المؤرخ عبد الجليل التميمي في حوار مع وات: "من الظلم ألا يقع الاهتمام بمن بنوا هذه الأمة، وأن تقبر شهاداتهم بموتهم"

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5b8bd1dd601661.52361455_pjqmolkignhef.jpg width=100 align=left border=0>


2025 (وات/ حاورته ريم قاسم) - أكد المؤرخ التونسي الدكتور عبد الجليل التميمي أهمية مواصلة حفظ الذاكرة ونشر الحقيقة، وقال "على الرأي العام التونسي والعربي أن يذكّر بمن ساهم في بناء الأمة العربية"، معتبرا أنه "من الظلم ألا يقع الاهتمام بمن بنوا هذه الأمة، وأن تقبر شهاداتهم بموتهم".
وكشف في حوار حصري مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، التي أسسها منذ ثمانينات القرن الماضي، تعمل حاليا على تسجيل عدد جديد من الشهادات سيقع إصدارها ضمن سلسلة دائرة معارف الذاكرة الوطنية.
في هذا الحوار الذي جمعه بـ"وات"، بمناسبة تسلمه جائزة العويس للدراسات الإنسانية والمستقبلية في دورتها التاسعة عشرة (على هامش حفل توزيع الجوائز الذي نظمته مؤسسة العويس الثقافية في دبي)، تحدث "شيخ المؤرخين العرب"، التميمي، (87 سنة)، عن أهمية البحث في تاريخ الأمة العربية من خلال ما أسماه "أرشيفات الصدور"، وقدم مجموعة من الرسائل للمؤرخين والباحثين العرب من الجيل الجديد، وكشف عمن يعتبره حاملا للمشعل ومتابعا للمسيرة التي بدأها.

وتحدث بالمناسبة، عن أبرز الصعوبات والعراقيل التي اعترضها في مسيرته ولم ينكر فضل من دعمه مثل المؤرخ المصري الكبير عبد العظيم رمضان، والوزير الأول في عهد بورقيبة الراحل محمد مزالي.



وأشار المؤرخ في حواره مع "وات" إلى أهمية حفظ الذاكرة وتوثيق شهادات تاريخية، مشيرا إلى ما تقوم به منذ سنوات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والدراسات التي أصبحت اليوم قبلة الكثيرين ممن يرغبون في توثيق شهادات ووقائع غفل عنها التاريخ الرسمي، وقد تم توثيق هذه الشهادات في كتب أصدرتها المؤسسة التي يقول صاحبها اليوم أنه يمتلك مكتبة بها آلاف الإصدارات ويرغب في رقمنتها وإهدائها للقراء والباحثين في مختلف الدول العربية مع الإبقاء على أصل النسخ الورقية في تونس.
واعتبر تكريم مؤسسة العويس له، من بين مئات المرشحين، بمنحه جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية وخاصة إعادة نشرها لأهم كتاب في مسيرته وهو "دراسات في التاريخ العثماني المغاربي خلال القرن السادس عشر"، أفضل تكريم له، واعتبر ذلك تكريما يتجاوز شخصه ليطال الإبداع العلمي في تونس بوجه عام.
وتحدث عن سر اهتمامه بالتاريخ العثماني المغاربي، عائدا إلى مسيرته التي كان للمؤرخ المصري عبد العظيم رمضان دور بارز في توجيهها إذ كان من أول من دعا التميمي إلى الاهتمام بالتاريخ العثماني، معتبرا أن "العالم العربي لم يع أهمية ودور العثمانيين في هذا الفضاء"، وأكد أن "الباحثين العرب مقصرون في حق تاريخ بلادهم عندما غُيب رجالات العالم العربي من جميع الاختصاصات ودفنت ذكراهم".

