الاستثمار في الرياضة أصبح ضرورة وطنية.. تغيير القوانين وتحرير القطاع...

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68a8777f9832b7.00695695_ijmqlenkhgpof.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: ريم بالخذيري

تُعدّ تونس، البلد الصغير في مساحته وعدد سكانه، عريقًا في حضارته التي تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وهو كبير بإنجازاته الرياضية، بل إنه يقود قاطرة الإنجازات العالمية عربيًا وإفريقيًا.





فالمنتخب التونسي لكرة القدم كان أوّل من قارع كبار اللعبة وحقّق أوّل انتصار عربي في المونديال سنة 1978 أمام المكسيك، وانتزع بفضل ذلك مكانًا إضافيًا لإفريقيا في المنتخبات المشاركة.

كما يُعدّ العداء محمد القمودي أحد أبرز رموز الرياضة العالمية، وصاحب أول ميدالية ذهبية عربية في الألعاب الأولمبية في سباقات القوى، بعد تتويجه في 1968 وتتويجه بفضية 1964، ثم برونزية 1972، لتصبح تونس بفضله إحدى الدول المؤسسة لحضور العرب في المضامير العالمية.

منشآت وتظاهرات كبرى

ولم تتوقف المسيرة عند ذلك، فقد أبهرت بلادنا العالم خلال الألعاب المتوسطية التي نظمتها سنة 2001، وشُيّد بمناسبتها الملعب الأولمبي برادس والقرية المتوسطية، وهو آخر مشروع رياضي ضخم أُنجز في البلاد، وقد سبقته دورة أولى سنة 1967.

كما نظّمت تونس في دورات عديدة بطولة إفريقيا للأمم في كرة القدم سنوات 1965 و1994 و2004، وتُوّجت في الأخيرة بطلةً للقارة، إلى جانب احتضانها بطولات إفريقية وعالمية في كرة اليد، الكرة الطائرة، السباحة، المصارعة، الجودو، والتجديف، وهو ما جعلها قبلة لكل التظاهرات الكبرى لما تحتويه من بنية تحتية متطورة وحسن استقبال وتنظيم مُتقن.

أبطال عالميون

وتزخر تونس كذلك بأبطال عالميين تركوا بصمتهم، على غرار أنس جابر التي دخلت تاريخ التنس بوصولها إلى نهائي ويمبلدون ورولان غاروس، والسبّاح العالمي أسامة الملولي صاحب الذهبية الأولمبية في بيكين 2008 وبرونزية لندن 2012، ، وصولًا إلى أبطال الألعاب البارالمبية الذين رفعوا الراية الوطنية في منصات التتويج عشرات المرات.

واليوم لدينا أبطال آخرون على غرار السباح أحمد الجوادي و لاعب التايكوندو خليل الجوادي وجيل جديد من لاعبي الرياضيات الجماعية الكثير منهم من أبناء جاليتنا بالخارج .

إنجازات لاتعكس الإمكانيات

لطالما كان الرياضيون خير سفراء لبلادنا وكان لهم الفضل الكبير في رفع الراية الوطنية في كبرى التظاهرات الرياضية مما انعكس بالايجاب على السياحة التونسية حيث اغرت تلك الانجازات نجوم عالميون بزيارة تونس والترويج لها.

غير ان الاستغلال الجيد لهذه الانجازات يكاد يكون صفريا بل لم تنعكس على النهوض بالقطاع وبقيت في حدود الانجازات الفردية.وهذا راجع لغياب التخطيط وقلة الامكانيات المادية اذ أن أغلب الأبطال التونسيين يتدربون خارج بلادهم وخاصة في فرنسا والولايات المتحدة الامريكية.

ومع الأسف تعيش بلادنا تصحرا كبيرا في البنية التحتية الرياضية (ملعب واحد مؤهل لاحتضان المباريات الافريقية والدولية مقابل 12ملعب في المغرب) من ملاعب للرياضات المختلفة والمسابح والقاعات المغطاة.

