أم الزين بن شيخة: المسرح فعل وجودي لتحرير اللغة والإنسان
قدّمت أستاذة الفلسفة والباحثة أم الزين بن شيخة مداخلة بعنوان "ما بعد الكولونيالية والمسرح التونسي: قراءة في تجربة جاكراندا"، انطلقت فيها من سؤال جوهري وهو: "كيف تبني ثقافة ما ذاتها وتعيد صياغة ذاكرتها ومخيالها وهي تخاطب الثقافات الأخرى من موقعها الخاص؟"
وجاءت هذه المداخلة في إطار الندوة الفكرية الوطنية التي احتضنتها مدينة توزر بعنوان "المسرح التونسي: أسئلة الهوية والغيرية وتمثلات الذاتية، نحو مدرسة تونسية؟"، والتي نظمتها مؤسسة المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" يومي 25 و26 أكتوبر ضمن فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" (24 أكتوبر - 8 نوفمبر 2025).
وجاءت هذه المداخلة في إطار الندوة الفكرية الوطنية التي احتضنتها مدينة توزر بعنوان "المسرح التونسي: أسئلة الهوية والغيرية وتمثلات الذاتية، نحو مدرسة تونسية؟"، والتي نظمتها مؤسسة المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" يومي 25 و26 أكتوبر ضمن فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" (24 أكتوبر - 8 نوفمبر 2025).
ولاحظت أم الزين بن شيخة أن ما يحدث في المسرح التونسي منذ سنة 2011 يعبّر عن تحول جذري في النظرة إلى الفعل المسرحي، حيث لم يعد المسرح مجرد محاكاة للغرب أو استنساخ لجمالياته وإنما أصبح مساحة حرة لاختراع ما سمّته بـ "الفضاء الثالث" وهو فضاء "التنافس الثقافي الذي يقوم على التفاعل والتبادل لا على الصراع أو التبعية". وهي ترى أن المسألة ليست مسألة حفظ الهوية أو صون الأصل كما لو كان أثرا متحفيا وإنما هي قدرة الثقافة على التجدد والابتكار والانفتاح على العالم دون أن تفقد صوتها. وقالت في هذا السياق: "ليس السؤال كيف نحافظ على أصلنا وإنما كيف نجدد قصصنا ونخترع لغات جديدة نخاطب بها العالم من موقعنا الخاص".
وانطلاقا من قراءتها لمسرحية "جاكراندا" نص عبد الحليم المسعودي وإخراج نزار السعيدي، اعتبرت أن العمل المسرحي يشكّل مختبرا فلسفيا لتحرير اللغة في ثلاثة اتجاهات أولها تحرير اللغة من اغترابها عندما تتكلم بلسان غيرها وتسعى إلى تسمية نفسها بلغات الآخر وثانيها تحريرها من صمتها المفروض حين تُمنع من التعبير بلغة حيّة وتُحبس في اللغة الخشبية التي يكررها السياسي والإيديولوجي، أما ثالثها فهو تحرير لغة المهمّشين والمقموعين الذين لا يُسمع صوتهم، معتبرة أن اللغة في المسرح هي أداة تواصل وكائن حيّ يخلق العالم من جديد على الركح.
وتوقفت أم الزين بن شيخة طويلا عند دلالات الصمت في المسرحية، ورأت فيه لحظة تأسيسية لا تقل بلاغة عن الكلام، فالصمت عندها ليس غيابا للنطق وهو فعل مقاومة وصياغة جديدة للحضور. فهي ترى أن "زمان الصمت هو زمن العتمة التي تفتح أبواب النور وبدايات التكوّن داخل الكارثة". واعتبرت أن الشخصيات في "جاكراندا" ليست كيانات مكتملة فهي "ظلال بشرية تعيش على تخوم الاحتراق والألم وأن المسرح هنا يتحوّل إلى طقس تطهير جماعي يعيد للإنسان وعيه المفقود وقدرته على التنفس في عالم خانق".
وفي قراءتها الرمزية، اعتبرت أن المسرح، كما صاغته هذه التجربة، هو "فن تنظيف المكان"، في إشارة إلى أن "المكان المسرحي بما يحمله من عطب وفساد يصبح مرآة للخراب الإنساني، ومهمة الفنان هي أن يطهّره"، في استعادة ضمنية لفكرة التطهير الأرسطية بما هو فعل جمالي يُعيد للحياة معناها عبر الجسد واللغة.
وتحدثت أيضا عن علاقة المسرح بالكارثة والوجود، فالمسرح عندها لا يقدّم معرفة ولا يعِد بالخلاص لأن "المعرفة في زمن الكارثة ترف للفلاسفة والأمل وهم لاهوتي سخيف"، على حد قولها. وتؤكد أن المسرح "لا يعلّمنا الحقيقة فهو يدفعنا إلى أن نكون وإلى أن نصرخ وأن نتحول". قائلة إن "المسرح هو صوتنا الذي نصرخ به لأننا لو صرخنا في مكان آخر فلن يسمع صوتنا".
وفي ختام مداخلتها، دعت أم الزين بن شيخة إلى "نزع هالة السحر" عن الغرب وفكّ الارتهان لمركزياته الجمالية، من أجل بناء رؤية تونسية كونية للمسرح تستند إلى الهجنة الخلاقة حيث تتقاطع الفلسفة بالشعر والسياسة بالجسد والمقدّس بالدنيوي". ورأت أن "جاكراندا"، بما تحمله من إحالات على التراث الإنساني، من "هاملت" إلى "العشاء الأخير" ، تمثل تجربة هجينة تفتح المعابر بين الثقافات بدل أن تغلقها، مؤكدة أن المسرح هو المجال الذي تتجلى فيه الهوية في شكلها المتحول والمفتوح بوصفها صيرورة إبداعية مستمرة وليست ثابتة.












Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 317351