الصحفية :هناك من يدافع عن فكرة أنه من الضروري للحركات الإسلامية رفض الحداثة وإنكارها وهو مايتعارض مع الاطروحة القائلة بأن قدر الحركات الإسلامية هو الإنفتاح علی العالم الحديث و التفاعل معه من الداخل وفتح قنوات الحوار معه فماهو رأيك ؟
راشد الغنوشي :بدأ هذا النقاش في العالم الإسلامي مع القرن التاسع عشر عندما تم الوقوف علی حقيقة أن الحضارات الأخری قطعت أشواطا كبيرة نحو الحداثة و تمكنت من تطوير وسائل الإنتاج و الأسلحة والتقنيات وهو ما طرح التساؤل عن سبب تقدّم الحضارات الأخری و تخلّف العالم الإسلامي وواحدة من بين الكثير من الأجوبة إعتبرت أننا لن نتطور مالم نمسك بأسباب تطور العالم الغربي وهو ماقوبل برفض وجهة نظر أخری تری ان الإسلام يرفض إقتباس عادات الحضارات الأخری ،وكان مقترح الحركة الإصلاحية الإسلامية وسطيا بإقتباس ما ينفعنا من الحضارة الغربية مع المحافظة علی الهويّة الإسلامية ونحن نتبنّی هذه المقاربة،وقد حافظنا علی هوية خاصة بنا فخير الدين باشا الوزير الأكبر في الإمبراطورية العثمانية كان يعتبر أن ديننا يبيح لنا إستجلاب ماينفعنا من الأفكار مالم تتعارض مع قيمنا ففي موضوع المرأة مثلا إحتدم النقاش عمّا إذا كان من الضروري مكوثها في المنزل أو إذا كان من الممكن لها أن تخرج للعمل مثل المرأة الأوروية و في هذا الإطار إقترحت الحركة الإسلامية أن تخرج المرأة للعمل مع محافظتها علی هويتها دون إهمال باقي مسؤولياتها فالمرأة اليوم تشارك في الشأن العام مرتدية الزي الإسلامي وهو مايخلق التوازن الذي تحدثنا عنه في مواءمة بين دورها الجديد في المشاركة في الحياة العامة و المحافظة علی الهوية الإسلامية .
الصحفية :العلمانية أيضا موضوع شائك و مثير للجدل فالرئيس رجب طيب أردوغان كان قد إعتبر أن العلمانية هي المقاربة الملائمة للحكومة المصرية في سنة 2011 وهو ما أثار جدلا كبيرا آنذاك كما تتذكّر ،فماهو توجّهك في هذا الموضوع؟
راشد الغنوشي :العلمانية مفهوم متشعّب ويأخذ العديد من الأشكال ،حتی في الغرب فلديك النموذج البريطاني من جهة والنموذج الفرنسي من جهة أخری وهما مختلفان شديد الإختلاف ،ونحن قبلنا بالدولة الحديثة كتعبير للإرادة الشعبية ونقبل أيضا بمفهوم المواطنة الذي ينظّم العلاقة بين المواطن والدولة وبين المواطن و نظيره ،إنها المواطنة التي تساوي بين الجميع بغض النظر عن الإنتماءات الدينية ،وكذلك العلاقة بين الدولة و المواطن يمكن أن تأخذ أشكالا أخری ففي الحالة البريطانية تأخذ الدولة مسافة متساوية من كل الأديان بل وتحميها ، فالملكة تحكم الدولة وتحكم الكنيسة في نفس الوقت ،أما في فرنسا فالوضع مخالف تماما فالدولة تری أن من واجبها مراقبة الدين و تقييده والعلمانية في تونس وتركيا متأثّرتان بالنموذج الفرنسي الذي يسعی لحماية العلمانية ولو بالتدخل في الشؤون الخاصة للمواطن وهذا مايفسّر قوّة الجدل في فرنسا حول حظر الحجاب في الأماكن العامة، بينما يغيب هذا النقاش تماما في المملكة المتحدة ،ونحن نعتقد بضرورة وجود إستقلالية و تعاون بين المؤسسة الدينية والدولة فلا ينبغي للأخيرة أن تسيطر علی الدين ولا ينبغي لرجال الدين فرض وصايتهم علی الدولة ،في تونس ليس لدينا مجلس ديني يراقب القرارات البرلمانية فالبرلمان يمثل إرادة الشعب وفق ما اقتضاه الدستور فالدولة لا تكون علمانية إذا لم تكن علمانيتها متوائمة مع حرية المعتقد وحرية الضمير وحرية التفكير ونحن نعتقد أن الإسلام يتّفق مع هذه الحريات،تونس دولة مدنية تحتكم إلی إرادة الشعب عبر الإنتخابات الحرة و النزيهة.