وقد وقعت النكسة في هذا القطاع الحيوي خلال 15سنة الفارطة بصفر استثمار في الرياضة حيث لم يتم انشاء مشاريع كبرى بل ان المنشآت الموجودة تعرضت للاهمال والتخريب (الملعب الاولمبي بالمنزه نموذجا) .

والواقع أن هذا التراجع يعود أيضا إلى الازمة الاقتصادية التي تعيشها تونس والتي حكمت على الرياضة و الثقافة ان تكونا على هامش الاهتنامات وهو الخطأ الذي وجب اليوم اصلاحه.

فالاستثمار في الرياضة لايقل قيمة عن الاستثمار في قطاعات أخرى واعدة.

الرياضة استثمار وصناعة

الرياضة لم تعد مجرد نشاط بدني أو وسيلة للترفيه، بل أصبحت قطاعًا اقتصاديًا متكاملًا يُدرّ أرباحًا ضخمة ويخلق فرص عمل واسعة. وفقًا لتقرير الاتحاد الدولي للتسويق الرياضي (ISMA)، يُقدّر حجم الصناعة الرياضية العالمية بحوالي 488 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع توقعات بالنمو السنوي بنسبة 5% خلال السنوات الخمس المقبلة.

كما يقول ستيفن جيمس، خبير الاستثمار الرياضي: "الرياضة أصبحت أحد أقوى أدوات الاستثمار، ليس فقط عبر حقوق النقل التلفزيوني، بل أيضًا من خلال الرعاية والإعلانات والبث الرقمي." بالفعل، تشير البيانات إلى أن حقوق النقل التلفزيوني للأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس العالم وكأس الأمم الأوروبية تولد أكثر من 5 مليارات دولار لكل نسخة.

أما فيما يتعلق بالرعاية، فقد أظهرت دراسة لشركة Nielsen Sports أن العلامات التجارية العالمية تنفق سنويًا أكثر من 60 مليار دولار على الرعاية الرياضية، نظرًا للقدرة الهائلة للرياضة على الوصول إلى الجماهير وبناء الولاء للعلامة التجارية. ويضيف جيمس: "الاستثمار في الرياضة ليس فقط تمويليًا، بل استثمار في أسلوب حياة وثقافة جماهيرية."

من ناحية الوظائف، تساهم الرياضة في خلق ملايين الوظائف مباشرة وغير مباشرة، إذ يُقدّر عدد العاملين في القطاعات الرياضية حول العالم بنحو 1.2 مليون شخص، بين إدارة، تسويق، تدريب، وصناعة معدات رياضية. كذلك أصبحت صناعة المعدات الرياضية صناعة ضخمة، حيث سجلت مبيعات التجزئة العالمية أكثر من 150 مليار دولار في 2023، مع نمو متسارع للأجهزة الرياضية الذكية والملابس الرياضية التقنية.

في السياق التونسي، يمكن استثمار النجاحات الفردية للرياضيين التونسيين في دفع الاقتصاد الرياضي المحلي وتعزيز الصورة الدولية للبلاد. على سبيل المثال، إنجازات لاعبين مثل يوسف المساكني في كرة القدم، أو أبطال التنس والسباحة التونسيون، يمكن تحويلها إلى فرص تسويق ورعاية، وإطلاق أكاديميات رياضية خاصة، أو توقيع شراكات مع شركات محلية وعالمية، مما يخلق جسرًا بين النجاح الفردي والنمو الصناعي والاستثماري للرياضة التونسية.

الملخص أنّ الرياضة اليوم تمثل قطاعًا اقتصاديًا متكاملًا يجمع بين الاستثمار، الصناعة، والتأثير الثقافي، فهي ليست مجرد مباريات وألعاب، بل فرصة حقيقية للنمو الاقتصادي والتجاري على مستوى عالمي، مع إمكانية تعزيز الحضور التونسي عبر النجاحات الفردية للرياضيين المحليين.

مشروع قانون الهياكل الرياضية هو الحل

من المعضلات الحقيقية لعدم تطوّر الرياضة التونسية على مستى الاستثمار و البنية التحتية هو قانون الجمعيات الرياضية الحالي الذي يمنع الاستثمار و يعتبر الجمعيات غير ربحية كما يمنع تحويلها الى شركات تخضع لمنطق الربح و الخسارة .هذا فضلا عن منع الفرق الكبرى من امتلاك ملاعبها الخاصة أو مسابحها .

