السياحة التقليدية تتلاشى.. نحو بدائل جديدة بتسويق عصري.

بقلم: ريم بالخذيري
رغم أن التصريحات الرسمية الصادرة من وزارة السياحة و الأرقام تؤكد انتعاش الموسم السياحي الى حد الان، الا أن الوقائع على الأرض تثبت الى حد اليوم عكس ذلك، خاصة فيما يخص السياحة الداخلية سواء الاقبال على النزل أو الشريط الساحلي.
رغم أن التصريحات الرسمية الصادرة من وزارة السياحة و الأرقام تؤكد انتعاش الموسم السياحي الى حد الان، الا أن الوقائع على الأرض تثبت الى حد اليوم عكس ذلك، خاصة فيما يخص السياحة الداخلية سواء الاقبال على النزل أو الشريط الساحلي.
حيث بدا العزوف واضحا عن ارتياد هذه الأماكن و العجز أكبر عن مسايرة أسعارها الفاحشة.
وبات من الواضح أن السياحة التونسية بمقوماتها الحالية لم تعد تغري الأجانب ولا حتى التونسيين.

حيث انها سياحة جامدة لم تتجدد منذ عقود، وهي قائمة على البحر والمسبح والإفراط في الأكل بالنزل. وحتى الحركة التجارية المصاحبة للموسم الصيفي باتت خارج الخدمة بحكم عدم تجددها، إذ بقيت مقتصرة على بعض الصناعات التقليدية والتي من سخرية القدر أنها أصبحت تصنع في البيوت الصينية بأسعار لا تقبل المنافسة ولا تعترف بعبق التاريخ.
كما أن عموم الخدمات المقدمة للسائح التونسي أو الأجنبي سيئة جدا وقائمة على الاستغلال.
وبالتالي، لابد من استراتيجية جديدة تقطع مع هذه السياحة التقليدية بصيغتها الكلاسيكية التي تحدثنا عن بعض ملامحها.
ومن الحتمي استتباط آليات أخرى في التسويق والترويج للسياحة التونسية، سنتعرض لها لاحقا.
دعم السائح التونسي
من الواضح أن الدعم المالي سواء بالقروض الميسرة أو الإعفاء من الأداءات التي تتمتع به النزل منذ عقود لم يساهم في تطوير القطاع، ولم ينتفع به السائح التونسي، الذي يبقى صاحب الحق الأول في التمتع بهذا الدعم الذي تتلقاه النزل من أموال المجموعة الوطنية.وبالتالي، لابد من سن قانون للدعم على غرار المواد الاستهلاكية موجه للتونسيين الذين أصبح غالبيتهم عاجزين عن دفع تكاليف خرافية لثلاثة أيام في نزل أربعة أو ثلاثة نجوم، حيث يتراوح سعر الليلة بين 150 و300 دينار (ويبلغ 500 د في نزل 5 نجوم) للفرد الواحد، وهو ما يكلف عائلة من أربعة أفراد ما لا يقل عن ثلاثة آلاف دينار دون اعتبار النقل ومصاريف أخرى.
كما أن قانون الشيكات الجديد قد قلّص بنسبة لا تقل عن 30 بالمائة من حرفاء وكالات الأسفار، وفق حديثنا مع عدد منهم، حيث يرددون جميعا: "ضرّنا القانون الجديد للشيكات"، وكذلك الأمر بالنسبة للحرفاء أيضا وأصحاب منازل الإيجار وغيرهم.
وهذا ما يقتضي دعما مباشرا للسائح التونسي يستفيد منه النزل و قطاع العقارات و الأنشطة التجارية.
وكذلك، سيسمح هذا الدعم وغيره من الإجراءات على عدم اقتصار الموسم السياحي للتونسيين على فصل الصيف، وإنما يمتد على كامل فصول السنة، وتنشط بذلك السياحة الصحراوية و الاستشفائية وحتى الرياضية.
السياحة التقليدية
اعتمدت تونس منذ أكثر من أربعين عاما ولا تزال على نموذج سياحي في قالب طبيعي جاهز وهو البحر والشمس وجمال النزل والصناعات التقليدية، وهي عناصر طبيعية في أغلبها غير مكلفة. أما النزل في بداياتها فكانت بدعم كبير من الدولة ضمن استراتيجيتها لجعل السياحة منوالا تنمويا ذو أولوية. وبالفعل نجحت هذه العناصر مجتمعة ولعقود في جعل تونس قبلة للسياح وشكلت السياحة الرافد الأول للبلاد من العملة الصعبة.وبدل أن يتم استغلال هذا الزخم ويتم تطوير القطاع وعصرنته والاستثمار فيه، تم استنزاف الموجود من المكاسب.
وكان المنعرج في جائحة كورونا، حيث سقط القطاع برمته في أول اختبار حقيقي ولم تجد النزل رصيدا احتياطيا تعتمد عليه، ولم تفِ كل مساعدات الدولة في إنقاذ أكثر من 40 بالمائة من النزل التي اضطرت للإغلاق.
كما أن دول الجوار خاصة المغرب وإسبانيا تفوقتا في المنافسة بفضل عصرنة القطاع وتنويع المنتوج السياحي، فضلا عن انخفاض الأسعار مقارنة ببلادنا.
ورغم أن سنتي 2020 و2021 (في ظل سياسة الإغلاق الدولي) أنقذ التونسيون القطاع من الانهيار الكامل، فقد تم تهميش هذه الفئة الهامة التي تشكل أكثر من 30 بالمائة من الليالي المقضاة بالنزل وما يترتب عن ذلك من حركة تجارية في المدن السياحية.