أرشيفات الصدور مصدر أساسي لكتابة التاريخ

وأوضح قائلا "أنا أدين له لأنه نبهني وألحّ عليّ بأن أهتم ب"أرشيفات الصدور" التي تعتبر كنزا من كنوز الأمة"، وأكد أن "أرشيفات الصدور" لعبت دورا هاما في عديد البلدان وتعد مصدرا أساسيا في كتابة التاريخ في أوروبا. وشدد على ضرورة أن يهتم العالم العربي بهذه الأرشيفات قائلا "لنا رجالات كثر في تونس والعالم العربي لم يقع جمع شهاداتهم وتوفوا للأسف ولم يقع الانتباه لهم وأضعنا فرصة ثمينة".
وأشار التميمي إلى أن العديد من المؤرخين التونسيين والمصريين واللبنانيين، كانوا يتحدثون عن احتلال و"غزو" عثماني إلا أنه بعد دراسة وبحث معمق للوثائق المتعلقة بالعلاقات العثمانية بالإيالات العربية، اعتبر أن ذلك غير صحيح مشيرا إلى أنه أحدث في المقابل مفهوما جديدا وهو "عثمنة الإيالات المغاربية " أي النظام العثماني المتبع في تونس بعيدا عن الاتهام بالغزو أو الاحتلال.
وتوجه برسالة للمؤرخين العرب والمؤسسات العربية داعيا إياهم إلى تغيير المفاهيم غير العلمية التي يعتمدونها أحيانا.
ولفت إلى أن البحوث التي قام بها كشفت له وجود عدد كبير من الدراسات والوثائق عن عن ليبيا، موجها كذلك رسالة إلى الليبيين لإعادة النظر في تاريخهم في العهد العثماني. واعتبر أن الفضاء المغاربي يحتاج إلى هيكلة جديدة، قائلا "رسالتي للمؤرخين المغاربيين في الجزائر وتونس وليبيا لاعادة النظر في التاريخ العثماني لأنه محمّل بالرسائل بالغة الأهمية للمنطقة، ومليء بالدروس".
وأضاف في هذا السياق "حاولت في كتابي أن أبين ذلك، لأنه لولا الدولة العثمانية لكان مصيرنا مثل بعض الدول العربية الأخرى التي أصبحت لاتينية التوجه"، معتبرا أن "الدولة العثمانية لعبت دورا كبيرا في وقف هذا المضمون اللاتيني في تاريخ المنطقة".

شهادات لمواجهة التاريخ المنسي

وأعرب عن امتنانه لاعتراف الكثيرين بجهوده في حفظ الذاكرة من خلال تسجيل الشهادات من ذلك الجزائري أحمد طالب الابراهيمي الذي كان وزير ثقافة وداخلية وكان طبيبا، قائلا إنه "من القلائل الذين أدركوا دوري في تقريب التاريخ العثماني في الجزائر"، لافتا إلى أن أحمد طالب الابراهيمي الذي توفي منذ نحو شهرين أوصى بدعم مؤسسة التميمي لما تقوم به من دور هام في حفظ التاريخ في المنطقة المغاربية.
ولئن استضافت مؤسسة التميمي على مدى سنوات عديد الشخصيات واستمعت لمئات الشهادات، فإن أبرز الشهادات التي ظلت عالقة في ذاكرة المؤرخ عبد الجليل التميمي وفق ما أسر به لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، هي تلك التي قدمها ابن المناضل الراحل صالح بن يوسف، وما تعرضت له عائلته من مظالم، كما تحدث عن "مظلمة أخرى، تتعلق بالاستيلاء على ثروات البايات.
وأضاف المؤرخ التميمي "عندما أعيد الاستماع إلى بعض الشهادات أبكي فرحا لتوفقي في تسجيلها قبل وفاة أصحابها".
وأوضح أنه نشر 8 كتب كل كتاب فيه حوالي 900 صفحة من الشهادات تم جمعها من خلال سلسلة اللقاءات التي تنتظم كل يوم سبت بمقر مؤسسة التميمي منذ سنوات.
وعن أحدث التسجيلات التي لم تنشر بعد، كشف التميمي عن شهادة مهمة تتمثل في أن أحد الأطباء التونسيين المبدعين كتب عن الموسيقى العثمانية، كما كتب أحد الباحثين عن أوقاف الصادقية وهو إنجاز رائع بحسب توصيفه، مشيرا إلى أن المؤسسة تواصل تلقي الشهادات وستنشر جزءين آخرين تحت عنوان "دائرة معارف الذاكرة الوطنية".
وفي إطار حفظ الذاكرة، دعا التميمي من له شهادات ويريد تسجيلها للتاريخ أن يسارع بذلك من أجل "تدعيم المعرفة والبحث العلمي".