قانون الجمعيات الرياضية التونسي عدد 12 لسنة 2011(آخر تنقيح تمّ) وضع إطارًا قانونيًا لتنظيم الرياضة، إلا أنه أصبح عقبة أمام الاستثمار والابتكار الرياضي. إذ يفرض إجراءات بيروقراطية طويلة لتأسيس الجمعيات والحصول على الاعتراف الرسمي من وزارة الشباب والرياضة، ما يبطئ مشاريع مبتكرة ويثني الشباب عن إطلاق مبادرات جديدة؛ فقد أظهرت دراسة صادرة عن الجامعة التونسية للرياضة (2023) أن أكثر من 62 من المشاريع الرياضية الناشئة توقفت عند مرحلة التأسيس بسبب التعقيدات الإدارية. كما أن المركزية المالية والإدارية تجعل الجمعيات تعتمد على المنح الحكومية، ما يقلل من استقلاليتها ويحد من قدرتها على تطوير برامج مبتكرة.. بالإضافة إلى ذلك، القيود على التمويل الخاص والشراكات التجارية تحد من قدرة الجمعيات على اكتشاف المواهب ودعم الرياضات الناشئة، ما أدى إلى أن أقل من 15 من الرياضيين الشباب يحصلون على دعم مشاريع مبتكرة خارج المنظومة التقليدية، وفق تقرير وزارة الشباب والرياضة (2022). بهذا، يبدو واضحًا أن القانون، رغم حفاظه على الانضباط، يحد بشكل كبير من ثقافة الابتكار والاستثمار في الرياضة التونسية.

هذا التخلف يضع تونس في مقارنة مباشرة مع دول مثل المغرب، مصر، الجزائر، والسعودية، التي أسست شركات رياضية أو أندية قائمة على نموذج احترافي معتمد على رأس المال الخاص، وتشجع على مزادات علنية أو أسواق بورصة رياضية لدعم الأندية وتحويلها إلى كيانات اقتصادية مربحة، كما هو الحال في بريطانيا وهولندا وفرنسا ".

في الواقع التونسي اليوم هذه التحولات لن تكون مجرد رفاهية، بل ضرورة لتجاوز الجمود الحالي في الرياضة الاحترافية، المحترفة واستثمار النجاحات الفردية للاعبين التونسيين في مختلف الرياضات في مشاريع رياضية مربحة، تتيح استقطاب رجال الأعمال ، وخلق قيمة اقتصادية حقيقية. بدون هذه الإصلاحات، ستبقى تونس متأخرة عن منافسيها في المنطقة، بينما الدول الأخرى تستفيد من تحويل الرياضة إلى صناعة قادرة على الاستثمار والابتكار.

الحلّ

والحلّ يبقى في الإسراع باعتماد مشروع قانون الهياكل الرياضية الذي أتمت الحكومة إعداده و تحويله إلى قانون .وينص المشروع الجديد على :

-ضمان دمقرطة الهياكل الرياضية اعتمادا على المبدأ الانتخابي في عضوية مختلف الهياكل واللجان الداخلية للجامعات الرياضية، ضمانا لمبدأ الحياد والنزاهة واعتماد نظام الاقتراع.وضمان مبدأ الشفافية من خلال تطوير آليات الإعلام والنشر.

-حوكمة التسيير الرياضي ضمانا لحسن إدارة الموارد البشرية والمالية للهياكل الرياضية وحسن سير المسابقات الرياضية وفق الأخلاقيات الرياضية ونزاهة التنافس والنتائج ومبادئ الروح الرياضية.

-تطوير تسيير النوادي الرياضية عبر تأسيس نظام تسييري احترافي واضح المعالم يقطع مع ما يتم اعتماده حاليا.

-تمويل الهياكل الرياضية ودعمها عبر طرق تمويل جديدة.

-ضمان ديمومة واستمرارية المرفق العام عبر إجراء رقابة دقيقة.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 319110


babnet
*.*.*