جلسة الإستماع العلنية الخامسة لهيئة الحقيقة والكرامة تخصص لجرحى الثورة التونسية وتوظيف القضاء والتجنيد القسري

باب نات -
خصصت هيئة الحقيقة والكرامة، جلسة الإستماع العلنية الخامسة لضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان، المنعقدة مساء اليوم السبت، تزامنا مع إحياء الذكرى السادسة للثورة، لعرض خمس (5) شهادات لضحايا تتعلق بثلاث(3) محاور تهم جرحى أحداث الثورة التوسية، وتوظيف القضاء، والتجنيد القسري.
فقد قام ثلاثة من جرحى أحداث الثورة بسرد تفاصيل ما عانوه وعائلاتهم وذويهم على مدى ست سنوات من آلام جسدية ونفسية، وما خلفته إصاباتهم من مضاعفات وعاهات وتشوهات، في مداخلاتهم خلال جلسة مساء اليوم.

فقد قام ثلاثة من جرحى أحداث الثورة بسرد تفاصيل ما عانوه وعائلاتهم وذويهم على مدى ست سنوات من آلام جسدية ونفسية، وما خلفته إصاباتهم من مضاعفات وعاهات وتشوهات، في مداخلاتهم خلال جلسة مساء اليوم.

الشهادة الأولى، كانت لجريح الثورة مسلم قصد الله المولود في 21 أكتوبر 1988 ، الذي أصيب يوم 15 جانفي 2011 بطلق ناري في ساقه اليمنى، حيث عمد أمنيون وفق روايته، إلى إطلاق النار عليه وعلى مجموعة من شباب مدينة الوردانين بصفة عشوائية، بينما كانوا يقومون بحراسة مدينتهم ضمن لجان الأحياء لحماية ممتلكاتهم وذويهم، بالتنسيق مع الجيش الوطني بعد فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وأوضح ان الحادثة قد جدت إثر قيامه مع مرافقيه بإيقاف أربع سيارات أمنية لإعتقادهم بتواجد ابن شقيق بن علي على متن إحداها، ومحاولة أعوان الأمن تهريبه، مشيرا الى انها أدت الى سقوط عدد من القتلى والجرحى من أبناء المنطقة وإصابة أعوان أمن.
وصرح بأن الحكم الاستئنافي البات في هذه القضية قد صدر بعد رفض مطالب التعقيب أصلا بتاريخ 12 مارس 2014، ويقضي بالحط من مدة العقاب التي أقرت في هذه القضية من 5 سنوات إلى عامين اثنين فقط، في حق الجناة من أعوان الأمن.

أما الشهادة الثانية، فقد قدمها جريح الثورة خالد بن نجمة صحبة والدته، والذي أصيب بالشلل جراء إصابته بالرصاص يوم 13 جانفي 2011، حيث أفاد خالد في شهادته، وهو أصيل مدينة راس الجبل من ولاية بنزرت ومولود في 4 مارس 1988 ، بأنه أصيب بثلاث طلقات نارية على مستوى الظهر والجنب الأيمن والصدر، أطلقها عليه أعوان مركز الأمن بالمنطقة عند محاولته إنقاذ أحد المصابين (منجي حمدي الدرويش) بطلق ناري.
وقامت والدة خالد بسرد التفاصيل المتعلقة بمحاولات إنقاذ حياة خالد من موت محقق، إلا أنه أصيب بشلل نصفي دائم وأصبح عاجزا عن المشي، متحدثة بالخصوص عن مخلفات هذه الحادثة على العائلة وعلى ابنها الذي أجبر على عدم مغادرة المنزل لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر بسبب سكنهم في طابق علوي.
الشهادة الثالثة قدمها جريح الثورة رشاد بن عبد الكريم العربي، المولود في 26 ماي 1990 رفقة والدته، حيث صرح بأنه كان تلميذا بالتكوين المهني زمن الواقعة، وأصيب بالرصاص بتاريخ 13 جانفي 2011، على مستوى العنق والجنب الأيمن مما أدى إلى إصابته بالشلل.
وذكر أنه في ذلك اليوم وأثناء مشاركته في مسيرة سلمية لمواطني مدينة مرناق من ولاية بن عروس، توقف أمام مركز الأمن رافعا شعارات مناهضة للنظام أنذاك، فعمد أحد الأعوان إلى إشهار مسدسه وإطلاق الرصاص على المتظاهرين دون إنذار أو تحذير، مما أدى إلى إصابته .
وأضاف أنه تم نقله إلى مركز الإصابات والحروق البليغة ببن عروس، أين أجريت عليه عدة عمليات جراحية، تمكن خلالها الإطار الطبي من استخراج الرصاص من جسده، إلا أنه أصيب بشلل بسبب التلف الذي ألحقته رصاصة بجزء من النخاع والأعصاب المتحكمة في حركة الرجلين واليدين.
من جهتها، أكدت والدة رشاد أن الحالة الصحية والنفسية للجرحى تزداد سوءا أكثر فأكثر مع مرور الوقت، في ظل غياب الحلول العملية والناجعة لمساعدتهم على تحسين وضعياتهم والتخفيف من آلامهم ومعاناتهم.

