معضلة الملح في الخبز...بين وعي المواطن التونسي في الحفاظ على صحته ونقص التشريعات لمراقبة جودته

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/69199611546004.14005388_jnfpmheikglqo.jpg width=100 align=left border=0>


وات - تحرير آمال مقنّم- تفاجأ كمال من النّفاد السريع للخبز الخالي من الملح بأحد مخابز مدينة باردو، بعد ان أعلمه أحد العاملين، أنّ هذا الصنف من الخبز بات ينفد في ظرف وجيز يناهز الساعتين تقريبا من عرضه، بفعل الطلب المتنامي عليه من قبل المستهلكين.

وقال العامل مبررا هذا الأمر، إنّه لاحظ تزايد استهلاك هذا النوع من الخبز في السنوات الأخيرة إلى درجة أنه تمت مضاعفة الكميات المصنوعة يوميا.





من جهته، أفاد كمال ، الخمسيني والإطار بإحدى المؤسسات الخاصة، في تصريح لـ"وات"، أنه خيّر تغيير نظامه الغذائي تحسّبا من المضاعفات التي قد تنجر عن نظام غذائي غير صحي بسبب استهلاك بعد الأغذية والمحسّنات الغذائية، من قبيل الملح، الذي يسجل مستويات مرتفعة نسبيا في الخبز التونسي.

وأردف يفسّر، أنه لم يعد يتحمّل درجة الملوحة في عدّة أصناف من الخبز بالإضافة الى أن عدّة مأكولات شعبية تونسية أو الاكلات السريعة والمصنّعة تحتوي على مستويات عالية من الملح، التي قد تؤدي، لا سيما مع تقدّم السن، الى الإصابة بعدة أمراض خاصة منها ارتفاع ضغط الدم، المرض الصامت.

وتشير تقارير طبية تونسية، الى أن حوالي 33 بالمائة من التونسيين يعانون من مرض ارتفاع الضغط الدم لعدة اسباب ومنها العادات الغذائية غير السليمة على غرار استهلاك كميات كبيرة من الملح وخاصة الموجود في الخبز.

ويعد الخبز احد المواد الأساسية والرئيسية التي يستهلكها التونسيون ويقبلون على اقتنائها بكميات كبيرة وأصناف متنوعة، ما يستوجب الحرص على جودته وسلامة مكوناته وظروف صنعه.


تغيير في السلوكيات ووعي متنام

تشهد ثقافة استهلاك الأغذية الصحية في تونس تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، إذ يقبل التّونسيون على شراء أصناف شتّى من الخبز، غير الخبز المدعم، التي تسجل إضافات مختلفة في تركيبتها تجعلها غنية بالالياف مثل خبز القمح او الشعير او الحبوب الى جانب الخبز الخالي من الملح وغيرها...مع تفضيل للخبز القليل الملح او الخالي من الملح كبديل صحي للخبز التقليدي الذي يعتبر مصدرا رئيسيا للملح.

ويؤيد الأطباء المختصون في التغذية قرار تخفيض الملح في الخبز كخطوة ضرورية لحماية الصحة العامة، ذلك أنّ استهلاك الخبز يساهم بنسبة تتراوح بين زهاء 35 و 40 بالمائة من استهلاك الملح اليومي.


وبإحدى مخابز مدينة الدندان بباردو (الضاحية الغربية للعاصمة)، كشف رضا المسؤول عن المخبزة، أنه أعطى الإذن للعاملين بالتقليص من مادة الملح عند تصنيع الخبز، وعيا منه بخطورة هذه المادة على صحة التونسي، مقرا في الان نفسه بأن الخبز التونسي يحتوي على نسبة ملوحة عالية..

وأكد من جانب آخر، أنه لاحظ في السنوات الأخيرة إقبالا لافتا على الخبز الخال من الملح من طرف العديد من التونسيين سواء كانوا مصابين بأمراض ارتفاع ضغط الدم، الذي يتوجب عليهم التقليص من تناول الأكلات ذات الملوحة العالية، أو لدى عدد كبير من التونسيين، الذين تنامى الوعي لديهم بضرورة التقليص من استهلاك الملح.


انعكاسات صحية سلبية

في هذا الصدد، تقول رئيسة قسم التكوين والاعلام بالمعهد الوطني زهير القلال للتغذية والتكنولوجيا، الدكتورة شيراز الباجي، بأن مادة الملح لها تأثيرات وانعكاسات كبيرة على صحة الانسان وتتسبب في الإصابة بأمراض القلب والسكري والسمنة وكذلك الأمراض السرطانية.

وأكدت الباجي، في تصريح لـ"وات"، أنّ تقليص كمّية الملح في الخبز بنسبة 30 بالمائة واعادة صياغة تركيبته أضحى ضرورة صحية ملحة للحفاظ على صحة المواطن.

وأشارت، في سياق متصل، الى أنه تم إطلاق مبادرة وطنية نموذجية في فيفري 2025 ببادرة من المعهد الوطني للتغذية بالشراكة مع منظمة الاعراف والغرفة الوطنية للمخابز بهدف تحسين القيمة الغذائية للخبز المدعم كخطوة عملية لدعم الصحة العامة وتقليل عوامل الخطر المرتبطة بالتغذية.

