الإيقاف التحفظي في تونس: خسائر اقتصادية واستنزاف للمال العام.. الحلول
بقلم: ريم بالخذيري
تحوّل قانون الإيقاف التحفظي في تونس وبطاقات الإيداع بالسجن إلى معضلة حقيقية، لا على المستوى العائلي والاجتماعي فحسب، بل أيضًا على المستوى الاقتصادي من حيث استنزاف المال العام. ويمكن لتنقيح جزئي أو كلي لهذا القانون أن يوفّر للدولة أموالًا إضافية، فضلًا عن مساهمته في الاستقرار العائلي والمجتمعي، مع إمكانية إيجاد بدائل أقل كلفة وأكثر نجاعة.
تحوّل قانون الإيقاف التحفظي في تونس وبطاقات الإيداع بالسجن إلى معضلة حقيقية، لا على المستوى العائلي والاجتماعي فحسب، بل أيضًا على المستوى الاقتصادي من حيث استنزاف المال العام. ويمكن لتنقيح جزئي أو كلي لهذا القانون أن يوفّر للدولة أموالًا إضافية، فضلًا عن مساهمته في الاستقرار العائلي والمجتمعي، مع إمكانية إيجاد بدائل أقل كلفة وأكثر نجاعة.
تشير البيانات الرسمية إلى أنّ نحو ثلثي نزلاء السجون في تونس (أكثر من 12500) موقوفون احتياطيًا دون صدور أحكام نهائية، وتُقدّر تكلفة السجين الواحد بحوالي 56 دينارًا يوميًا، ما يعني إنفاق الدولة أكثر من 600 مليون دينار سنويًا على الموقوفين الاحتياطيين، تشمل الغذاء والحراسة والرعاية الصحية، دون أي مردود إصلاحي فعلي.
كما أن الاكتظاظ في بعض السجون تجاوز 150% من الطاقة الاستيعابية، ما يولّد مخاطر صحية واجتماعية إضافية ويزيد من الكلفة الاقتصادية غير المباشرة على الدولة والمجتمع.
ولم تعد تكلفة الإيقافات مقتصرة على الموازنة العامة، بل تتعداها لتشمل البيئة الاستثمارية. فإيقاف رجال الأعمال واحتجازهم احتياطيًا ساهم في تعطيل الشركات والمشاريع، حيث تتأثر عمليات الإنتاج والتصدير بشكل مباشر عند توقيف صاحب القرار، مما يؤدي إلى خسائر مالية تتراوح بين 5% و20% من رقم أعمال بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة خلال فترة الإيقاف.
مقارنات دولية ونماذج ناجحة
تُظهر تجارب دول مثل سويسرا وفرنسا وكندا والسويد والنرويج والمغرب أن بدائل الإيقاف التحفظي يمكن أن تقلل العبء المالي على الدولة وتحافظ على النشاط الاقتصادي:* سويسرا: يتم التركيز على التحقق الدوري من الضرورة وليس ترك الشخص محتجزًا لفترة طويلة بدون مراجعة. يُسمح للمشتبه به بالمغادرة مقابل ضمان مالي، ويبقى طليقًا تحت مراقبة المحكمة أو الشرطة مع الإبلاغ الدوري عن تحركاته وارتداء جهاز تتبع إلكتروني في بعض الحالات.
* فرنسا: اعتماد السوار الإلكتروني والمراقبة القضائية خفّض عدد الموقوفين بنسبة 20% خلال خمس سنوات، مع ضمان استمرار النشاط التجاري للأشخاص الموقوفين.
* كندا: آليات الإفراج المشروط خففت الضغط على السجون بنسبة 30%، مع حماية الاستثمارات والمشاريع الصغيرة.
* المغرب: تجربة السراح المراقب إلكترونيًا و"الخدمة لفائدة المصلحة العامة" ساهمت في الحد من الاكتظاظ دون المساس بالأمن، مع الحفاظ على استمرارية الشركات.
حلول اقتصادية مقترحة لتونس
* تحديد سقف زمني صارم للإيقاف التحفظي مع إمكانية تمديده بقرار قضائي مبرّر فقط.* تفعيل نظام المراقبة الإلكترونية لتسهيل الإفراج المشروط ومراقبة الأشخاص دون توقف أعمالهم التجارية.
* اعتماد بدائل للسجن مثل الخدمة المجتمعية أو الغرامات المالية، خاصة في القضايا التي لا تشكل خطرًا على المجتمع.
* رقمنة الإجراءات القضائية لتسريع البت في القضايا وتقليل التكاليف المالية والإدارية.
* إنشاء هيئة وطنية لتقييم كلفة الإيقافات ومتابعة احترام الضمانات القانونية لضمان استقرار بيئة الأعمال.
إن الإيقاف التحفظي في تونس لم يعد مجرد قضية حقوقية، بل مسألة اقتصادية وطنية. فكل يوم يقضيه رجل أعمال أو موظف في السجن دون حكم يخلّف خسائر مالية مباشرة وغير مباشرة للدولة والشركات، ويُربك مناخ الاستثمار.
الانتقال نحو سياسات بديلة تعتمد المراقبة الإلكترونية والإفراج المشروط ليس رفاهية قانونية، بل ضرورة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار وحماية الوظائف.
لقد أصبح من الضروري أن تتجه تونس نحو إصدار قانون جديد خاص بالإيقافات بمختلف أنواعها، يأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية والحقوقية.
يجب أن يضمن هذا القانون:
* سقفًا زمنيًا محددًا للإيقاف التحفظي،
* وبدائل مثل المراقبة الإلكترونية والخدمة المجتمعية،
* وتسريع الإجراءات القضائية عبر الرقمنة.
الهدف هو تجنّب الخسائر المالية الضخمة التي تتحملها الدولة يوميًا، وتمكين المواطنين من ممارسة حقهم في التقاضي دون حرمانهم من الحرية والعمل، ومنح المستثمرين فرصة لاستمرار أعمالهم.
بهذا، يمكن تحقيق توازن حقيقي بين العدالة والحرية والنمو الاقتصادي، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز الثقة في منظومة القضاء والاستثمار في تونس.







Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 317443