محمية الفايجة: جنة طبيعية كريمة مع الزوار، تجعلها القوانين شحيحة مع السكان المحليين

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/6935e2c3883d24.59743126_fknhjlqieogmp.jpg width=100 align=left border=0>


في قلب الحديقة الوطنية بالفايجة الواقعة في مدينة غار الدماء، شمال غرب تونس، تعيش عائلات توارثت المكان أبا عن جد، في عزلة داخل غابة جمالها أخاذ وفي مشهد طبيعي ساحر وغني بتنوّع بيولوجي إستثنائي.

بعيدا عن صخب المدن، ألف السكان المحليون الحضور الدائم للدوريات الغابية التي تسهر على الحفاظ على الحياة البرية والنباتات، التي يحميها القانون، لكن هذا القانون فرض على العائلات هشاشة إجتماعية وإقتصادية كبيرة، وفق ما عاينه صحفيون خلال زيارة لهذه المحمية الساحرة، إنتظمت يومي 6 و7 ديسمبر 2025، في إطار دورة تكوينية في الصحافة البيئية.





يصنف القانون التونسي، الغابات، كثروة وطنية توفر مداخيل مباشرة للدولة، وتساهم في الناتج الوطني الفلاحي وهي مصدر رزق للعائلات المجاورة للغابات توفر العديد من فرص العمل في قطاعات عدة، غير أن هذا القانون المجمع في مجلة الغابات، يقيد بشدة حقوق الإنتفاع بهذه الثروة بالنسبة للمجتمعات التي تعيش داخلها، رغم مساهمتها الفعلية في الحفاظ عليها وحمايتها.

أخبار ذات صلة:
في محمية الفايجة مركز إيواء مهمل في غياب التشريع الملائم لاستغلاله...


فمجلة الغابات التي يعود إصدارها إلى سنة 1988 بهدف ضمان "الإستغلال الرشيد" للموارد و"تمكين المنتفعين من ممارسة حقوقهم القانونية"، تحصر حقوق إنتفاع السكان القاطنين داخل الغابات أو بجوارها، في نطاق الحاجيات الضرورية الذاتية للعيش، دون أي إمكانية للتنمية الإقتصادية، وبالتالي لا يسمح باستغلال المنتجات الغابية "لأغراض تجارية أو صناعية" (الفصل 37). كما يخضع النفاذ إلى بعض الموارد إلى تراخيص إدارية أولية تجدد كل خمس سنوات، مما يجعل الاستفادة منها هشّة ومؤقتة.

ورغم أن الهدف المعلن للقانون الذي ينظم استغلال المجال الغابي هو "تحسين الظروف الإقتصادية والإجتماعية للسكان الغابيين"، فإن تفاصيل القانون وتطبيقه دون مراعاة بعض خصوصيات المناطق الغابية، يبقي سكان الغابات في حالة هشاشة مزمنة.

محمد الوسلاتي، البالغ من العمر 30 سنة، قضى أكثر من عشر سنوات في محمية الفايجة بصفته مراقبا وحارسا لقطعان أيل الأطلس، ورغم تعلّقه بهذه الحيوانات وإعتزازه بدوره، فإنه يقرّ بعدم رضاءه إزاء راتب لا يكاد يضمن له مقومات العيش الكريم.

ويعمل حاليا خمسة عشر شابا كحرّاس غابات ضمن "فرق حراسة غابات مؤقتة"، حيث يشتغل كل واحد منهم خمسة عشر يوما في الشهر مقابل نصف راتب.

سفيان مجاجري، أحد هؤلاء الحرااس، لا يخفي ولعه بالمحمية التي نشأ فيها، لكنه يعترف بأن "هذا التعلّق لا يكفي عندما نعيش في ظروف صعبة للغاية".


وبنفس المرارة، يعترف حاتم ستيتي، أحد سكان المحمية، أن السكان المحليين "يعيشون في هشاشة خانقة تحوّل كل يوم إلى معركة من أجل البقاء".


