مرافعة دفاعا عن عودة ضمير الطبيب

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/medecin2017bebe.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

بداية اسبوع طوال يوم الاثنين وعلى امتداد كل وسائل الاعلام تقريبا، اكتساح كامل لهياكل الاطباء المهنية والادارية، لتحويل وجهة تصريحات اب المولود الصادمة في قضية "مستشفى فرحات حشاد"، وتصفيتها بصفة نهائية تقريبا، مع دعوات على الفضاء موجهة لوزير العدل وضغوط رهيبة لاخلاء سبيل الطبيبة المحتفظ بها، ثم في نفس البرامج يعلن عن خبر الافراج الفوري، والاعلان عن تقرير صادر عن لجنة طبية يخلي مسؤولية الطبيبة من كل مسؤولية طبية، واستعراضات و"محاضرات" طبية طويلة لرفع المسؤولية المهنية والادارية والجزائية عن الهيكل الطبي في عمومه، مع اعلان عن اضرابات وتصعيد حاد من النقابات الممثلة للاطباء.





وبعد نهاية الاسبوع المنقضي الذي وقف فيها الشعب مذهولا، على خلفية قضية المولود الذي تم اعلام والده بوفاته وتسليمه شهادة من مستشفى فرحات حشاد في الصدد، واستخراجه لشهادة وفاة رسمية قبل ان يتوجه لتسلم الجثمان، فيجد مولوده يحدث حركات وصدر عنه انين متقطع (زوى)، حسب تأكيداته لقناة "نسمة" وكذلك اذاعة "كنوز"، في تصريحات متطابقة في المحطتين صادرة عن الاب واخوه، بعد ذلك خرجت الاغلبية الساحقة لوسائل الاعلام وفي مقدمتها برنامج 7/24 على قناة "الحوار التونسي" لتنسف كل رواية الاب، في "بلاطوات"احادية الجانب لم تحضرها سوى وزارة الصحة والاطباء، اقصت اب المولود ومحاميه والمحكمة الابتدائية بسوسة 1.

والتوجه الاحادي لهذه "البلاطوات" غير المتعددة وغير المتوازنة الذي افضى لتشويه رواية اب المولود، جاء على خلفية تجمع حاشد يوم الاحد للاطباء في القطاع الخاص وتلويحات بالاضرابات والتصعيد، في انكار كامل لوقائع مسجلة، وفرض مطلب اطلاق سراح الطبيبة في سوسة وطبيب قابس، وكادت هذه الرواية "الكاسحة" تترسّخ وتصبح المهيمنة لولا ظهور الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسوسة 1 اليوم الثلاثاء ، ليدحض اغلب الاقوال الصادرة عن الهياكل الطبية، ويقدم وقائع ملموسة ثابتة في ملف القضية، كادت تُطمس لولا طلبه في نطاق "حق الرد" التدخل وتوضيح الوضعية على قناة "نسمة" وفي اذاعة "جوهرة".

القصف فعلا كان عالي الحدة، والحقيقة غلب عليها الشكوك وشابها الغموض، وتكرار نفس الرواية واعادة وترديد نفس "المعزوفة" جعل الوقائع تحت لف الضبابية والالتباس، ولكن خروج ممثل محكمة سوسة الابتدائية الاولى بطريقة دقيقة حاسمة وضّح التفاصيل، وبدد الشكوك ورفع اللبس واعاد الامور الى نصابها، ولكنه عمّق الصدمة حول شبهات صارخة مدعمة بوثائق مادية بوجود تدليس لوثائق رسمية وتاكيد لشهادة موثقة من طبيبة مقيمة بنفس مستشفى فرحات حشاد كشفت عن المولود تشهد بأن المولود كان على قيد الحياة بعد شهادة الوفاة.

الصدمة بالفعل كبيرة لان المتحدث باسم محكمة سوسة خلافا لتصريحات وزارة الصحة وممثلي هياكل الاطباء أكد "وجود خطأ في التشخيص الاولي من قبل الطبيبة الفاحصة" بمستشفى فرحات حشاد وذلك وفق شهادة مستقاة من رئيس قسم طب الرضع بالمستشفى، الذي اكد ايضا "حصول تغيير في التقرير الطبي حيث تم شطب عبارة ولد ميتا" التي دونتها الطبيبة الفاحصة كما تم وضع "عبارة ولد حيا وتغيير على مستوى دقات القلب من صفر الى واحد"، كما اشار الناطق باسم المحكمة الى ان تقرير الطب الشرعي "اكد ان المولود تنفس وعاش لوقت قصير بعد الولادة"، موضحا ان المولود تم "الاحتفاظ به في علبة كرتونية بقسم التوليد يوم 4 فيفري".