وأوضحت المتحدثة، أن الهدف من المبادرة لا يقتصر، فقط، على التقليل من نسبة الملح، بل يشمل، أيضا، تحسين جودة الخبز من خلال العودة الى التصنيع التقليدي بالخميرة الطبيعية ورفع نسبة الالياف والحديد والفيتامينات في الفارينة المدعمة.

وبيّنت، أنّ المبادرة قد انطلقت بمساهمة 50 مخبزة بإقليم تونس الكبرى، على أن يتم تعميمها لاحقا على المستوى الوطني، لا سيما وأنها قد لاقت استحسان عديد المواطنين.

وأضافت الباحثة في علوم التّغذية، أنّ المواطن التّونسي يستهلك ما بين 2 غرام و 9 غرامات من الملح يوميا، وأغلب مصدرها الخبز، في حين أوصت منظمة الصحة العالمية بتقليل الاستهلاك الاجمالي لهذه المادة الى أقل من 5 غرامات يوميا.


إعادة صياغة تركيبة الخبز

كشف ممثلون عن وزارات الصحة والفلاحة والتجارة، خلال جلسة عمل بلجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة بمجلس نواب الشعب، انعقدت في شهر جويلية المنقضي، عن مشروع وطني جديد يهدف إلى إعادة صياغة تركيبة الخبز المدعم من خلال تقليص الملح والترفيع في نسبة استخراج الفارينة من القمح اللين من 78 بالمائة إلى 85 بالمائة بما يعزز من محتوى الألياف والمعادن والفيتامينات فيه.

أما ممثلو وزارة الصحة، فقد أكدوا أن تعديل تركيبة الخبز أمر ضروري للحفاظ على صحة المواطنين مع دمج هذا التعديل في السياسة الوطنية للدعم الغذائي والحرص على مراقبة جودة الخبز بصفة منتظمة للمساهمة في بناء نظام غذائي أكثر صحة واستدامة ولتعزيز الوقاية من الأمراض غير السارية

وقد أجمع خبراء التغذية، أنه بالإمكان استخدام توابل مثل الثووم عصير الليمون والفلفل الأسود والخل لتعزيز نكهة الخبز دون الحاجة إلى كميات كبيرة من الملح.

وكان رئيس جمعية أمراض القلب والشرايين، قد أوضح في تصريحات إعلامية، بأن الخبز في الأسواق التونسية يحتوي على نسبة عالية جدا من الملح تصل إلى ما يزيد عن 6 غرامات في الخبزة الواحدة وتعد من أكبر النسب في العالم، مؤكدا أن أمراض القلب والشرايين تشكل المسبب الأول لحالات الوفاة في تونس.

وتساوي كمية الملح في الخبز ما يعادل الملح الموجود في كأس ماء سعة 100 مليلتر، وتعد كمية الملح عند تصنيع الخبز في تونس الأرفع في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وكانت منظمة الصحة العالمية، قد دعت إلى ضرورة تخفيض استهلاك الملح بنسبة 30 بالمائة بحلول عام 2025 بهدف الحد من الأمراض غير السارية في تونس.

وتشير بيانات نشرتها منظمة الصحة العالمية في 30 سبتمبر 2025، ان تونس تواجه أحد أكبر أعباء الأمراض غير السارية في إقليم شرق المتوسط. ويرتبط ما يقرب من 86 بالمائة من الوفايات بأمراض مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التنفسية المزمنة والسكري والسرطان. وتتسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، وحدها، في أكثر من 30 بالمائة من جميع الوفايات، كما ترتفع معدلات السمنة والسكري ارتفاعًا حادًا، لا سيما بين النساء والشباب.


تشريعات جديدة

من جهته، شدد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهك، لطفي الرياحي، على ضرورة التوجه لتقليل الملح من الخبز، داعيا إلى سن تشريعات جديدة وإصدار أوامر واضحة ودقيقة حتى تتمكن أجهزة الرقابة من القيام بدورها على مستوى الجودة.

وذكّر الرياحي، بأن المعهد الوطني للاستهلاك، كان قد أطلق تجربة نموذجية في ولاية بنزرت، لتخفيض الملح في الخبز بنسبة 40 بالمائة كجزء من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الأمراض غير السارية التي كان لها الأثر الايجابي لدى المستهلكين.


واحدثت تونس طبقا لقرار من وزير الصحة صدر بالرائد الرسمي بتاريخ 9 جويلية 2021، لجنة فنية بالوزارة تتولى متابعة الاستراتيجية متعددة القطاعات للوقاية والحد من الأمراض غير السارية وضبط مهامها وتركيبتها وطرق سيرها..

وتتطلب التوعية بخطورة الامراض غير السارية وكيفية التوقي منها تكاتف جهود مختلف الفاعلين من اصحاب القرار والمجتمع المدني وكل الهياكل والمؤسسات المعنية وتوسيع نطاق المبادرات الإبداعية التي تركز على المجتمع مع إدماج الصحة والثقافة والرياضة لتعزيز الأنماط الحياتية الأكثر صحة بما يساعد على تحويل التصور العام للصحة من قضية طبية إلى هدف مجتمعي مشترك، وفق منظمة الصحة العالمية.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 318563


babnet
*.*.*