في لقاء مع نواب الشعب: رضا الشكندالي يقدّم قراءة نقدية لمشروع قانون المالية 2026 ويدعو إلى رؤية اقتصادية واقعية
قدّم أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي، مساء الأحد 2 نوفمبر 2026، أمام عدد من نواب مجلس الشعب، وبناءً على دعوة من رئيس أحد الأحزاب، قراءة تحليلية معمّقة لمشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2026، عرض خلالها ملاحظاته النقدية ومقترحاته الإصلاحية، في إطار نقاش برلماني مفتوح حول التوجهات الاقتصادية للحكومة وأولوياتها الاجتماعية والمالية.
ويأتي هذا اللقاء في وقت أحال فيه مكتب مجلس النواب مشروع قانون المالية إلى لجنة المالية والميزانية لمناقشته، حيث قدّر المشروع نفقات الدولة بـ63,575 مليار دينار مقابل مداخيل بـ52,560 مليار دينار، أي بعجز يتجاوز 11 مليار دينار.
ويأتي هذا اللقاء في وقت أحال فيه مكتب مجلس النواب مشروع قانون المالية إلى لجنة المالية والميزانية لمناقشته، حيث قدّر المشروع نفقات الدولة بـ63,575 مليار دينار مقابل مداخيل بـ52,560 مليار دينار، أي بعجز يتجاوز 11 مليار دينار.
وتوزّعت الموارد بين 47,773 مليار دينار مداخيل جبائية و4,437 مليار دينار مداخيل غير جبائية و350 مليون دينار هبات، إلى جانب تسهيلات مالية وقروض داخلية وخارجية.
الظرف الاقتصادي الخارجي في صالح تونس... لكن الهشاشة مستمرة
في مداخلته، أكّد الشكندالي أنّ الظرف الاقتصادي العالمي للسنة المقبلة سيكون مواتياً لتونس، مشيراً إلى تحسّن متوقّع في منطقة الأورو، الشريك الأساسي للاقتصاد التونسي، وتراجع منتظر في أسعار النفط إلى ما دون 55 دولاراً للبرميل والقمح اللين إلى ما دون 250 دولاراً للطن، وذلك عقب قرار منظمة أوبك+ في أكتوبر 2025 برفع سقف الإنتاج.غير أنّ الخبير الاقتصادي نبّه إلى أنّ النمو الاقتصادي في تونس يبقى هشّاً لأنه يعتمد أساساً على الاستهلاك الخاص، في ظلّ تراجع الاستثمارين العمومي والخاص وضعف الصادرات.
ودعا إلى أن يركّز مشروع القانون على دعم الاستهلاك الداخلي دون المساس بالمقدرة الشرائية، مع ضرورة تحفيز الاستثمار الخاص ودفع قطاعي الفلاحة والسياحة لتحقيق نسبة النموّ المستهدفة (3.3%)، مقابل توقعات البنك الدولي المحدّدة بـ2.4%.
ضعف في إنجاز النفقات العمومية وتراجع في الأداء التنموي
أشار الشكندالي إلى أنّ الدولة أظهرت خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2025 ضعفاً كبيراً في تنفيذ نفقات الميزانية، خصوصاً في الجانب الاجتماعي والمشاريع العمومية، مبيّناً أنها لم تُفلح سوى في تسديد الديون الداخلية والخارجية على حساب حاجيات المواطنين.واعتبر أنّ شعار الاعتماد على الذات ظلّ مجرّد شعار سياسي دون ترجمة عملية، إذ تواصل الحكومة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، بما في ذلك التمويل المباشر من البنك المركزي.
مقترح لتقييد الاقتراض وتوجيهه نحو التنمية
في هذا السياق، دعا الشكندالي أمام النواب إلى تسقيف الاقتراض المباشر من البنك المركزي في حدود نفقات الاستثمار فقط، ومنع استعماله لتغطية النفقات الاستهلاكية.كما اقترح إحداث لجنة وطنية مشتركة تضمّ ممثلين عن البرلمان ومجلس الأقاليم والجهات ووزارة المالية والبنك المركزي، تتولّى مراقبة صرف القروض وتوجيهها حصراً نحو المشاريع الإنتاجية.
