هل تأتي مبادرة نقابة التعليم بالانفراج للانسداد القاتل؟

بقلم: شكري بن عيسى (*)
يبدو أنّ لعبة ليّ الذراع ستتواصل بين الطرفين النقابي والحكومي على خلفية أزمة التعليم، التي تمثل امتدادا للازمة السياسية بين القصبة وساحة محمد علي وفي نفس الوقت مغذية لمخرجاتها، والسجالات على الأغلب مستمرة الى حدّ الانهيار ان لم يحصل شيء "استثنائي"، وحتى "المبادرة" التي أطلقتها جامعة التعليم الثانوي لن تحل المشكل المعقّد في صيغتها الحالية، ولا تعدو أن تكون سوى مجرّد مناورة ردا على مناورة الشاهد الاخيرة، ومآل النزاع سيصعب توقّعه حتى على أكثر المتابعين، في ظلّ التعقيد العميق للقضية والتداخلات المختلفة في الصدد، والرهانات العالية المرتبطة بالنتائج.
يبدو أنّ لعبة ليّ الذراع ستتواصل بين الطرفين النقابي والحكومي على خلفية أزمة التعليم، التي تمثل امتدادا للازمة السياسية بين القصبة وساحة محمد علي وفي نفس الوقت مغذية لمخرجاتها، والسجالات على الأغلب مستمرة الى حدّ الانهيار ان لم يحصل شيء "استثنائي"، وحتى "المبادرة" التي أطلقتها جامعة التعليم الثانوي لن تحل المشكل المعقّد في صيغتها الحالية، ولا تعدو أن تكون سوى مجرّد مناورة ردا على مناورة الشاهد الاخيرة، ومآل النزاع سيصعب توقّعه حتى على أكثر المتابعين، في ظلّ التعقيد العميق للقضية والتداخلات المختلفة في الصدد، والرهانات العالية المرتبطة بالنتائج.
والواضح أنّ النزاع النقابي-السياسي في التعليم الثانوي صار مفتوحا على المجهول، وسيخضع الى نتائج اجتماعات قرطاج حول مصير حكومة الشاهد، وسيكون على ايقاع هذه الاجتماعات وتقدمها كما سيكون محددا لها، فالطرف النقابي يضغط بقطاع التربية الحساس (ولو أنّ طلبات التربية سبقت توتر العلاقة بين المركزية النقابية والحكومة) مع اقتراب امتحانات نهاية السنة الدراسة لارباك الحكومة واضعافها وانهاكها للحصول على مبتغاه في التفاوض على تحقيق تحوير مهم داخلها، والحكومة تختار هي الاخرى الضغط على نفس المحور وتقلب الهجوم على نفس العنوان.
واليوم التلميذ والولي صارا "رهينة" بين الطرفين النقابي والحكومي، والصراع صار مدمرا لأعصاب العائلات التي لا يمكن بحال تقبّل فشل جهودهم وجهود أبنائهم على امتداد سنة كاملة، والشاهد المستهدف الاساسي من الاتحاد يبدو بخطابه هرب الى الامام، ودخل على خط الاتهام المبطّن للاتحاد بـ"سنة بيضاء"، والخلفية تبدو في الظاهر ادخال الرأي العام في الصراع لكسب دعمه ضد المركزية النقابية، وتحقيق نقاط ثمينة في الصراع العام، اضافة الى اظهار عدم ضعف الحكومة برفض خضوعها لنقابة التعليم الثانوي، والتصلّب بات عميقا في الوقت الذي لم يقدم فيه لا حلّ محدّد ولا رؤية عامة ولا أفق واضح ولا طمأنة للعائلات والتلاميذ التي زاد في خوفها خاصة وأنه يعلم بعدم خضوع الاتحاد لتهديده الضمني.
الردّ الفوري (الجمعة مباشرة بعد كلمة الشاهد المتلفزة) من كاتب عام نقابة الثانوي استوعب الرسالة التي اعتبرها "ملغومة"، من خلال القاء مسؤولية "السنة البيضاء" عليه، لم يتضمّن تراجعا أو تهدئة بل احتوى تصعيدا مضادا بمواصلة استمرار تعليق الدروس وعدم الخضوع، مع حيازة تأييد وتماهي من أمين عام الاتحاد الذي اعتبر "تونس ليست أرض محروقة" والناطق الرسمي سامي الطاهري الذي دخل على خطّ الطمأنة للأولياء، بأنّ الامتحانات ستتم في موعدها عكس ما روّج له الشاهد أو أراد أن يلقي به على الاتحاد، لاجهاض هذه الفزاعة المؤثرة التي تستهدف حشد الاسر، متهما الوزير بأنّه هو الذي يسعى مع الحكومة لـ"افشال السنة الدراسية" برفضهم للحوار.
