البلطجة السياسية الصّارخة

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/hafedkaid.jpg width=100 align=left border=0>



بقلم: شكري بن عيسى (*)



لم تكن الحقيقة اللقاءات والحوارات والاجتماعات الاحتفائية بقصر قرطاج بين الرئيس والاطراف المشاركة في ما سمي "مبادرة حكومة الوحدة الوطنية"، والامضاءات تحت الاضواء والخطب المنمقة الرنانة والبهرج الكبير، سوى لتزييف حقيقة وخلفية هذه المغالطة الكبرى للشعب التي سقطت اغلب فصولها البارحة مع تصريح الصيد بتعرضه ليس لمجرد ضغوط للاستقالة بل وصل الامر الى حد تهديده بـ"التمرميد" في كشف واضح وصارخ لحقيقة الادوات العنيفة لاصحاب "المبادرة" التي قيل انها تنشد "الوحدة الوطنية".




بلطجة سياسية وضيعة ان لم تكن فعلا اجراميا يستحق تحرك النيابة العمومية الفوري، فتهديد ماسك رأس السلطة التنفيذية بموجب تمشي دستوري بالاستقالة والا وضعه في حالة تنكيل مادي ومعنوي وهو الاخطر يعد انقلابا واضحا على سلطات قائمة ويشكّل جريمة قائمة الاركان بعناصرها المعنوية والمادية والقانونية، اما لو نزلنا الى المستوى السياسي فما تم هو فعل مشين لا يمكن تسجيله بهذا الشكل الفظيع حتى في بعض الدول الدكتاتورية المافيوزية، واليوم اذ نسجله بتونس بصفة جلية فالامر يحيلنا على واقع خضوع المشهد السياسي للبلطجة السياسية التي تدوس على كل القيم والمبادىء والاخلاق والمعايير والقوانين وتعلي منطق "العظرطة" والقوة والعنف الفوضى.

الكثير اتضح له منذ البداية غياب اي مؤشر يصب في اتجاه "الوحدة الوطنية" مما اعتبرته الرئاسة "مبادرة"، برغم الاخرج السينمائي للامر منذ "الحوار" المبرمج الذي شارك في اعداده يوم 2 جوان الياس الغربي، فرائحة خدمة العائلة فاحت منذ بداية "الطبخة"، و"انتداب" رئيس حكومة جديدة في "المركاتو الصيفي" قبل انطلاق الموسم السياسي الجديد باستحقاقاته الانتخابية المحلية العالية كان واضح الاهداف، لاجل خدمة الابن حافظ وتقوية مركزه بعد ان فقد كل نفوذ بحكم رفض الصيد لكل طلباته وعزل اهم رجالاته في الحكومة ولاسترجاع بعض حظوظ النداء المتلاشي في الاستحقاقات السياسية القادمة.

ولم تلبث الامور حتى اتضحت خيوط المآمرة، وبانت كل تفاصيل "غزوة حافظ" من أجل الاطباق على القصبة، وهي وقائع فضحتها قيادات اولى في النداء من رضا بلحاج الى كسيلة مرورا ببوجمعة الرميلي ونبيل القروي وحتى فوزي اللومي، واليوم اصبحت حقيقة ساطعة بعد ما أصدح به الصيد في حواره الاربعاء لبرهان بسيس على احد القنوات الخاصة (التاسعة) من تعرضه لضغوط في شكل "ترغيب" من قبيل "استقيل توة نخرجوك م الباب الكبير" قبل ان يمر الامر الى السرعة العالية بـ"التهديد" بصريح العبارة "ما تستقيلش توة نمرمدوك"، بالنظر الى عجلة "الجماعة" في التخلص من الرجل الذي يريدون ان يمحو فيه كل فشلهم واخفقاتهم، ولاثنائه عن كشف سوءاتهم المتعددة.

بوجمعة الرميلي في تدوينة الخميس على حسابه اشار بوضوح لبن غربية الذي مارس ضغوطا على الصيد بتكليف حسب الاستنتاجات من السبسي او بايعاز في الحد الادنى منه عبر مدير ديوانه العزابي لدفعه للاستقالة، ولكن الافظع انه اتهم مباشرة مستشار الرئيس المثير للجدل بن تيشة بانه هو من وجّه كلمات التهديد بـ"التمرميد" للصيد، والامر كان في نطاق هجمة متناسقة على بلاطوات اعلامية انطلقت على اعمدة جريدة "المغرب" و"ميدي شو" مع "المحلل" زياد كريشان وفي الاماكن السياسية المختلفة، والامر وصل للقصبة لمكتب الصيد حيث عرف السبسي كيف يقلب الجميع على صديق الامس دون ان يظهر في الصورة.

