عند بن غذاهم الخبر اليقين ..شعب لا يحسن استثمار الثورة
نصرالدين السويلمي
لو تعلمت الشعوب من دروس الماضي وبنت على ما فات لما ضلت بلدانها رهينة للاستعمار ثم انظمة القمع ، ولما عاشت الاجيال تلو الاجيال تحلم بحرية طال انتظارها ومضت الأعمار ولم تأتي ، مصيبة الشعوب انها لا تؤمن بالتجارب ولا تستثمر فيها ، وتصر على بناء حالة نضال او مقاومة او جهاد مفصولة عن التجارب السالفة ، مستنكفة من العودة الى ما سبق ، ولو التفتت قليلا وامعنت واستقت الدروس لما خسرت كل ذلك الوقت ولما سالت كل تلك الدماء، ففي تونس ضيع الشعب جواهر نفيسة من التجارب كانت كفيلة بدفعه الى تجاوز مطبات التجارب اللاحقة ، لكن الاصرار على تجاهل الماضي والعزوف عن استخلاص الدروس حالت دونه والانطلاق المبكر نحو سيادته و وانتزاع حريته .
لو تعلمت الشعوب من دروس الماضي وبنت على ما فات لما ضلت بلدانها رهينة للاستعمار ثم انظمة القمع ، ولما عاشت الاجيال تلو الاجيال تحلم بحرية طال انتظارها ومضت الأعمار ولم تأتي ، مصيبة الشعوب انها لا تؤمن بالتجارب ولا تستثمر فيها ، وتصر على بناء حالة نضال او مقاومة او جهاد مفصولة عن التجارب السالفة ، مستنكفة من العودة الى ما سبق ، ولو التفتت قليلا وامعنت واستقت الدروس لما خسرت كل ذلك الوقت ولما سالت كل تلك الدماء، ففي تونس ضيع الشعب جواهر نفيسة من التجارب كانت كفيلة بدفعه الى تجاوز مطبات التجارب اللاحقة ، لكن الاصرار على تجاهل الماضي والعزوف عن استخلاص الدروس حالت دونه والانطلاق المبكر نحو سيادته و وانتزاع حريته .

لو استثمر الشعب التونسي ثورة علي بن عذاهم ودرسها واقترب منها وغاص في ثناياها برفق وتأني لأمكنه فعل الكثير بما يملكه من مدنية راقية ضاربة مشفوعة ببداوة قوية شامخة ، شعب تتابعت عليه الحضارات العالمية شمالا ومحصته الخيل والصحراء جنوبا كان في مقدروه اهداء الحرية للشعوب الاخرى وليس انتزاع حريته فحسب ، لكنه استكبر عن التمعن واعرض عن سسن الذين من قبله . ثورة هادرة كتلك التي قادها بن غذاهم لو استفاد الشعب من طفراتها ومن نكساتها لأمكنه انتزاع سيادته قبل 1956 وفرض ارادته قبل 2011 بعقود طويلة وربما كان تجنب معاهدة 12 ماي 1881 الكارثية ، ولأننا من الشعوب التي لا تستهويها الدروس وليس لها في استحضار الماضي لتحفيز الحاضر وتنقيته ، فشلنا في الانطلاق واكتفينا بمناوشة الدكتاتورية وهجعنا تحت النظم الشمولية ، حتى اذا اعترانا الشموخ بشكل دوري ومتقطع، عالجتنا القبضة التي خبرتنا واستوعبت هباتنا الانفعالية ، لندخل في دورة خمول جديدة.
36 ريال تونسي كانت كفيلة بإشعال ثورة هزت عرش الباي واقلقت اوروبا واضطرتها الى ارسال امدادات ضخمة لانقاض مشروع الحماية الذي كانت تجهز له فرنسا ، في زمن وجيز صال علي بن عذاهم وجال ، وارعب الغرباء والعملاء ، نجح الثائر في قيادة ثورة كانت شرارتها قرار من الباي بمضاعفة الضريبة من 36 ريال الى 72 ، مثلها مثل العربة والخضار.. وكأنّ الثورات في تونس تختلج لدى كل الشرائح وتخصبها النخب و تجهز لها ، لكنها تصر ان تكون الشرارة من العمق من الطبقات الدنيا الفقيرة التي اتلفت خضارها او أُثقل كاهلها بضريبة جائرة افواه العيال اولى بها من الباي وحاشيته ، انطلقت الثورة من وسط البلاد ، من القصرين وتحركت بشكل متزامن جنوبا وشمالا ، سرعان ما شبت لتتساقط الحصون تباعا ، خلال 27 يوما فقط لا غير وصلت الثورة على مشارف قصور الباي ،ضربت في انحاء البلاد واسقطت مدن بأكملها ، 27 من ايام بن غذاهم كــ27 من ايام البوعزيزي .. تتطلع الشعوب الى خلاصها من نار القهر ، كما تتطلع ليلة 27 لخلاصها من نار جهنم .