وبدل المحافظة عليها وتدعيمها، يتم التعامل معها على أنها حريف ثان، رغم أن الأسعار والخدمات المقدمة للسائح الأجنبي لا يحظى بها التونسيون.
إن السياحة التقليدية لم تعد خيارا مغريا لا للسائح المحلي ولا للسياح الأجانب.
السياحة الهجينة
السياحة التونسية، وفق ما تقدم، لم تنجح (خاصة في السنوات الأخيرة) في أن تكون تقليدية، ولم تستطع عصرنة ذاتها، وبالتالي فهي سياحة هجينة ليس لها مردودية كبرى.وتعرف السياحة الهجينة بأنها نوع من السياحة يجمع بين أصالة المنتوج التقليدي الذي يرتكز على التراث والثقافة المحلية، ومقومات السياحة الحديثة التي توفر الراحة والخدمات المتطورة. وهي تقوم على خلق تجربة متوازنة تمكّن السائح من اكتشاف الحياة المحلية والعادات والتقاليد (من خلال زيارة الأسواق العتيقة، المشاركة في العادات، تذوق المأكولات الشعبية) دون التخلي عن الرفاهية والتقنيات المعاصرة (مثل الإقامة في نُزل مريحة، استخدام التطبيقات السياحية، وجود الإنترنت...).
وهي باختصار نمط سياحي يجمع بين متعة الاكتشاف الثقافي الأصيل وراحة العيش العصري، بما يعزز جاذبية الوجهات التقليدية دون المساس بهوية البلاد.
لكن مع الأسف، فإن نوعية السياح الذين يزورون تونس هم من الطبقة المتوسطة والفقيرة، وبالتالي فهم نادرا ما يغادرون النزل وشواطئ النزل لأن قدرتهم الشرائية تمنعهم من التسوق بالخارج وشراء المنتوجات التقليدية وتذوق الأكل التونسي.
كما أن أغلب النزل ووكالات الأسفار تكتفي بجانب الإقامة ولا تنظم رحلات لحرفائها في الأسواق والمتاحف والمناطق الأثرية والمهرجانات الصيفية، حيث توجد حركة تجارية وثقافية.
والسائح خلال إقامته لا يصرف شيئا غير معلوم الإقامة بالنزل وتذكرة الطائرة. ولا يعرف من تونس سوى المطار ومقر إقامته.
أنواع السياحة في العالم
يوجد ما لا يقل عن عشر أنواع من السياحة في العالم تتماشى مع طبيعة الدول، وهي:1. السياحة الترفيهية (Tourisme récréatif): الاستجمام والراحة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية أو الأنشطة الترفيهية.
2. السياحة الثقافية (Tourisme culturel): زيارة المعالم التاريخية والمتاحف.
3. السياحة الدينية (Tourisme religieux): زيارة أماكن مقدسة.
4. السياحة العلاجية (Tourisme médical): العلاج أو الاستشفاء بماء البحر.
5. السياحة البيئية (Écotourisme): زيارة المناطق الطبيعية والمحافظة على البيئة.
6. السياحة الرياضية (Tourisme sportif): المشاركة أو متابعة فعاليات رياضية.
7. سياحة المغامرات (Tourisme d'aventure): خوض تجارب مشوقة.
8. السياحة التعليمية (Tourisme éducatif): الدراسة أو المؤتمرات العلمية.
9. السياحة العائلية (Tourisme familial): عطلة عائلية آمنة ومناسبة للأطفال.
10. السياحة التجارية (Tourisme d'affaires): اجتماعات عمل وصفقات.
تسويق عصري
عود على بدء، بات واضحا أن السياحة التونسية بشخصيتها الحالية لم تعد تستجيب لمتطلبات العصر و لرغبات السياح، وبالتالي لابد من تغيير المنوال السياحي في اتجاه التركيز على الأنواع السياحية الواعدة وذات القيمة المضافة.إن عصرنة السياحة في تونس تتطلب رؤية شاملة ترتكز على:
* تحديث البنية التحتية
* تطوير الخدمات الرقمية
* تنويع المنتوج السياحي
* تعزيز السياحة البيئية والثقافية والصحراوية
* ترويج الوجهات الداخلية غير المستغلة عبر منصات التواصل والتطبيقات الذكية
وتلعب السياحة الرياضية دوراً محورياً في هذا التمشي، من خلال استثمار المركبات الرياضية بطبرقة وعين دراهم وجبل الوسط لاستقطاب الفرق الرياضية، ويمكن استغلال الزخم الذي أحدثته الفرق الرياضية التي قامت بتربصاتها في تونس على غرار الأهلي المصري وعدد من الفرق الرياضية الأخرى.
كما تبرز السياحة الاستشفائية كعنصر تنافسي مهم، خصوصاً مع توفر البلاد على ينابيع طبيعية ومراكز علاجية تجمع بين الخبرة الطبية وجودة الخدمات، مما يجعل من تونس وجهة مفضلة للراغبين في الراحة والتداوي.
ولتحقيق هذه العصرنة، لا بد من:
* تحسين جودة الإيواء والخدمات
* تكوين الموارد البشرية على أساليب الاستقبال الحديثة
* ربط القطاع السياحي بريادة الأعمال والابتكار
* شراكة فعالة بين القطاعين العام والخاص
* استراتيجية اتصالية قوية تروج لصورة تونس كـوجهة سياحية عصرية وآمنة ومتنوعة.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 312470