التعددية النقابية بين الدستور و الواقع

خالد الهرماسي

ونحن على بعد أيام قليلة من ذكرى إستشهاد الزعيم الخالد فرحات حشاد لا أحد ينكر الدور النضالي الذي لعبه الإتحاد العام التونسي للشغل و مازال منذ تأسيسه إلى اليوم و الذي لا يختلف فيه إثنان في تونس بل حتى في العالم فمنذ أكثر من سبعين سنة و للإتحاد دور تاريخي في البلاد حتى أن الهدف الرئيسي من تأسيسه كان من أجل مقاومة المستعمر الفرنسي أنذاك وهذه خاصية ينفرد بها الإتحاد على كل النقابات في العالم تقريباً...

...

لكن اليوم و بعد كل هذا التاريخ النضالي الكبير و المشرف حان الوقت لتقييم التجربة النقابية في تونس بكل موضوعية و دون إنتقاد مجاني يمس من تاريخ الحركة النقابية...

تقريباً في تونس لا تخلو أي عائلة أو بيت من وجود نقابي أو نقابية فيه مما يؤكد قيمة هذا العمل النضالي الكبير في تاريخ تونس...

رغم كل هذا النضال الوطني الناصع و المشرف إلا أن التجربة النقابية في تونس فيها الكثير من النقائص لعل أبرزها غياب التعددية في العمل النقابي رغم أن الدستور يؤكد على ذلك في الفصل 35 من باب الحقوق و الحريات...

وهذا يعود لعدة أسباب معلومة للجميع أهمها رفض الإتحاد العام التونسي للشغل مبدأ التعددية النقابية لأنه يعتبر ذلك آلية من آليات تدجين و ضرب العمل النقابي من أجل تغول رأس المال المتوحش في المجتمع التونسي...

على الرغم من أن حجة الإتحاد العام التونسي للشغل تعتبر قريبة من المنطق إلا أن بالرجوع إلى عدة تجارب لبلدان متقدمة و قريبة منا على غرار فرنسا ألمانيا إيطاليا و حتى تركيا أثبتت نجاعة التعددية النقابية أكثر من سلبياتها...

لأن التعددية و المنافسة دائما في صالح العامل الذي هو بالأساس مواطن حتى أنك تجد في هذه البلدان النقابات تتنافس على كسب ود الطبقة الشغيلة و تقديم عروض تنافسية لها تساهم أولا في تحسين كل مرافق العيش من خدمات في القطاع الصحي التعليم و النقل و البنية التحتية و الأساسية إلى جانب الترفيع في الأجور و الحوافز المادية مما يجعل التوازن بين قيمة العمل و الآجر هو سيد الموقف و يساهم في دفع عجلة الإقتصاد...

مع الأسف الشديد رغم عراقة العمل النقابي في تونس إلا أننا نفتقد لتعددية حقيقية رغم وجود بعض التجارب التي أصلاً ولدت ميتة...
لهذا علينا اليوم فتح ملف التعددية النقابية بكل جدية ودون أي خجل من أحد لأن هذا حق دستوري ثم حتى نتجنب أي تغول مهما كان مأتاه مثلما هناك تعددية حزبية تصنع التوازن و تجنبنا التغول و الديكتاتورية آن الأوان اليوم لتعددية حقيقية نقابية تجنبنا كذلك التغول و الديكتاتورية النقابية...

حتى إذا حدثت إضرابات في المرافق الهامة على غرار المستشفيات المطارات التعليم النقل الفسفاط و الطاقة نجد دائما الحد الأدنى من الخدمات وحتى كذلك لا تشل عجلة الإقتصاد كليا خاصة في هذه الفترات الحرجة إجتماعيا و إقتصاديا...

ثم كذلك للتعددية أثر إيجابي على الإتحاد العام التونسي للشغل فهي تقلل عليه الضغط و تجنبه الصراعات الجانبية التي تحيد به عن دوره الحقيقي وهو العمل النقابي بعيدا عن كل تورط في السياسة...

على الإتحاد العام التونسي للشغل أن يكون منسجما مع مبادئه التي يدعو فيها الأحزاب للتعددية و التوازن و يطبق هذا المبدأ على نفسه...

أخيراً أصبح اليوم بحكم تغير الأوضاع و بوجود دستور يؤكد على الحق في التعددية النقابية لا مفر من وضع قانون جديد يطور العمل النقابي و يجعل فيه منافسة شريفة ترتقي بالوضع الإجتماعي للمواطن و تحافظ على التوازن الإقتصادي لأن تجربة إحتكار العمل النقابي من طرف الإتحاد العام التونسي للشغل و بعد أكثر من سبعين سنة لم تعطي الطبقة الشغيلة و الكادحة أي مكاسب تذكر...

على غرار الآجر الأدنى الذي هو ضعيف جداً بالمقارنة مع القدرة الشرائية و المرافق الحياتية من مستشفيات و نقل و تعليم و بنية تحتية كلها اليوم متدنية ولا ترتقي لتطلعات شعب له أكثر من ستين سنة إستقلال في حين بلدان أخرى بفضل التعددية النقابية أرتقو إلى مصاف الدول الكبرى على غرار تركيا كوريا الجنوبية و اليابان دون الحديث عن البلدان الأوروبية...

على الإتحاد العام التونسي للشغل أن يكون في قيمة و مستوى جائزة نوبل للسلام التي تحصل عليها بفضل تعددية الأحزاب...

عاشت عاشت تونس أكبر قوة في البلاد
عاش المشهد النقابي في تونس بكل ألوانه
عاشت التعددية النقابية
رحم الله شهداء الحركة الوطنية و النقابية
رحم الله شهداء الثورة التونسية
رحم الله الشهيد الرمز فرحات حشاد
أحبك يا شعب....

تابعونا على ڤوڤل للأخبار