أما فارس، الشاب العاطل عن العمل من نفس الجهة، فيطمح إلى العمل كدليل سياحي، وهي مهنة تعيقها حاليا غياب منظومة قانونية مناسبة. وقال فارس في هذا الصدد "قد تسمح المرونة والانفتاح على أنشطة السياحة الايكولوجية، بخلق العديد من الفرص لي ولغيري من شباب المنطقة"، مستشهدا بصعوبة الاجراءات الفروضة على أنشطة التخييم والمشي في المناطق الجبلية.

ومن جانبهن، تظهر نساء محمية "الفايجة" قدرة فائقة على الصمود، لكنهن يتحمّلن بشكل مباشر صرامة تطبيق القوانين على كامل سكان المحمية ومحيطها. تأمل "نخلة"، وهي إمرأة في السبعين من عمرها، أن تتمكن من بيع الخبز التقليدي "الملاوي" وزيوتها العطرية (زيت الضرو ومنتجات غابية محلية أخرى) للزوار، دون أن تضطر في كل مرة إلى الحصول على التراخيص اللازمة.

وتقول هذه السبعينية التي تعيل اليوم زوجها المتقاعد وابنها المتزوج وأحفادها، " أصبحت العائدات شحيحة، فالحافلات السياحية لا تأتي إلا في عطلة نهاية الأسبوع أو خلال العطل، والكثير من الزوار يجلبون طعامهم معهم".

وتطالب "نخلة" بالحصول على ترخيص دائم لإقامة كشك صغير لبيع منتجاتها " دون أن يطاردها أعوان الغابات".


وتقول إمرأة أخرى صادفتها وكالة "وات" في موقع التخييم بالفايجة بغضب: "أنتم تحبون هذا المنتزه، أما نحن فنكرهه، لا أمل لنا في تحسّن أوضاعنا".

أخبار ذات صلة:
في الحديقة الوطنية بالفايجة: تعبئة وسائل الاعلام لحماية التراث الطبيعي...



تنقيح القوانين أصبح حاجة ملحة ....

يرى نور الدين عزيزي، الرئيس السابق لدائرة الغابات بطبرقة، أنه من الضروري تكييف القوانين مع تطور مقاربات المحافظة على البيئة.


واختزل العزيزي الأمر في قوله "لا يمكن حماية الطبيعة اليوم دون مشاركة ودون تشريك"، مشددا على أن تثبيت سكان الغابات لا يمكن أن يتحقق دون خلق ديناميكية إقتصادية حقيقية وشاملة تمكنهم من العيش الكريم والتطور.

وحث في هذا الصدد، على إجراء إصلاح عميق يتيح تطوير السياحة البيئية وتثمين الموارد الطبيعية وإشراك المجتمعات المحلية في شراكاتمدرة للدخل بين القطاعين العام والخاص.

وفي حين يرى بعض الإطارات الغابية الذين تمّت مقابلتهم في الموقع أنّ تكييف التشريعات أصبح اليوم أمرا لا غنى عنه للتوفيق بين حماية النظم البيئية والتنمية الإقتصادية والعدالة الاجتماعية، لا يزال آخرون متحفظين إزاء التغيير، ويعتبرون أن الإنفتاح يشكّل تهديدا للتنوّع البيولوجي.

ويؤكد محمد تميمي، مؤسس الشركة الناشئة "Tunisian Campers" الناشئة، التي تروّج للسياحة البيئية والمسؤولة في تونس، أن "السياحة البيئية وكل ما يتفرع عنها من تثمين للمنتجات الغابية وخدمات سياحية، تمثّل اليوم رافعة أساسية لإخراج المجتمعات المحلية من دائرة الهشاشة".

يذكر أن زيارة المحمية الوطنية "بالفايجة" تتنزل في إطار مسار تكويني يمتد على ثمانية أشهر في مجال الصحافة البيئية لفائدة نحو خمسة عشر ممثلًا عن وسائل الإعلام التونسية.

ويأتي هذا التكوين في إطار تعاون بين مشروع دعم الحوكمة البيئية والمناخية والانتقال الايكولوجي " PAGECTE" التابع للوكالة الألمانية للتعاون الدولي والإتحاد الأوروبي في تونس ووزارة البيئة وبرنامج دعم الإعلام التونسي (PAMT2)، وبدعم من Tunisian Campers.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 320416


babnet