طبعا لن نتهم طبيبة سوسة ولا طبيب قابس، ونعتبرهم يتمتعون بقرينة البراءة حتى تثبت ادانة نهائية باتة في محاكمة برغم الادلة الدامغة والحقائق الثابتة المعروضة، ولا يمكن بحال اعتبار وجود تعمّد لقتل المولود في سوسة او مريض قابس، ولكن وجود الخطأ الطبي في قضية الحال صار واضح الاركان، والخطأ الطبي (المباشر وغير المباشر) مثبت في تونس ومنتشر حسب الاحصائيات بشكل كبير بالالاف، والوفايات والاضرار مسجلة ومتنوعة، والاخطاء قد تقتصر على مسؤولية ادارية او مهنية ولكنها قد تتعداها الى مسؤولية جزائية تستوجب عقوبة جنائية، خاصة في صورة وجود تقصير جلي او تهاون ثابت او اخلال عميق بالواجبات المهنية.

وما يثير الانزعاج هو الهجوم الواسع من الاطباء للتستر وانكار هذه الحقيقة، وعدم الاقرار باي مسؤولية برغم حالات الموت على الولادة بالعشرات المعلنة السنوات الاخيرة، وبرغم فضيحة استعمال اللوالب القلبية المنتهية الصلوحية السنة الماضية والي سبقتها، وبرغم القضايا المدينة لعديد الاطباء، وزيادة ما يثير الفزع هو دخول "صاحب الرسالة النبيلة" على خط الاضراب العشوائي، ووضع صحة الشعب رهينة، واستعمال السلطة والنفوذ المهني والدخول على نعرة "الكوربوراتيزم" المقيتة ونصرة "الزميل"، وفرض مطالب غير مقبولة بالمرة على القضاء، وحتى على الدولة من اجل عدم تحمل الواجب الضريبي بالتساوي مع بقية افراد الشعب.

اليوم سمعة الطبيب في الميزان والاستياء الشعبي وفقدان جزء من الثقة في الهيكل الطبي لا يمكن انكارهم، والشيطنة لم تأت من فراغ بالرغم أن المسؤولية ايضا ملقاة على ادارة الصحة في تونس ونقص المعداة واخلالات الحوكمة والرقابة، ولا يمكن بحال مواجهة الواقع المسيء للقطاع بالهروب للامام وانكار الحقائق واللعب على النفوذ و"السكتارية"، وزيادة فقدان الشرعية الاخلاقية بتهديد الشعب ومقايضته في صحته، وضرب استقلالية السلطة القضائية، وفي كل الحالات فحياة الانسان وصحته تظل مسؤولية اخلاقية بين يد الطبيب، والمسألة في عمق الضمير ومن افتقد ضميره فلن تردعه العقوبات في كل الاحوال!!

(*) قانوني وناشط حقوقي


Comments


9 de 9 commentaires pour l'article 138091

BenMoussa  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 22:42           
المقال متميز لم نعهده من الكاتب .
تحية له لانحيازه للمفهوم الراقي للعدل .

Mongi  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 14:24           
الأطباء ومعاهم المحامون يحبّوا يخدموا بقانون داخلين في الربح خارجين من الخسارة. رواتب وامتيازات هايلة ونهار إللّي يغلطوا ما يخلصوش وزيد ما يحبّوش يدفعوا الضرائب المستوجبة عليهم. هاذوما نوّارة البلاد ؟ امّالا آش نقولوا على الباقي ؟

Mauvaistemps  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 10:39           
الاطباء يقلبو في الحقائق ويدلسو في الشهادات وآخرها طبيبة سوسة التي غيرة في تقريرها الاول فلو كانت متؤكدة انها انها لم تقترف خطئ مهني فكيف تدخل على تقريرها الاول تغييرات من حالة وفات وقت الولادة الى ولادة مولود حي لبعض الوقت ومن حالة دقات القلب السلبي الى دقات قلب لبعض الوقت كل هذا تسببت فيه الطبيبة فلو سمحت لوالد المولود بمقابلته واعلامه بالحالة الصحية للمولود من الاول لما آلت اليه الامور لهذا الحد وحاجة اخرى خرجت المواقف الاحتجاجية من طرف الاطار
الطبي عن المعقول عندما رفعت شعارات كثيرة مغزاها سياسي بامتياز وتصفية حسابات مع الدولة برافو للقضاء اللذي طوق المسألة واطلق سراح الطببيبين في انتظار ما ستأوول اليه الابحاث

Omarelfarouk  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 10:23           
يقول رسولنا الأكرم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال أن تأخذ على يديه وترده للحق.
إعتبروا يا أمة الإسلام إن الله حق يحب الحق ولا يستحي من الحق فكونوا مع الحق وكونوا شهداء بالحق وإياكم وشهادة الزور لأن المذنب زميل بل لو كان أبوك أو أمك أو إبنك أو زوجتك فإشهدوا بالحق أن أردتم أن تقوم لنا قائمة كالأمم المتقدمة.

