طارق ذياب بقلم يسري فودة

لم نعد نكتفى بتنصيب أنفسنا حكماً على ما يفعله الناس أو يقولونه، رغم أنهم أحرار فيما يقولون وفيما يفعلون، بل إننا أيضاً منحنا أنفسنا الحق فى الحكم على نواياهم عن غير علم.
فمرة أخرى يحاول البعض فى إعلامنا الرياضى اختلاق مشكلة من موقف لا توجد فيه حقاً مشكلة.
فمرة أخرى يحاول البعض فى إعلامنا الرياضى اختلاق مشكلة من موقف لا توجد فيه حقاً مشكلة.
هذه المرة يتصيدون تعبيرات وجه نجم تونس الأسطورة فى كرة القدم، طارق دياب، عقب فوز مصر على نيجيريا ويزعمون أنه لم يكن يتمنى لمصر أن تفوز.
إذا كنت من جيلى ستتذكر من السبعينيات والثمانينيات واحداً من أنبغ من أنجبتهم الملاعب العربية فى أناقة التحكم فى الكرة وفى دهاء التمرير وفى دقة التصويب وفى قوة الشخصية وتواضعها فى الوقت نفسه.
كانت تونس فى تلك الأيام أقرب إلى أن تمثل للفريق المصرى ما يمثله له الآن الفريق الجزائرى، خاصةً بعد أن انسحق الفريق المصرى أمام نظيره التونسى فى تونس 4/2 حتى أطلقت الجماهير المصرية على قلب الدفاع المتميز، مصطفى يونس، لقب «مصطفى تونس».
كان لدينا نحن أيضاً طارق ديابنا ممثلاً فى فاروق جعفر بنكهة مصرية مضافاً إليه كوكبة رائعة من النجوم التى يصعب تكرارها مثل محمود الخطيب وحسن شحاتة ومختار مختار وطاهر الشيخ. لكننا كنا لانزال أسرى فكرة النجم، فيما كانت تونس ترفع مستوى الأداء العربى فى كرة القدم طابقاً إلى أعلى، زادت عليه مصر طابقاً آخر أو طابقين بعد سنوات طويلة تعلمت أثناءها من الدرس.
فى عالمنا، كرة القدم تعكس بكل تأكيد وجهاً آخر من وجوه السياسة، وعلاقة مصر بأشقائها فى شمال أفريقيا لم تخضع يوماً فى كرة القدم على وجه الخصوص لقواعد المنطق.

لكن قواعد الحياة فى النهاية تأبى إلا أن تعاقب من لا يمتثل لقواعد المنطق. هكذا يتطور الإيقاع النفسى لعلاقتنا بأشقائنا فى الشمال الأفريقى، وهو دائماً ملتهب وفى غاية الحساسية، لأن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، ولأننا «شبه بعض» أو ربما «مولودين فوق راس بعض» وأمام أعيننا دائماً أفريقيا العروس التى دائماً ما نتقدم لخطبتها فى يوم واحد.
هل نلوم المواطن التونسى طارق دياب لأنه يريد العروس لبلده الأول تونس، إلا كما يمكن أن نلوم المواطن المصرى زكريا ناصف إذا أرادها للأخ تونس؟ عندئذ يفرغ المنطق من معناه ونفرغ نحن من الفطرة ويتحول الموقف كله إلى نفاق عبيط فى نفاق أكثر عبطاً.
وهل نجد من ثم فى أنفسنا الآن ما يمكن أن نلوم عليه المواطن العربى، طارق دياب، حين يضع كفه فى ود وفى لفتة بدوية على كف المواطن العربى، نادر السيد، كى يقول له إن العروبة ماتت حين مات عبدالناصر؟ لم يأت هذا فى يقيننا من باب الفرح والتشفى فيما وصل إليه حال العرب، بل من باب الأسى واستنهاض النخوة.
والذى لا شك فيه أنه يحمل أيضاً اعترافاً عملياً بدور مصر واعتزازاً به يذكرنى أنا شخصياً بموقف طريف تعرضت له بينما كنت أقرأ صحف الصباح فى بهو أحد فنادق الدوحة أثناء زيارة قبل سنوات عندما اقترب منى أحدهم كى يقول إن الكابتن طارق دياب الذى يجلس فى الطرف الآخر من البهو يتساءل إن كان ممكناً أن يقطع عليك خلوتك كى يصافحك.
أنا؟ طارق دياب؟ معقولة؟ ثم تهجم عليك فجأة ذكريات الطفولة وأنت لا شىء وهو نجم النجوم وينعقد لسانك أمام تواضع الرجل وذوقه الذى لا يمكن أن تفصله فى أى لحظة عن اعتزاز شديد بالنفس وبالهوية.
وربما لن يسعد البعض حين أقول إنه زاد من إقباله نحوى حباً واحتراماً حين علم أننى عربى من مصر.

يسري فودة
المصري اليوم
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 25997