحرجة عبر مسار المعركة. وقد التقى الجيشان في شهر أوت في جوّ حار وانطلقت المعركة يوم 15 أوت 636.

بدأ اليوم الأوّل من المعارك بالمبارزة بالسيوف بين أهمّ رجال الجيشين كما كانت عادة الحروب في ذلك الوقت. وبقيت المبارزات حتى منتصف النهار، ثمّ اشتبك الجيشان اشتباكات خفيفة ليعود كلّ طرف إلى معسكره بحلول الغروب. وفي اليوم الثاني حاول ماهان مباغتة المسلمين فجرا، لكنّهم كانوا يقظين ومستعدّين فقتلوا عدّة جنود روم منهم دراغان أحد القادة البيزنطيّين البارزين. في اليوم الثالث قام قناطر قائد الروس والسلاف بهجوم على عمرو بن العاص في الميمنة وماهان على شرحبيل في الميسرة، ممّا اضظرّهم للتراجع وطلب العون من فرقة الخيّالة المتحرّكة، فتمّ صدّ الهجوم وعادت المعسكرات إلى ما كانت عليه مع الغروب. أمّا اليوم الرابع فقام الروم بإمطار المسلمين بالنبال (الأسهم) ممّا أفقد العديد من المسلمين أعينهم، وأجبر جيشي عبيدة ويزيد للتراجع، لكنّ عكرمة بن أبي جهل عرف كيف ينظّم الصفوف وقام بهجوم كاسح قبل أن يستشهد وعاد المعسكران إلى قواعدهما، بعد أن كانت خسائر الروم فادحة. لم يحدث قتال في اليوم الخامس، بل طلب هامان المفاوضة. فهم خالد بن الوليد أن عزيمة الروم بدأت تهتزّ رغم أن المسلمين اكتفوا بالدفاع حتى ذلك اليوم، فرفض الهدنة واستغلّ هدوء ذلك اليوم لاعادة تنظيم جيشه سرّا بحيث يبدأ من الغد الهجوم على العدوّ. وفي مثل هذا اليوم 20 أوت 636 بدأ المسلمون بالقيام بهجمات مفاجئة، حيث قام خالد في اليوم السابق بتركيز كتائب سرّية خلف خطوط العدو، وقامت بمعاضدة بقيّة جيوش المسلمين الذين تحرّكوا في حركة التفافيّة جعلت المشاة ينفصلون عن الخيّالة، وتنقطع الاتصالات بينهم، ممّا أدخل البلبلة في صفوف الروم فقاموا بالتقهقر، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين بالمنحدرات الحادّة لنهر اليرموك مما جعل أغلبهم يلقون حتفهم بعد سقوطهم، وقتل خالد ماهان. فاضطرّ هرقل أن يقرّ بهزيمة جيشه، ويقرّر مغادرة الشام وقلبه منفطر عليها.
تعتبر معركة اليرموك من أكثر المعارك تأثيرا في مسار التاريخ الإسلامي، فقد استطاعت دحر أحد أهمّ القوى العالميّة، والسماح بالتوسّع ونشر الإسلام في الشرق وشمال افريقيا والاندلس. كما تعتبر درسا عسكريّا تاريخيّا نظرا لدهاء والنظرة الاستراتيجيّة الثاقبة للقائد خالد بن الوليد الذي استطاع بذكائه التفوّق على البيزنطيّين رغم الفارق الهائل في عدد القوى بين الطرفين.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 146701