التراجع أو التنازل عبر "المبادرة" التي قدمتها جامعة الثانوي الأحد، لا تعدو في النهاية أن تكون سوى مناورة من النقابيين في مقابل مناورة الشاهد لسحب البساط من تحته، فهي ترفض تقديم الاعداد ورفع الحجب في الخصوص، وتشترط لذلك استكمال التفاوض وتحقيق اتفاق يحوز مصادقة الهيئة الادارية للتعليم، ولا تقبل الاّ بالعودة للتدريس أي تعليق "تعليق الدروس"، على أن لا يتجاوز أجل الوصول لاتفاق يوم الخميس 26 أفريل، ان كان مقبولا من الهيئة الادارية يتم بعده مباشرة تسليم الأعداد، على أن يتم تعويض تعليق الدروس بالتدريس خلال العطلة، مع اشتراط الالتزام بعدم خصم أجور أيام الغياب، والأمر يبدو صعب القبول من الحكومة التي اشترطت سابقا تسليم الاعداد قبل التفاوض، وزيادة على ذلك فكل زيادة خصوصية ستعقّد وضع الحكومة مع الصندوق النقدي الدولي، الذي فرض خفض كتلة الأجور وكل مخالفة للالتزامات قد يترتب عنها تعطيل صرف الاقساط المتبقية.
وفضلا عن ذلك فالتراجع أو التنازل من هذا الطرف أو ذاك، سيحسب على أنه هزيمة وانهيار وستسجّل ضدّه كل النقاط السلبية، وبالفعل فليّ الذراع يبدو قويا جدّا ولا ندري من سينهار الأوّل، لأن اللعبة صارت لعبة "كسر عظم" بين الطرفين، ورهاناتها عالية وليست مجرد نزاع نقابي قطاعي في التعليم، فهي في ارتباط بالنزاع السياسي المتعلق بالتقييم السلبي من الاتحاد لحكومة الشاهد واشتراط تحوير هيكلي داخلها، وفي ارتباط بالبرنامج المشترط من صندوق النقد على الحكومة، وكل قرار في هذا الاتجاه أو ذاك ستكون تداعياته خطيرة على هذا الطرف أو ذاك، وتبدو منطقة "الوسط" غير موجودة ومفقودة في الظروف والملابسات الحالية.
تعدّدت في الازمات السابقة بين الحكومة والاتحاد تدخلات الرئيس السبسي لتطويق الخلاف وتقريب وجهات النظر، ولكن ما يختلف هذه المرة أن الثقة مفقودة بين الطرفين النقابي والحكومي، واليوم المشهد الوطني تحوّل الى "حرب" بيانات وتصريحات بين الطرفين، وكل يرمي بالمسؤولية على الآخر ويلقي الكرة في الملعب المقابل، ولا يتنازل ويفرض "الخطوة الأولى" من الجهة الأخرى، وحتى "المبادرات" كلها ملغومة وتغلب عليها المناورة والتكتيك، وهو ما يعقّد الأمر ولا يسمح بنفس الظرف لدخول قرطاج على الخطّ، اللهمّ هذه المرّة باحداث ضغط مباشر على القصبة، لأنّ ساحة محمد علي أعلنت شعاراتها الصّارمة في الحصول على مكاسب للاساتذة ولا يبدو الرجوع للوراء ممكنا.
الشاهد اليوم أكثر من أيّ وقت مضى ليس له ما يخسر، فرأسه مطلوب من الاتحاد وهو يلعب الكلّ في الكلّ، وتركيزه على الظاهر على تحقيق انهيار قد يخلط الاوراق، ويشكّل عصا النجاة للغريق الذي لم يبق له حلولا كثيرة، ويكون مثل ورقة ايقاف جراية قبل سنة بعد الانسداد الحاد الذي وصلت اليه حكومته اثر اعتصام الكامور، لكن بفارق كبير أنّ اللعبة اليوم أخطر باعتبار شملها أغلب الشعب، في قضية حساسة تهم التعليم والطفولة والمستقبل وفيها المادي والمعنوي والرمزي ببعد سياسي عميق، وبالفعل الواقع اليوم اذ يثبت شيئا فهو يثبت استهتار القصبة بكل الاعتبارات بعد فشلها في أغلب القضايا الاقتصادية والتنموية والسياسية، والمشكل اليوم صار واضحا في هذه الحكومة التي لا تنتج الا الازمات ونحن في هذه اللحظة على حافة الهاوية والحلّ الآن أكثر من أيّ وقت مضى في رحيلها قبل الغرق الكامل!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
3 de 3 commentaires pour l'article 160320