السودان بين صمت العالم ونزيف الحرب.. طارق الكحلاوي يشرح جذور المأساة وتعقيدات الصراع

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/69030e4a241611.94795753_gjlemkpqofnih.jpg width=100 align=left border=0>


رغم هول المأساة التي يعيشها السودان، تبقى أخباره مظلومة إعلاميًا، لا تحظى بالتغطية التي تليق بحجم الكارثة الإنسانية هناك.
فبين المجازر في دارفور، وحصار المدنيين في الفاشر، والانهيار الكامل لمقومات الحياة، يواصل السودانيون معركتهم من أجل البقاء في صمت عالمي يكاد يكون متواطئًا.


ورغم هذا التعتيم الإعلامي على ما يجري في السودان، جاءت مداخلة الأكاديمي والباحث طارق الكحلاوي، مشكورًا، لتضع الأمور في سياقها التاريخي والسياسي، وتقدّم قراءة معمّقة لجذور الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، كاشفًا أبعاد الحرب الإقليمية وتداعياتها المأساوية على المدنيين، في محاولة لفهم ما يجري فعلاً خلف هذا النزيف الصامت.




وفي مداخلة تحليلية ضمن برنامج "في 60 دقيقة" على إذاعة الديوان أف أم، قدّم طارق الكحلاوي
قراءة معمّقة للوضع الراهن في السودان، مفسّراً جذور الحرب الدائرة اليوم بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وما خلفته من مجازر مروّعة وانهيار إنساني شامل.


من نظام البشير إلى سقوط الدولة

استهلّ الكحلاوي حديثه بتتبع المسار التاريخي للأزمة، مبيّناً أن جذورها تعود إلى سقوط نظام عمر البشير الذي حكم السودان منذ انقلاب عام 1989 بدعم من تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي.
وأوضح أن البشير، بعد صراع داخلي مع الترابي، انفرد بالحكم بدعم مجموعة من الجنرالات، مشيراً إلى أن النظام كان ذي توجه إسلامي واضح وتحالف وثيق مع إيران في بداياته.

وأضاف أن السودان نجا من موجة "الربيع العربي" عام 2011، لكنه عرف ثورة شعبية في 2018 أطاحت بالبشير وأتت بـ"مجلس عسكري انتقالي" بقيادة البرهان. في تلك الفترة، كانت هناك قوات شبه نظامية عُرفت لاحقاً باسم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، تم دمجها جزئياً ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية.


دارفور.. الجرح المفتوح

شرح الكحلاوي أن إقليم دارفور كان وما يزال بؤرة التوتر الأخطر في السودان. فالمنطقة الغنية بالثروات رغم طبيعتها القاحلة، كانت مسرحاً لصراعات قبلية ومواجهات بين الجيش النظامي وميليشيات محلية مدعومة من النظام السابق.
ومن رحم هذه الفوضى، برز حميدتي، الذي بدأ كـ"زعيم ميليشيا محلية" قبل أن يتحول تدريجياً إلى رجل قوي يملك نفوذاً سياسياً واقتصادياً واسعاً بفضل تجارة السلاح والمعادن النادرة، والعلاقات العابرة للحدود مع ليبيا وتشاد.

وأشار الكحلاوي إلى أن الحرب الحالية اندلعت بعد فشل دمج قوات حميدتي في الجيش، وتحوّلت إلى نزاع دموي بين رفاق الأمس، مضيفاً أن "الجيش السوداني يمثّل الحرس القديم المرتبط بنظام البشير، بينما قوات الدعم السريع تمثل قوة موازية ذات خلفية قبلية واقتصادية".



حرب أهلية بأبعاد إقليمية

أكد الكحلاوي أن الصراع السوداني تجاوز الحدود الداخلية، ليصبح حرباً إقليمية بالوكالة.
وأوضح أن الإمارات العربية المتحدة تدعم حميدتي وقواته، بينما مصر تقف إلى جانب الجيش السوداني والبرهان.
وصف هذه المفارقة بأنها "صورة جديدة من التداخل الإقليمي المعقد"، حيث أصبحت القاهرة، رغم عدائها التاريخي للإخوان، تدعم جناحاً يضم شخصيات قريبة من تيار الإخوان في السودان.

وأضاف أن إسرائيل تلعب دوراً غير معلن، إذ تربطها علاقات وثيقة بالطرف الإماراتي، وقد نسّقت في السابق مع البرهان في إطار اتفاقات أبراهام للتطبيع عام 2021، مشيراً إلى أن تل أبيب "تحافظ على نفوذها عبر دعم الأطراف القادرة على ضمان مصالحها الأمنية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي".


جرائم حرب وانهيار إنساني

تطرّق الكحلاوي إلى ما وصفه بـ"المجازر البشعة" في إقليم دارفور، خصوصاً في مدينة الفاشر التي شهدت مؤخراً سقوط مقر قيادة الجيش بيد قوات حميدتي.
وأشار إلى فيديوهات مروعة توثّق "عمليات إعدام وتعليق للمدنيين على الأشجار"، معتبراً أن ما يحدث هو جرائم ضد الإنسانية لا يمكن تبريرها سياسياً.

وقال إن السودان، رغم موارده الزراعية والمائية الضخمة، تحوّل إلى بلد منكوب بالحروب العبثية:
"السودان كان يمكن أن يكون سلة غذاء العالم العربي، لكنه غارق في معارك على السلطة بين جنرالات لا يملكون أي مشروع وطني حقيقي"، على حدّ قوله.



مواقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي

وفي سياق متصل، أشار الكحلاوي إلى بيانات الأمم المتحدة التي نددت بالانتهاكات الواسعة في الفاشر، محذّرة من كارثة إنسانية نتيجة الحصار المشدد المفروض على مئات آلاف المدنيين.
ودعا المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، فيما عبّر الأمين العام أنطونيو غوتيريش عن قلقه من تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان، مطالباً بوقف فوري للأعمال العدائية والانخراط في مفاوضات جادة برعاية مبعوثه الخاص رمطان لعمامرة.


حرب عبثية في بلد يملك كل مقومات الحياة

اختتم الكحلاوي مداخلته قائلاً إن السودان، رغم نخبه المتعلمة وثرواته الهائلة، يعيش اليوم مرحلة تدمير ذاتي تغذيها أطماع داخلية وتدخلات خارجية:
"السودان اليوم خنجر في خاصرة المنطقة العربية، وحربه ليست حرب وطن بل صراع سلطة بين أمراء حرب، بينما يدفع الشعب الثمن من دمه ومستقبله".

وأكد في ختام تحليله أن الحلّ الوحيد هو وقف إطلاق النار الفوري وعودة المسار السياسي المدني، لأن استمرار الحرب "سيحوّل السودان إلى صومال جديدة في قلب إفريقيا".




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 317549


babnet
*.*.*
All Radio in One