التليلي العجيلي حامل مشعل حفظ الذاكرة

ولئن نالت المؤسسة ثقة الكثيرين، وحظي التميمي بثقة المؤرخ المصري عبد العظيم رمضان، فإنه كشف في حواره مع "وات" عن وجود عدد من الباحثين الذين يثق بهم ويراهم قادرين على إتمام المسيرة البحثية التي قام بها منذ عقود، من بينهم بالخصوص التليلي العجيلي الذي كتب مؤلفا عن أحباس الحرمين، كما كتب عن أحباس/أوقاف الصادقية وهو كتاب قيم، انطلق فيه من شهادة أول وزير في عهد الحماية، إذ أعطاه وثيقة هامة جدا تتعلق بأحباس الصادقية في عهد الحماية.وبين أن من أبرز الشهادات التي تم جمعها، شهادة الوزير الأسبق مصطفى الفيلالي حيث قال "أنا أتأسف لأنني لم ادرك قيمة الاحباس" واعترف بانه هو من طلب من بورقيبة الغاء احباس الصادقية، وفق تأكيده.
وتحدث المؤرخ عبد الجليل التميمي عن الصعوبات التي تعرض لها في بداياته وعما أسماها "محنة الباحث في العالم العربي" من ذلك منع "الزيتونيين" له من التدريس في الجامعة، إذ لم يتسن له ذلك لولا تدخل مباشر من الوزير الأول محمد مزالي، (في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة)، قائلا "رغم انها نشرت لي اول كتاب بالفرنسية "بحوث ووثائق في التاريخ المغاربي" فقد مُنعت من دخول الجامعة التونسية رغم انني اتقن العربية والفرنسية والانقليزية، ولي شهادة الابتدائية والصادقية ودكتوراه دولة من الجامعة الفرنسية".
واعتبر أنه لعب دورا كبيرا في "تشريف الجامعة التونسية"، وأشار إلى مبادرته بنشر 4 مجلات مازالت تصدر الى اليوم منها المجلة التاريخية "المغاربي" التي احتفلت مؤخرا بخمسين سنة على انشائها، والمجلة العربية للتاريخ العثماني وهي اول مجلة في العالم مهتمة بالدراسات العثمانية وتصدر بانتظام الى اليوم منذ 22 سنة، وأضاف أنه أطلق لدى إشرافه على المعهد العالي للتوثيق، المجلة المغاربية للتوثيق والمعلومات.
وتحدث عن الدور الذي لعبته هذه الإصدارات وخاصة المجلة من دور هام في التوثيق للتاريخ العربي الإسلامي.

رسالة التميمي للجيل الجديد

وعن رسالته للجيل الجديد قال "رسالتي للجيل الجديد أن يكون أمينا لتاريخ تونس ومدافعا عنها في اطارها المغاربي". وشدد في هذا السياق على أهمية تعلم اللغات وخاصة اللغة الإيطالية، للاستفادة من التراث الفكري والارشيفي الثري الذي تزخر به إيطاليا. وأشار إلى أن كل ولاية هناك بها مركز أرشيف عن المغرب العربي، يجب الاهتمام به وتقييمه، فالأرشيف الإيطالي بمثابة قوة فاعلة في التوثيق العلمي وهو لا يقل قيمة عن الوثائق الفرنسية.
وكشف عن امتلاكه لمكتبة ضخمة تتضمن في جزء منها 21 ألف عنوان من الكتب التي اهديت له تقديرا لنشاطه وما يقوم به المركز وتهم مختلف التخصصات، وقد بدأ في عملية رقمنتها بالتعاون مع دار الكتب الوطنية والارشيف الوطني التونسي لحفظها.
وجدد دعوته للجيل الجديد بمزيد النبش في التاريخ لاستخراج الحقائق قائلا "عليهم أن يكونوا واعين ومسؤولين وفي مستوى الرسالة التاريخية التي عُهدت إليهم" .




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 318849


babnet
*.*.*