الصحفية:في خطاباته التي ألقاها في السودان والتشاد إنتقد أردوغان بشدة الإستعمار وممارساته فقال خلال زيارته إلی السودان :"إن المستعمر عندما يشتمّ رائحة النفط يكون أكثر ضراوة من قرش إشتمّ رائحة الدم" فهو يری وأنه رغم محاولات القطع مع المستعمر بعد استقلال تلك الدول فإن الإستعمار لازال قائما فيها إلی اليوم فما رأيك في هذا الطرح خاصة و أنك وجه سياسي فاعل في تونس إحدی مستعمرات فرنسا سابقا؟
راشد الغنوشي : في إعتقادي أن الدول الافريقية و الآسيوية قد تخلّصت من أغلال الإستعمار ،فقط إسرائيل يمكن تسميتها بالكيان المستعمر بشكل رسمي،ولقد غادرت القوی الإستعمارية مستعمراتها مكرهة بعد أن خسرت أكثر مما جنته منها ولكن بقيت تتحكم بشكل أو بآخر فيها،فعلی الرغم من أن الدول المستقلة لها أعلامها المستقلة وسيادتها الوطنية فإنها في الحقيقة مرتبطة علی مستوی الثقافة والإقتصاد والعلاقات الدولية بمراكز النفوذ الوازنة في العالم فالبلدان التي كانت تحت الإستعمار البريطانية تحافظ علی علاقات عضوية بالمملكة المتحدة وتنظّمت هذه الدول في إطار مايعرف بدول الكومونويلث نفس الأمر بالنسبة للدول الفرانكفونية المرتبطة بفرنسا ولكننا نتوجه رويدا نحو عالم متعدّد الأقطاب فالعالم اكبر من بريطانيا و فرنسا والولايات المتحدة خاصة مع صعود قوی إقليمية واعدة علی غرار تركيا وإيران والبرازيل و الصين و اندونيسيا والهند.
الصحفية: يقال أن المنطقة اليوم تعيش فترة مابعد الربيع العربي وهناك من يسميها فترة مابعد داعش ،هناك تغيّرات متسارعة والتحالفات متحرّكة وغير دائمة ،ماهو تقييمك لأوضاع الشرق الأوسط وماهي توقعاتك و اقتراحاتك؟
راشد الغنوشي :في تونس دخلنا في 2011 مرحلة جديدة من الحرية فتونس بمثابة شمعة مضيئة في المنطقة العربية التي كانت تعيش خارج التاريخ وقد أخذت دول أخری المشعل علی تونس لكن هذه الدول للأسف إصطدمت بثورات مضادة قوية ،مازالت المعركة مستمرة وطريق الحرية طويل،ففي تونس تمكنّا من إحباط محاولات جادة لجرّنا نحو مربعات العنف و الفوضی و قد حاولوا أيضا التآمر علی تركيا لإصطفافها وراء دول الربيع العربي لكنهم فشلوا ،لقد أثبت النموذج التونسي إمكانية قيام دولة ديمقراطية في المنطقة العربية وأن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام ،الإنتقال الديمقراطي في تونس مازال قائما وخير دليل هو التعايش والتحالف بين الإسلاميين والعلمانيين،ففي تاريخ الثورات لا يكفي إعلان الثورة حتی تنجح و الإطاحة بطاغية لايعني بناء صرح من الديمقراطية ،فرنسا مثلا إنتظرت 70 سنة حتی تستكمل إنتقالها الديمقراطي.