رغم ان الثورة انطلقت بزعامات متعددة ورغم ان التنسيق كان يتم بوسائل بدائية الا انه وبعد مرحلة وجيزة من اطلاق الشرارة تمكنت القبائل بحسها الراقي من التقاط الموهبة وتوجت بن غذاهم زعيما عليها يقود جموعها نحو البروج المشيدة واطلقت عليه لقب "باي الشعب" ، تمكن بن غذاهم من بث الرعب في نفوس خصومه وواصل زحفه الى ان وقعت اكبر نكسة للباي يوم 30 أفريل حين سقطت مدينة صفاقس في يد الثوار ورفعوا على اسوارها العلم الاخضر كرمز للجهاد ، وكانت قابس سقطت قبل عاصمة الجنوب بيومين ، وبعد الانباء الواردة التي أكدت اكتساح الثورة لريف المناطق الساحلية ، وحال اقترابها من مدينة سوسة فر جيشها العرمرم المدرب وقوامه 5 آلاف جندي ، واستسلمت المدينة الساحلية الاهم بعد استسلام صفاقس بشهر ، قبلها سقطت القيروان والكاف التي قتل حاكمها بعد ان باغته الثوار ولم يتمكن من الفرار .
ثم ولما وصلت الثورة الى عنفوانها ولاح النصر واصبح التتويج مسيرة صبر وبصيرة ، نشب الخلاف بين القبائل ودبت الحسابات والنعرات والحساسيات ..تنافست القبائل ثم تحاسدت ثم تفاخرت على بعضها البعض ثم تعادت ثم تنادت ثم انتهت الى التناحر .. ولان باسهم بينهم اصبح اشد من باسهم على جلادهم ، شرعت بعض القبائل في البحث عن حلف قوي تأوي اليه وتنتصر به على الاخوة الاعداء ، دب الياس وقطعت بعض القبائل الرجاء في انتصار كان يبدو محققا ، وبدا وكان الجهة التي يميلون اليها كجامع هي نفسها الجهة التي ثاروا عليها مجتمعين . فتحت بعض القبائل قنوات حوار مع الباي وشرعت في التقرب اليه ثم و بعد ان كفرت القبائل بأنعم الحرية وركبت صهوة العناد سقطت الثورة ولجأ علي بن عذاهم الى الجزائر ليبرز اسم الجنرال -زروق- ، ذاك السفاح الذي تكفل بتعذيب الأهالي واعدام كل من ثبت عليه الانحياز الى بن غذاهم وثورته .. وحدها في تونس وعلى خلاف البلدان الاخرى ، الثورة لا تأكل ابناءها .. الثورة تأكل نفسها .
تحوّل الثوار الى فلول ، تطاردهم الفلول التي لم تعد فلول .. خمدت الثورة او كادت ..قتل كبار قادتها ..فر بن غذاهم ..استسلمت القبائل..تتابعت الوفود تعلن طاعتها ..نُكست الرؤوس .. أطل الباي من شرفته يلوح بيده "الشريفة" للرعية ، يؤكد لهم خبر القضاء على الخونة عملاء الجهات الاجنبية ، ويشيد بدولته ، دولة القانون والمؤسسات..ثم ما لبث ابن مات بن غذاهم في سجنه بعد ان سلمته فرنسا في صفقة بينها وبين الباي .
عاد الثوار او من نجى منهم الى ديارهم " ياكلوا في القوت ويستنوا في الموت" ، وبعد ان كانوا على مشارف قصر الباي وبعد ان جُمعت نساء الطبقة الحاكمة في باردوا استعدادا للرحيل ، دبت الحياة من جديد في القصور ورضي الثوار بالقبور ! عاش الثوار على امل ان تهبهم الاسرة الحاكمة بعض الامتيازات ، كبر الابناء واحدودبت ظهور الآباء ، ولما كانوا على مشارف الرحيل في هزيع العمر الاخير ، لم يكحلوا عيونهم بإنجازات طمعوا أن يهبها الباي الى ذريتهم ، وانما ماتوا الف موتة قبل موتتهم الاخيرة ، تقتلهم سكرات الموت مرة ويقتلهم الغيظ الف مرة ، كان ذلك حين شاهدوا جيوش فرنسا تدخل تونس من جميع ابوابها المشرعة في وجه الاستعمار المقفلة في وجه الثوار ، وهم في فرش الموت ، سمعوا اولادهم يتحدثون عن توقيع المعاهدة العار..معاهدة باردو .
" .. ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ".





Comments
11 de 11 commentaires pour l'article 130787