Abdallah Arbi  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 10:11           
Nul ne peut défendre ou nier les appétits excessifs voire meme éhontés et sauvages de nombreux médecins qui ne voient en leurs patients que des porte-monnaies et des factures à régler à la caisse .Nul ne peut défendre certains professeurs qui exercent dans les hôpitaux d'une manière incompatible avec la loi et pour être à l'abri des remarques et des problèmes ,ils donnent quelques dinars à l’infirmier du service ; nul ne peut nier les
tergiversations de certaines cliniques qui cherchent des fois à prolonger le séjour de leurs clients en vue de soutirer davantage de sous ....nul ne peut nier la conduite barbare de certains médecins surtout avec les pauvres gens ...nul ne peut nier l'avidité et la cupidité de certaines cliniques qui , tells des Trax n’épargnent personne ..Certes , la généralisation serait une aberration mais le médecin dans mon pays est entrain d’affecter son
image , voire meme de la souiller et de passer plutôt à un négociant en quête de la fortune .Gagnez de l'argent , oui, mais pas au détriment des cadavres .

Volcano  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 07:19           
المافيا تؤلمها الحقيقة فتجند كل اذرعها القطاعية و الاعلامية المشتراة بابخس الاثمان لا لشيئ سوى طمس معالمه و اعدام و محو المطالب بها وهو في هذه الصورة اب مكلوم ليس لفقد ابنه فقط و انما لاعدامه حيا ثم تكميم فمه

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mercredi 8 Février 2017 à 07:11           
تحية صباحية إلى الجميع ونبدأ بهذا المقال المتميز الذي لم نتعوده من الكاتب .فهو يتصدى لعقليات قبلية غابرة في الزمن نسعى للتخلص منها ونحن نشيد تونس الجديدة من هذه العقليات -أنصر أخاك ظالما أو مظلوما -هذه العقلية التي كانت سارية في الجاهلية البربرية للدلالة على الحمية والعصبية للعشيرة في الحق والباطل .هذه أعطاها الرسول عليه الصلاة والسلام مفهوما راقيا وعادلا .-قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا
قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ.-فتحية للقضاء الفارس الجديد لنصرة المظلوم وارساء دولة القانون التي تساوي بين الجميع .وتحية للكاتب المنحاز للمفهوم الراقي للعدل .

Biladi  (Tunisia)  |Mardi 7 Février 2017 à 23:48           
Quand tu t’éloigne Mr aissa des surenchères politique, tes avis deviennent tout a fait correctes est précieuses. tout ce que t'as dit est correcte, on a un problème de corporatisme en Tunisie ,chaque secteur se sent visé dés qu un membre est enquêté.il faut cesser de protéger les erreurs d'un collègue et mettre tout le secteur et le pays en otage, parce qu'on a peur que ça se produit avec nous. c'est le même comportement presque dans tous les
secteurs.

Ammar  (Tunisia)  |Mardi 7 Février 2017 à 23:07 | Par           
أسبوع بالتمام والكمال... ومئات الآلاف من الرومانيين يتظاهرون في بوخارست وغيرها من مدن البلاد في أكبر تحرك شعبي تعرفه رومانيا منذ سقوط تشاوسسكو والشيوعية في 89... لم يكفوا رغم تراجع الحكومة عن مشروع القانون سبب المظاهرات... ضد أي قانون يتظاهر الشعب الروماني يا ترى؟ التخفيض في الأجور أو تسريح العمال... لا... الزيادة في ساعات العمل الإجبارية... لا... التخلي عن التغطية الاجتماعية... لا... ببساطة يتظاهر الشعب الروماني ضد مشروع قانون حكومي يحط من أحكام قضايا الفساد... إذن 28 سنة بعد ثورته أدرك الشعب الروماني أن إسقاط حكم الاستبداد لا يساوي شيئا مع بقاء وتفشي حكم الفساد وتعايشه مع الديمقراطية...


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female