تنوع بيولوجي: رحلة أيل الأطلس من حافة الانقراض إلى غابات تونس

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5dc2cb1b1e9344.45370368_omlnijgphqfek.jpg width=100 align=left border=0>
Photo archives


على أطراف غابات الزان والفلّين الكثيفة، في منطقة الفايجة بمدينة غار الدماء شمال غرب تونس، يخرج قطيع من أيل الأطلس إلى مرج مفتوح، فيشدّ أنظار الزوّار الذين يتأملون، بإعجاب، هذا الحيوان البري النادر الذي عاد إلى موطنه الطبيعي بعد أن كان مهدّدا بالانقراض.

من التراجع إلى حافة الزوال


قبل عقود، تراجع انتشار أيل الأطلس في كامل منطقة المغرب العربي نتيجة اضطراب المناخ، والصيد الجائر، والانتهاكات التي طالت الغابات، لينحصر وجوده في رقعة جغرافية ضيقة تمتد بين غار الدماء وطبرقة في تونس، وعنابة وسوق أهراس في الجزائر. وخلال ستينيات القرن الماضي، كاد هذا الصنف، الذي يُعدّ أحد أبرز رموز التنوع البيولوجي بشمال إفريقيا، أن يختفي نهائيا.




برنامج وطني لإعادة التوطين

غير أن الجهود التي أطلقتها تونس منذ فجر الاستقلال مكّنت من إنقاذ هذا الحيوان وإعادته إلى موطنه الطبيعي. ففي سنة 2016، تسلّمت تونس من إسبانيا أول مجموعة تضم 23 رأسا من أيل الأطلس، في إطار برنامج وطني لإعادة التوطين والإدماج، شمل إنشاء محميات خاصة في الفايجة (غار الدماء) وعين البكوش (طبرقة)، إلى جانب توفير حماية قانونية كاملة لهذا الصنف ضمن قرارات تنظيم الصيد.

وفي المحمية الطبيعية بالفايجة، التي تُعد من أجمل غابات الزان في شمال إفريقيا، خُصّص مرج مهيأ يتيح للزوّار مشاهدة القطيع لفترات وجيزة قبل أن يختفي مجددا بين كثافة الغطاء النباتي.

زيارة ميدانية وإطار تكويني

وشهدت المحمية، يوم السبت 6 ديسمبر 2025، زيارة ميدانية لعدد من الصحفيين وإطارات إدارة الغابات، في إطار دورة تكوينية حول التنوع البيولوجي وحوكمة الموارد الطبيعية، نظمها برنامج دعم الإعلام التونسي (PAMT2) بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ – Tunisie)، ضمن برنامج دعم الحوكمة البيئية والمناخية للانتقال الإيكولوجي في تونس، وبالشراكة مع وزارة البيئة وجمعية Tunisian Campers.

عودة صنف مهدّد بالانقراض

وتقدّر السلطات الغابية عدد رؤوس أيل الأطلس في تونس بنحو ألف رأس، وهو رقم غير محيّن في ظل غياب دراسات حديثة، إلا أن مختصين يؤكدون أن الأعداد تشهد تزايدا تدريجيا داخل الفضاءات المهيأة، ما يجعل تونس أول دولة مغاربية توفّر حماية كاملة لهذا الصنف وتنجح في إعادة توطينه.

ورغم هذا النجاح، تبقى استدامته رهينة المراقبة العلمية المستمرة للقطعان، خاصة وأن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) صنّف أيل الأطلس منذ سنة 2000 ضمن فئة “مخاطر منخفضة”.

خصائص بيولوجية وقدرة على التكيّف

يتميّز أيل الأطلس بقدرة عالية على التكيّف مع الغابات، إذ يتغيّر لون فروه حسب الفصول، من البني المحمّر صيفا إلى الرمادي البني شتاء، بينما تحتفظ الأيائل الفتية ببقع بيضاء تميّزها عن الأيل الأوروبي.

ويوضح الخبير المستقل في حفظ الطبيعة، فوزي المعموري، أن قرون الذكور تتساقط سنويا، لتعود وتنمو بشكل أكبر وأكثر تفرعا، ما يمكّن من تقدير عمر الحيوان وحالته الصحية. كما يشير إلى أن الذكر المهيمن يمكن أن يعاشر بين ثماني وعشر إناث خلال موسم التزاوج، حيث تحتدم المنافسة بين الذكور وتُسمع أصواتها في المروج.

وتدوم فترة الحمل حوالي ثمانية أشهر، فيما يبقى الصغير مختبئا في الغطاء النباتي خلال أسابيعه الأولى حماية له من الحيوانات المفترسة.

قرون الأيل: ثروة غير مستثمرة

داخل دار الغابات، التي يعود إنشاؤها إلى سنة 1908 في قلب محمية الفايجة، يطّلع الزوّار على مجموعة نادرة من قرون الأيل. ويؤكد المعموري أن تونس تمتلك مخزونا مهما من هذه القرون تحت إشراف الإدارة العامة للغابات، لكنه لا يزال غير مستغل رغم قيمته البيئية والعلمية والصناعية.

فالقرون الغنية بالمعادن تساهم في تغذية بعض القوارض وإثراء التربة، ويمكن استعمالها في الصناعات التقليدية، مثل صناعة مقابض السكاكين والحُلي والتحف.

غير أن مجلة الغابات لسنة 1988 تمنع سكان الفايجة، الذين يناهز عددهم 250 عائلة، من جمع هذه القرون، ما دفع حراس الغابات إلى المطالبة بمراجعة الإطار القانوني، في اتجاه الانتقال من مقاربة الصون إلى مقاربة التنمية، انسجاما مع التوجهات البيئية والانتقال الإيكولوجي على المستويين الوطني والدولي.

نموذج للتوازن البيئي

ورغم هشاشة أعداد أيل الأطلس في تونس واستمرار التحديات المرتبطة بحماية موائله، يظل هذا الحيوان مثالا حيّا على قدرة الطبيعة على التجدد، وعلى إمكانية استعادة التوازن البيئي متى توفّرت الحماية والحوكمة الرشيدة.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 320166


babnet