وكان في الامكان الحقيقة المرور عبر الطرق الدستورية لسحب الثقة من الصيد، ولو ان اعلان حالة الطوارىء تقصي امكانية "لائحة اللوم"، ولكن يبدو ان السبسي لا يريد ان يسجل نقاطا سياسية سلبية في رصيده باللجوء الى البرلمان وطلب عرض حكومة الصيد للتصويت على الثقة لمواصلة عملها طبقا للفصل 99 من الدستور، اولا حتى لا يظهر انه هو المستهدف للصيد وتنكشف الاعتبارات العائلية، وثانيا حتى لا يظهر انه تنكر لصديق الامس، وثالثا حتى لا يدخل في عداء مع جيل الصيد من التجمعيين الذين يشكلون قوة سياسية استمد منها السبسي قوته في وقت من الاوقات، والاهم ان لا يدخل في عداوة مع "السواحلية" الذين سيظيرهم رحيل ابن جهتهم بمثل ذلك الشكل المهين بـ"الدز" بعد ان دعي في البداية بـ"العز".

ولذلك تم الاتجاه صوب الضغط على الصيد بكل الطرق للاستقالة حتى يقي الله "المؤمنين شر القتال"، والامر وصل في النهاية الى التهديد المباشر، اذ الصيد وجد نفسه في وضعية حرجة وخذلان مرير فامتنع عن الاستقالة والامر لم يكن بطولة بقدر ما كان دفاعا عن شرفه المهدور بعد ان البسوه كل الاخفاقات وكل الفشل وتبرؤوا من كل عجز "براءة اخوة يوسف من دم اخيهم"، والبلطجية تنقلت من قرطاج الى باردو ولكن بالطرق "القانونية" هذه المرة بعد اعلان محمد الناصر لجلسة حوار مع الحكومة كان منتظرا ان يدفع بعدها الصيد للاستقالة مهانا ذليلا راكعا باستعمال حيل القانون.

"مبادرة" رئاسية من اجل حكومة "وحدة وطنية" اتضح انها كانت اطارا لكشف كل اساليب المكائد والخدع والمكر والدهاء، ونزعت الحجاب عن اساليب التنكيل والاهانة والخذلان والتنكر من اغلب الطبقة السياسية في معزوفة متماهية مع حاكم قرطاج الذي استنجد بسردية بورقيبة ابان الاستقلال لتسويق وتسويغ خطته، والامر لم يكن مستغربا فـ"المبادرة" استكملت ملامح اللوحة السياسية السوداء خاصة لنداء تونس بعد ان اتحفنا بالهراوات على المباشر في كل فضائيات العالم وكل اساليب الشتم والسب بين قياداته من اجل الغنيمة والنفوذ قبل ان يتدخل "الرئيس" لحسم الامر لفائدة ابنه المدلل.

الصيد لم يكن قائد ربان كفء وجيء به اصلا لضعفه وللتحكم فيه ولتنفيذه سياسات واوامر وطلبات السبسي، ولكن تصاعد "نزوات" حافظ السياسية جعلته يرفض الاستجابة ويتخلى على بعض رجالات الابن المدلل وخاصة الغرسلي في الداخلية ويرفض عديد الطلبات الفضائحية لتعيين ولاة ومعتمدين ومديرين بلا ادنى كفاءة ومصداقية، وقلّم بذلك اظافر حافظ وشلّ كلّ شبكته الزابونية وجعله بلا نفوذ داخل حزب النداء الذي بدأ يسير نحو التلاشي خاصة وانه قائم على توزيع المغانم.

اليوم تفتضخ كذبة "المبادرة" خاصة بعد استنساخ "وثيقة قرطاج" لبرنامج الصيد، وبالتالي عدم اظافتها لاي شيء مغاير او فيه تغيير نوعي، وايضا اصدارها في شكل انشائي دون ارقام واهداف بآجال، والاكثر هو ترشيح وزير المالية احد ابرز وجوه الفشل الاقتصادي سليم شاكر لترؤس الحكومة القادمة، واستمرار على الاغلب وزراء الملفات الاقتصادية في الحكومة القادمة، ثم لا يجب نسيان ان اغلب من يدفعون الصيد نحو الاستقالة حتى من حكومته من الذين انقلبوا عليه واصدروا بيانا يطالبه بالرحيل في نطاق الحملة "المركّزة" ضده هم من يتحملوا ابرز معالم الفشل في الحكومة في المستوى الاقتصادي، نذكر منهم المالية والتنمية والتجارة والسياحة.