تمحورت الشهادة الرابعة التي تخص القاضي مختار اليحياوي، حول مسألة توظيف القضاء، حيث تطرقت أرملة الضحية فاطمة اليحياوي إلى الضغوطات التي سلطت على زوجها مع بداية سنوات الألفين، في سياق ما مارسته السلطة التنفيذية في النظام السابق من ضغوطات على السلطة القضائية، لاسيما مع رفض الضحية الحكم في ملف متعلق بشقيق الرئيس الاسبق المدعو المنصف بن علي، في غياب محامي الطرف الثاني الفرنسي الجنسية.
وإنطلقت مأساة القاضي مختار اليحياوي، الذي توفي في ديسمبر 2015، مع توجيهه رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية الأسبق زين العابدين بن علي، عندما كان يشغل خطة وكيل رئيس بالمحكمة الابتدائية بتونس في جويلية 2001 ، عبر له فيها عن رفضه لما آل اليه وضع القضاء وللتدخل في عمل القضاة، داعيا إياه إلى اتخاذ القرارات اللازمة لرفع الوصاية عن مرفق القضاء، حيث قام النظام السابق بالتضييق عليه وتهديده واصدار قرار باحالته على عدم المباشرة في مرحلة أولى، ثم باصدار قرار تأديبي بعزله من وظيفته في بداية 2002 رغم المساندة الكبيرة التي لقيها داخليا وخارجيا، لاسيما من قبل الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين.
وأفادت ارملة الضحية بانه رغم التضييقات، استمر زوجها الفقيد في النشاط الحقوقي حيث أسس صحبة مجموعة من الحقوقيين مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة، كما شارك في اضراب عن الطعام في 18 أكتوبر 2005 صحبة عدد من الحقوقيين، للمطالبة باستقلال القضاء والحريات الاساسية وباطلاق سراح المساجين السياسيين.
وذكرت أنه من بين ما تعرض له القاضي مختار اليحياوي، منعه من السفر في عدة مناسبات، والاعتداء عليه بالعنف في عدة مناسبات بالطريق العام وقد وصل الامر الى حد خطفه، بالاضافة إلى اجباره على غلق نزل كان ورثه عن والده، مضيفة أن عائلته قد تعرضت بدورها إلى هرسلة مستمرة طالت ابنتيه، الى جانب تسليط مراقبة أمنية لصيقة على أفراد العائلة استمرت إلى حدود 14 جانفي 2011.
ولم تخف ابنة القاضي الراحل، الناشطة بالمجتمع المدني أميرة اليحياوي، التي حضرت لسرد شهادتها صحبة والدتها، عبراتها وهي تروي ما حصل مع والدها مشيرة إلى أنها حرمت من رؤيته طيلة 5 سنوات، بعد أن حرمتها السلطات القنصلية بباريس من تجديد جواز سفرها، بالاضافة إلى تعرض إخوة الضحية إلى مضايقات تعلقت بمنع الارتزاق وتجميد الترقيات.
أما في الشهادتين الأخيرتين، فقد تم الاستماع إلى حالتين تعلقتا بالتجنيد القسري، كانت الأولى لأحد المنتمين للتيار الإسلامي قدمها الضحية فريد التليلي وهو من مواليد 1968 بمدينة الكاف، تم تجنيده قسريا مع بداية حملة شنها النظام السابق سنة 1990 على المعارضين السياسيين، وطالت كل من تم الاشتباه في انتمائه أو تعاطفه أو قربه من حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للطلبة.
وروى الضحية كيف تم اقتحام الحي الجامعي بنابل، حيث كان الضحية يزاول دراسته التقنية، من قبل قوات الأمن، واقتياده صحبة عدد من الطلبة إلى مقر فرقة الأنياب بنابل ومنه إلى مركز التجنيد بسوسة ثم قبلي وقرعة بوفليجة بقصر غيلان بمدينة دوز، مشيرا إلى ما تعرض له المجندون في الثكنة من عمليات تعذيب "مغلفة بضرورات التدريب" الذي استمر مع الضحية والطلاب المجندين في كل من ثكنة رمادة والمصيدة ببنزرت ومنها إلى جزيرة زمبرة إلى حدود ماي 1990 ، حيث تعكرت صحته مما اضطر إدارة الثكنة إلى اعفائه من اتمام بقية المدة.
