في ذكرى اغتيال علي السعيدي ، هل يتحرّر ضمير شهودنا على العصر قبل فوات الأوان

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5e198567bd9088.28222404_pqekljognifmh.jpg width=100 align=left border=0>


خالد بن مبارك

في مثل هذا الوقت من سنة 2002 ، تمّ ختم البحث ثمّ دفن المرحوم علي السعيدي ، مدير قسم المنظّمات الدّولية بوزارة الخارجية في
مقبرة الجلاز بعد قطْع الطريق على أهله لمنعهم من الوصول إلى العاصمة من أم العرايس و في غياب أيّ تمثيل رسمي في جنازة الرّجل الثالث بوزارة الخارجية . كان قد مضى على استدراج ذلك المناضل الدستوري إلى تونس بواسطة ذلك المنصب الرفيع حوالي سنة و نصف وُجدَ بعدها مدفونا تحت متر و نصف من التراب . و تمّ في حينه اتهام امرأتين شقيقتين بالقتل العمد من أجل السرقة و حوكمتا بالمؤبّد و كانت على الأقل واحدة منهما لا تزال في سجن النساء بمنوبة بُعيْد الثورة . هذه القضية التي كنّا تابعْناها مع المنظمة العالمية ضدّ التعذيب منذ انطلاقها شكّلتْ واحدة من تلك الحالات التي ارتقى بها نظام بن علي إلى مرتبة الجريمة الكاملة (Crime parfait) أي التي يطويها النسيان حتّى عند من يُفْترضُ أن لا يغلبَهم النسيان ومن باب أولى أن لا يصدّقوا الرّوايات الرّسمية...
...

علي بن جفّال السّعيدي كان من أبرز الوجوه التي عارضت نظام بن علي في التسعينات . من النّدوة العالمية لحقوق الإنسان بفينّا إلى الندوة العالمية للمرأة في بيكين و الندوة العالمية لمناهضة الميز العنصري في ديربان-جنوب إفريقيا ، علي السعيدي على كافة الجبهات ذاكرا المرزوقي و النصراوي و الحسني و العبيدي و الشماري و الهمامي و غيرهم كثير ممّن كانت الآلة الترسيوقراطية تطحنُهم دون هوادة .


بعد أن تمّ استدراجه إلى قفصة يوم الإربعاء 12 ديسمبر 2001 كمقدّمة لتصفيته ، أصدرت وزارة الخارجية بيانا رسميّا نحَتْ فيه باللاّئمة على مسؤولها و اتهمته بالغياب غير الشرعي في وقت كان فيه خبر اختفائه يملأ الدنيا بعد أن تناقلته كبريات وكالات الأنباء العالمية و على رأسها وكالة الأنباء الفرنسية . الحبيب بن يحي وزير الخارجية يومها أعلن في البيان المذكور أنّ الضّحية يُعتبر متخلّيا عن منصبه أي أنه أطرد الموظّف السّامي من العمل في حركة لا يمكن فهمها إلاّ في علاقة بالمجلس الجهوي لولاية قفصة الذي أشرف عليه الجنرال بن علي يوم اختفاء علي السعيدي الموافق ل... الإربعاء 12 ديسمبر 2001 و في علاقة بإدانة المنصف بن علي في 1993 أمام القضاء الفرنسي بشهادة منير باللطيفة في القضية المعروفة دوليّا باسم الكسكس كونكشن ... كلّها علامات الثّأر المكبوت التي كانت تدفع بن علي إلى سلوكات العِصاب و الهوس ...


ولكن الحبيب بن يحي ليس قتّال أرواح و لا هو يرضى إقحامه في هكذا جريمة دولة .. فلماذا يصمت و هو في شتائه الواحد و الثمانين أم أنّ ضميره مات قبله ؟؟

و على فكرة فإنّ عديد الشّهود "على العصر" ممّن اشتغلوا مع بن علي و رافقوا توحّش النظام البائد في أحلك فتراته و منهم من مارس الحكم و باشر قضايا بثقل جرائم التعذيب حتّى الموت و القتل خارج نطاق القانون و هتك الأعراض بالإغتصاب و الطّلاق القسري و سوى ذلك ممّا يُفترَض أنّ الضّمير الإنساني السّوي لا يتعايش معه بسهولة ، خاصّة بعد زوال تعلّة الخوف بزوال النظام القديم . فالسّيد الحبيب بن يحي مرّتْ عليه أيضا قضية الشّهيد فيصل بركات و حبّر فيها باسمه و صفته رسائل رسمية عديدة يعرض فيها تطوّرات القضية و يشير بما يجب عمله لمواجهتنا أمام اللّجنة الأممية ضدّ التعذيب في أدقّ فتراتها حيث كنّا أنا و المرحوم نضمّ جهودنا لمزيد النجاعة و هو ما تبيّن لي من الأرشيف أنّ الوزير بن يحي مطّلع عليه و يتابعه بانتظام ، كما في الوثيقة المصاحبة .

و نحن نجد مثل ذلك في ما يخصّ السّادة كمال مرجان و محمد النّاصر و مجموعة القديم أحمد عياض الودرني و عبد الله القلال و الصادق شعبان و فتحي عبد الناظر و عبد الحميد العابد . كلّ هؤلاء متقدّمون في السّنّ و بعضهم اعترفوا بثورة الشّعب و قاموا بمراجعات عميقة جعلتهم ينسجمون مع المشهد السياسي الجديد و حتى يعلنون افتخارهم بما أنجزه شعبهم في 14 جانفي ، مثل ما فعل ذلك السيد محمد الناصر منذ فجر الثّورة . لعلّ هؤلاء السّادة يتلقّون دعوتنا هذه إلى أن يفيدوا شعبهم بالحقيقة ليسهموا في إنجاح مسار العدالة الإنتقالية و إبعاد شبح التعذيب و ضروب إهانة الشعب لإبقائه في وضع الخنوع الدّائم الذي يتيح للنظام الترسيوقراطي فرص الإستمرار و لو على جماجم و أنّات الأغلبية السّاحقة .



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 195983


babnet
All Radio in One    
*.*.*