الحقيقة ان الامر المريب هو تخلي الجميع عن الصيد وكأن المسألة "مقدسة"، وهذا ما يثير استغرابنا ودهشتنا، وحتى النهضة فقد تخلت وتنكرت لصديق الامس وهي ايضا نادته ولو بصوت خافت عبر مجلس شوراها وكثير من قياداتها لفسح المجال لتفعيل مقترح الحكومة الوطنية المزعومة، واظهرت بذلك تذيلا واضحا لخروقات السبسي للدستور، وانسحاقا جليّا امام ما يقرّه ولم تُظهر اي "شخصية" وبرزت مرتبكة متذبذبة المواقف، مرة تنصر الصيد ومرة تخذله قبل ان تتخلى عنه نهائيا بعد الانقلاب الكامل للسبسي عليه، واظهرت انها لا تمتلك رؤية ولا موقف في الصدد وفقدت ثقة حتى العديد من منتسبيها، ولو ان في نهاية الامر قد تظفر ببعض الضمانات التي تمنحها بعض مطالبها عبر تفاهمات "العادة" بين "الشيخين"، ما يزيد في اضعاف مؤسساتها ويوهنها ويجعلها رهينة رئاسة الحركة التي اطبقت النفوذ ويبدو انها تتجه نحو فشل كبير قادم.

ثقة التونسيين في السياسيين تزداد تراجعا واصبحت الحقيقة تقارب الصفر، ومع ذلك تتصاعد اشكال البلطجة السياسية، على حساب ثقافة المدنية والمواطنة والديمقراطية والقانون والقيم والمبادىء وخدمة الصالح العام والنزاهة والشفافية، ووتصاعد ممارسات الانتهازية والغنيمة والاستئثار، وتتشكل وتبرز شبكات التحكم والنفوذ التي اصبحت توازي العمل المافيوزي، والمشهد السياسي يزداد تعفنا، ما ينبىء بمستقبل قاتم، وابرز علامات هذا المستقبل الاسود هو وجود نورالدين بن تيشة المدان بحكم قضائي في التزوير وفبركة فيديو "القاروس"، والضالع في تهديد رئيس جمعية نقابة القضاة الشبان لاثنائه عن عقد اجتماع للجمعية، والمتهم اليوم على الملأ بتهديد الصيد، واستمراره في الرئاسة مستشارا بل مهندسا لهذه المبادرة المزعومة التي لن يجني منها الوطن في قادم الاشهر سوى الاشواك على الارجح.

لا ندافع على الصيد في سياسته في تسيير الحكومة، ونعتقد ان ذهابه للبرلمان لطلب التصويت على منح الثقة لمواصلة حكومته طبقا للفصل 98 من الدستور خضوعا للضغوط خاصة اذا ما علمنا ان حظوظه تكاد تكون منعدمة ما يجعل خياره عبثيا خاصة وانه لن يقوم بكشف كل الخفايا التي ينتظرها الشعب فضلا عن انه لا يزال متأثرا بالتهديدات التي لا تجعله يسقط السقف ويفضح الجميع، اتحاد الشغل الذي اضفى نوع من المشروعية على "المبادرة" مطالب بالتدخل الحاسم حتى لا يتورط في بالتواطؤ في ممارسات البلطجة وخرق القانون، ويبقى في النهاية الحل في القطع مع مسار انتخابات اكتوبر 2014، والتحضير لاطلاق مسار دستوري جديد بعد الانسداد الذي وصلت له الحالة السياسية في البلاد والسقوط المدوي على كل المستويات فالحلول الانتهازية ستزيد في مزيد اغراق الاوضاع!!

(*) قانوني وناشط حقوقي




Comments


14 de 14 commentaires pour l'article 128675

Addel  (Tunisia)  |Samedi 23 Juillet 2016 à 08:21           
حب ياخو رخصة ال صاحبوا ما حبوش يوافقولوا شنعها عند بوه و دخل البلاد في حيط باش ما يطيحش كلمتوا
هاو المستوي اللي وصلنالوا

MedTunisie  ()  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 17:01 | Par           
هربنا من الطرابلسية تحنا في ولد الباجي

Mandhouj  (France)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 15:44           
Ce qui est aussi mesquin et même monstrueux, ce sont les manœuvres de dessous, faites par Hafed, pour accéder au pouvoir, et prendre la place de son père, même sans attendre les élections… Changer le régime politique de ce qu’il est aujourd’hui à un régime présidentiel.. nommer un vice-président… et boom, papa est fatigué, je deviens président !!!! Cool, non !? La monstruosité politique pourra aller jusqu'à foutre en l'air toute un processus
démocratique.. la contre révolution et parmi nous ! au pouvoir ! ... il ne faut pas être naïf ... le respect de la constitution est une lutte ...