رؤية نقدية للدور الاجتماعي للدولة
شدّد أستاذ الاقتصاد على أنّ مفهوم الدولة الاجتماعية في مشروع قانون المالية أُسيء فهمه، إذ حُصر في الانتدابات والزيادات في الأجور، في حين أن الدور الحقيقي يجب أن يكون تحسين جودة الخدمات الأساسية مثل التعليم، الصحة، والنقل.كما حذّر من أنّ الامتيازات الكبيرة الممنوحة لـ الشركات الأهلية على حساب بقية المؤسسات تمثّل تعزيزاً لاقتصاد الريع، ولن تساهم في تحفيز النموّ أو التشغيل.
قانون جباية بلا رؤية اقتصادية
وصف الشكندالي مشروع قانون المالية لسنة 2026 بأنه "قانون جباية محاسباتي" يفتقر إلى رؤية اقتصادية شاملة، مشيراً إلى أنّ الموارد الجبائية ارتفعت بـ3.3 مليار دينار مقابل زيادة عامة بـ3 مليارات فقط، مما يعني أن الدولة تبحث عن التوازن عبر الجباية لا عبر الإنتاج.وانتقد تخفيض ميزانية وزارة الصناعة والطاقة رغم الحاجة الملحّة لتطوير المجمع الكيميائي بقابس وتجديد أسطول السكك الحديدية لنقل الفسفاط.
الإنفاق العمومي والأجور
لفت الخبير إلى أنّ الزيادة المبرمجة في كتلة الأجور (900 مليون دينار) لا يمكن أن تغطي انتداب أكثر من 51 ألف موظف جديد، معبّراً عن خشيته من أن يتذرّع القائمون على المالية العامة بتوازن الميزانية لتجميد الزيادات، مما يهدد المقدرة الشرائية.كما أشار إلى أنّ تونس تتقدّم في الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وهو ما قد يسهّل التفاوض على قرض بشروط ميسّرة.
مقترحات عملية أمام النواب
قدّم الشكندالي أمام النواب الحاضرين سلسلة من المقترحات العملية لتصحيح مسار الميزانية وتحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي، من أبرزها:* تخصيص جزء من الاقتراض المباشر لتمويل الشركة التونسية للكهرباء والغاز لاقتناء اللاقطات الفوتوفلطائية، بهدف خفض كلفة الطاقة على الأسر والمؤسسات وتقليص التضخم والعجز الطاقي.
* إلغاء الامتيازات التقاعدية للوزراء والنواب والولاة بعد سنتين أو خمس سنوات خدمة، تكريسًا لمبدأ العدالة والمساواة أمام القانون.
* دعم الأعلاف لتشجيع تربية الماشية وتخفيض أسعار اللحوم والبيض.
* التخفيض في الأداءات على جرايات المتقاعدين لتحسين ظروفهم المعيشية.
* رفض الأداء على الثروة لما له من انعكاسات على تفتيت الأملاك وتشجيع الاقتصاد الموازي.
* مراجعة التكاليف البنكية غير القانونية وتحمّل البنك المركزي مسؤولية مراقبتها.
* تخفيض أسعار الأدوية تماشياً مع ضعف المقدرة الشرائية.
* اعتماد أداء تصاعدي تنازلي على أرباح الشركات لتشجيعها على التصريح الحقيقي وتقليص التهرب الضريبي.
يختزل تحليل الأستاذ رضا الشكندالي أمام نواب الشعب رؤية نقدية متوازنة تقوم على تشخيص دقيق لمواطن الخلل المالي والاقتصادي، وتقدّم في الوقت نفسه حلولاً عملية قابلة للتنفيذ.
ويرى الخبير أنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ من تغيير فلسفة إعداد الميزانية، بحيث تكون أداة لتحريك عجلة الإنتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية، لا مجرد وثيقة محاسباتية لتسديد الديون وضبط الأرقام.







Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 317788