ولم تتوقف عذابات الضحية عند هذا الحد، حيث أفاد بأنه تم اعتقاله في ديسمبر 1993 على خلفية حكم غيابي بثماني سنوات اعترض عليها ليتم أصدار حكم في حقه بست سنوات، قضاها متنقلا بين مختلف السجون التونسية ليحرم بعد قضائها من العودة الى مزاولة دراسته الجامعية، مما اضطره إلى الدراسة في جامعة خاصة تمكن على اثرها من الحصول على شهادة الهندسة في الاعلامية.
وسرد الضحية وقائع ما تعرض له من انتهاكات، كافتعال رسوبه لأكثر من مرة وطرده من المعهد والجامعة ثلاث مرات، مرورا بالتعذيب الذي تعرض له أثناء التجنيد القسري والسجن، ثم المراقبة الأمنية والمنع من استخراج جواز سفره رغم استصداره حكما لصالحه من المحكمة الادارية، معتبرا أن الانتهاك الأكبر تعرضت له والدته أثناء تنقلها لزيارته في السجن وأثناء مداهمة منزله لأكثر من مرة لاعتقاله، كما طال أخويه اللذين طرد أحدهما من عمله في الجيش الوطني بعد التفطن إلى قرابته بالضحية، فيما تم التضييق على الثاني ومنعه من الارتزاق.
ولئن تمكن فريد التليلي من مواصلة حياته رغم ما تعرض له، بعد أن نجح في دراسته وأحرز على عدد من الشهائد، فإن الوضع قد إختلف مع الضحية محمد بن محمد المولود سنة 1956 ،الذي عاصر نفس الفترة وتم تجنيده عقب اقتحام قوات الأمن للحي الجامعي بنابل سنة 1990، حيث لم يلق نفس مصير التليلي وكان مآله الموت جراء ما تعرض له من هرسلة معنوية وتعذيب جسدي علني أمام زملائه المجندين باستعمال الفلقة والضرب على الرأس، فخرج بعد فترة تجنيده القسري في حالة صحية حرجة فارق على اثرها الحياة أواخر 1990.
وقد روت حالة الضحية محمد بن محمد، ارملته سلمى بن محمد التي سلطت الضوء على الخروقات القانونية التي تعلقت بعملية تجنيد زوجها قسريا، باعتباره كان ضابط صف تم عزله بشبهة الانتماء إلى حركة النهضة، ليتم تجنيده قسريا بعد ذلك عقب حصوله على شهادة الباكالوريا وعودته لمزاولة تعليمه، ملاحظة أن القانون ينص على عدم تجنيد من أدى واجبه العسكري أو من هو بصدد مزاولة تعليمه.
ولئن انتهت مأساة الضحية بوفاته، فإن معاناة زوجته استمرت حيث منعت من مواصلة دراستها في المعاهد العمومية وحتى الخاصة بسبب تمسكها بارتداء الحجاب، ثم منعها من الارتزاق بعد حصولها على شهادة في التطريز والتضييق عليها في الحصول على عمل تعيل بها ابنها من خلال الضغط على المشغلين لطردها، فضلا عن المراقبة الإدارية والتحقيق المستمر.
يذكر أن جلسة الاستماع العلنية القادمة التي ستعقدها هيئة الحقيقة والكرامة ستكون يوم 26 جانفي الجاري، بمناسبة إحياء ذكرى أحداث مايسمى بـ"الخميس الأسود" لسنة 1978 ،وفق ما أعلنته رئيسة الهيئة بداية الشهر، مشيرة إلى أنه سيتم أثناءها تسليط الضوء على هذه الحقبة التاريخية التي سقط فيها العشرات من الضحايا، وذلك عبر عرض شهادات عما تم ارتكابه من انتهاكات وإيقافات غير قانونية وحالات وفاة تحت التعذيب.
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 136931