الصحفية : كيف تلقيّت خبر محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا هل لك أن تحدثنا عن تلك الليلة؟
راشد الغنوشي: كنت جالسا في هذه الغرفة مع بعض الإخوة وصدمنا بالخبر،إتصلت ليلتها بأحد مستشاري الرئيس أردوغان لكنه لم يكن بجانبه وقتها ،أشرت له بأن النزول إلی الشارع هو الحل الوحيد،كانت ليلة من ليالي الله ،ليلة تاريخية وملحمية ،صدور عارية أمام الدبابات و تحت الطائرات ،للحرية ناسها ومن ذاق طعمها لن يرضی بالعودة إلی الوراء.
الصحفية : كل ما صار خلاف بين تركيا و بعض الدول ،إلّا وعاد الماضي العثماني إلی الواجهة ،مثل الخلاف مع وزير الخارجية الإماراتي الذي بدأ بعد محاولته إهانة فخر الدين باشا الذي دافع عن المدينة المنورة ضد البريطانيين ،ماهو تفسيركم لهذا الإستحضار المتكرّر لفترة الحكم العثماني؟
راشد الغنوشي: لدی التونسيين ذاكرة جميلة وإيجابية مع الحكم العثماني الذي وصل تونس في منتصف القرن السادس عشر وفي فترة أخری بينما كانت تونس تحت الحكم الإسباني تتعرّض إلی محاولات التنصير الممنهجة التي استهدفت الشعب وصلت حد تدنيس المقدّسات بتحويل جامع الزيتونة المعمور إلی إسطبل للخيول وهو واحد من أقدم جوامع وجامعات العالم قدم سنان باشا بجيشه للدفاع عن تونس من الإسبان الذين دمروا الأندلس وطردوا المسلمين منها ،بفضل الجيش العثماني عادت تونس إلی الإسلام ،إسم سنان باشا مازال إلی اليوم يطلق علی شارع من شوارع العاصمة تونس،عندما زرت اسطنبول بحثت عن قبر سنان باشا وعندما وجدته تأثرت حد البكاء لأن له الفضل بإني اليوم مسلم.
الصحفية : كيف تری دور تركيا في مستقبل العالم الإسلامي خاصة بعد موقف رجب طيب اردوغان من إعتراف ترامب بالقدس عاصمة للكيان وما رأيك في مبادرة الدعوة لإنعقاد قمّة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي؟
راشد الغنوشي: ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي هو تحدّ واضح لمشاعر 1.5 مليار مسلم وخرق للمواثيق الدولية فقد أعطی ما لا يملك لمن لا يستحق ،لفلسطين شعبها وهي مركز التاريخ و الحضارة ،الأقصی مقدّس بالنسبة لمليار ونصف مسلم ،وما قام به الرئيس اردوغان أقل ما يجب أن يقوم به أي رئيس آخر يعتقد في القرآن الكريم،وأنا متفق مع قوله "إذا فقدنا القدس اليوم سنفقد مكّة غدا" ،الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم هناك وهم في حاجة إلی الدعم الرسمي لكن الصف العربي ليس علی كلمة واحدة وهو مايفسر غياب بعض الرؤساء وتمثيليات بعض الدول عن القمة الإسلامية ومافعله الرئيس التركي كان رسالة للمرابطين في الأقصی بأن الأمّة معهم والشعب التركي العظيم معهم.
Comments
4 de 4 commentaires pour l'article 153521