Depuis la révolution, je me suis aperçus, qu’il existe des êtres qui semblent sortir d’une autre époque que la nôtre !!!

Mandhouj  (France)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 10:39           
Depuis un mois et demi de concertation, de rencontres, … en final tous les participants se mettent d’accords sur des éléments généraux qui présentent la feuille de principe ! en lisant la feuille, on s’aperçoit que tout son contenu, est la LOUBANA que tout le monde exprime depuis longtemps… ça confirme, que ces participants font partie des gens qui ne savent pas avancer… ils ne sont pas là pour avancer ni pour faire avancer le pays.. Ils sont là
pour accéder à une place, à fabriquer un décor politique diffèrent, allonger la vie de l’échec … En plus ils sont conscients des difficultés de la Tunisie.. mais voilà, ils n’ont pas de solutions.. Juste un peu d’animation politique différente, avec plus de ridicule … Honnêtement, en tant que citoyen, je suis frustré …

Mandhouj  (France)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 09:21           
Depuis le début, plusieurs d'entre nous ont compris qu'il y avait dans cette initiative présidentielle une grande escroquerie politique dans sa forme (la démarche elle même), et dans son contenu ... Les rencontres tout au long d'un mois et demi, se sont avérées une mascarade... Aujourd'hui la vie politique tunisienne demeure animée par les esprits et les qualités de la familles RCDISTE -putschisme, arrangement entre bloc d’intérêt,... et le
tout d'une manière très mal saine ... Le peuple tunisien va continuer à être en quette de la démocratie, le combat est long, le chemin est difficile ...

Ammar  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 08:24           
ملاحظة هامة : عدم تجديد الثقة لا يمس شخص رئيس الحكومة فحسب... بل يطال كل عناوين الفشل فيها... من وزراء البحيرة ومنبلازير وسليم الرياحي والأوف شور... ستكون الفضيحة السياسية الأولى في العالم : نواب الأغلبية يسقطون حكومتهم...

Tounsi68  (France)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 08:23 | Par           
هؤلاء الحثالة التي تحكم تونس اليوم أسوأ من حكمها منذ الإستقلال

Uniret  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 07:55           
J’avoue que je ne peux prétendre éprouver beaucoup de sympathie pour ce monsieur qui serait à l'origine des dites menaces, ni de la haine, d'ailleurs, je ne vois pas de raison pour cela, mais quand une personne encaisse une accusation sans répondre, ce n'est pas toujours la preuve d'une culpabilité évidente, d'ailleurs il est presque certain que c'est bien lui qui est à l'origine du message et je dis bien message, à titre de conseil et
non
une menace, au vue de tout ce qu'il a vu et entendu de préparatifs pour contrecarrer un éventuel coup de tête qui présenterait un risque pour le trône.

Uniret  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 07:35           
الشعب التونسي ليس غبي ولو أنه يتغابى لغاية في نفس يعقوب.

Kamelnet  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 07:30 | Par           
بعد ما عرف الشعب حقيقة النداء يجب انتخابات عامة مبكرة ليقول كلمته في مستقبل البلاد

Soufyene  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 07:28 | Par           
احسنت و بارك الله فيك لما ادرجت من حقاءق خفية يجانبها الاعلام و لا يخوظ فيها لفقدانه الجرءة التي كان يملكها ابان حكم الترويكا و رءاسة المرزوقي . اشكرك مجددا .

Soufyene  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 07:27 | Par           
احسنت و بارك الله فيك لما ادرجت من حقاءق خفية يجانبها الاعلام و لا يخوظ فيها لفقدانه الجرءة التي كان يملكها ابان حكم الترويكا و رءاسة المرزوقي . اشكرك مجددا .

Soufyene  (Tunisia)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 07:27 | Par           
احسنت و بارك الله فيك لما ادرجت من حقاءق خفية يجانبها الاعلام و لا يخوظ فيها لفقدانه الجرءة التي كان يملكها ابان حكم الترويكا و رءاسة المرزوقي . اشكرك مجددا .

Balkees  (United Arab Emirates)  |Vendredi 22 Juillet 2016 à 04:42 | Par           
مهازل الحكم في تونس !!


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female