صحّة شريبتكم.. الشمس تدمن الشروق من .. زغوان

حياة بن يادم
صحة شريبتكم، يأتي علينا رمضان هذا العام و لم أجتمع كعادتي في اول يوم افطار في بيت العائلة الذي كان قبلة الزوار فلا يرد سائل. و كان عامرا بالضيوف على امتداد الشهر الكريم. كما أن رمضان تزامن مع مرور سنة على رحيل الوالد و مازال قلبي يبكي فراقه.. و مازلت تلك الطفلة التي تبحث عن الامان فلم تجده سوى في دفئ صدره. كنت في كل مرة أدخل ذابلة للدار و تعصف بي الذكريات على عتبة الباب..
صحة شريبتكم، يأتي علينا رمضان هذا العام و لم أجتمع كعادتي في اول يوم افطار في بيت العائلة الذي كان قبلة الزوار فلا يرد سائل. و كان عامرا بالضيوف على امتداد الشهر الكريم. كما أن رمضان تزامن مع مرور سنة على رحيل الوالد و مازال قلبي يبكي فراقه.. و مازلت تلك الطفلة التي تبحث عن الامان فلم تجده سوى في دفئ صدره. كنت في كل مرة أدخل ذابلة للدار و تعصف بي الذكريات على عتبة الباب..
كورونا هذا العام أعفتني من أعيش ذلك الإحساس، لكنها لم تقدر أن تسلبني الشعور بالحنين إلى الزمن الجميل و إلى منشأ البدايات مقرن المياه حيث تقترن بها حنايا المياه النابعة من عين زغوان و عين جقار الموجودتين ضمن سلسلة جبال الأطلس التي تمتد من المغرب و صولا لجبل زغوان و التي يبلغ طولها 132 كلم. لإيصال الماء إلى العاصمة.
و يرجع تأسيس الحنايا إلى العهد الروماني و ما زالت آثارها موجودة على مستوى وادي مليان حيث ترتفع 50 م على مستوى الأرض و تعتبر هندسة فريدة من نوعها. حيث صممت بانحدار مدروس من المنبع جبل زغوان إلى غاية قرطاج بدرجة ميلان قدرها 0.29 د يجعل من الماء ينساب بدون بلوغ درجة السيل العنيف مما جعل المؤرخين يصفون الحنايا بالمعجزة الهندسية و يلقبونها بأهرامات تونس.
من المقرن التي تبعد عن مدينة زغوان 6 كم، تستطيع أن ترى جبل زغوان على امتداد طوله الذي يبلغ 9 كم و على ارتفاعه الذي يبلغ 1295 متر. و هو ثاني أعلى قمة بعد جبل الشعانبي. وهو الجدارية الطبيعية الجميلة التي تزين خلفية قريتي الهادئة.
يشتهر جبل زغوان بمياهه العذبة و طبيعته الخلابة مما جعل من عديد الحضارات الاستيطان بقربه. حيث تعاقبت عليه الحضارة الرومانية أين أطلق إسم "زيكا"على زغوان نظرا لإرتباطها بالجبل الذي تنضب منه العديد من عيون المياه الطبيعية. وصولا إلى الحضارة الاسلامية و احتضانها للمهجرين المسلمين من الأندلس.
و عندما تسوقك الأقدار الجميلة إلى مدينة زغوان العتيقة فادخل من "باب القوس"، وهو الباب الوحيد الذي بقي إلى الآن والمنتصب بمدخل المدينة العتيقة من الآثار الرومانية. فترفق بها و ترجل لتشتم عبق التاريخ على مدى الفصول و انت تمر بأزقتها و أنهجها التي حافظت على تراثها وطابعها العمراني الأصلي، في هندستها وزخارفها التي جسدت ازدهار العمارة على مدى التاريخ. فترى الحنفيات تتدفق منها المياه العذبة، و يعترضك الجامع الكبير.
و انت تتجه نحو مقام سيدي علي عزوز يعترضك الجامع الحنفي الذي بني عام 1620 م، وهو الجامع الرسمي للدولة العثمانية آنذاك. فقد اتبع العثمانيون الوافدون على تونس المذهب الحنفي في حين يتبع عموم أهل تونس وسائر بلاد المغرب المذهب المالكي.
ثم تأخذك قدماك إلى زاوية الولي سيدي علي عزوز الذي يعتبر من أشهر أعلام المتصوفين و الصالحين. حيث سنة 1680 م أمر الأمير محمد باشا ببناء زاوية له بعد ان تلقى منه إشارات اعتقد منه صلاحه. فكان يلعب دور المصلح الإجتماعي في فض الخصومات و في رفع الأمية عن أهالي زغوان وذلك بتحفيظ القرآن الكريم و تفسيره، و في ربط الصلة بين جامع الزيتونة و جامع عقبة ابن نافع.
و في طريقك إلى معبد المياه تعترضك المنازل محاطة بالحدائق المسيجة بالنسري التي تنبعث منها روائح زكية عند تفتح زهورها أواخر الربيع، معلنة موعد قطفها للتقطير و ذلك عند الساعات الاولى من النهار قبل أن ترتفع درجة الحرارة. وماؤه فيه شفاء للقلب و يستعمل في صنع الحلويات و خصيصا في صنع كعك الورقة.
و كانت تسقى هذه الحدائق بنظام فريد لتوزيع الماء في قنوات وحنايا محلية مقابل سعر رمزي يسمى "التبنة"، وهي وحدة قياس للماء تمنح حسب حاجة الدار تحت إشراف أمين الماء. و هذا النظام ما يزال ساريا إلى اليوم عندما صدر القرار عدد 150 المؤرخ يوم 3 أفريل 1961 يثبت الحقوق التاريخية لما يقارب 188 بيتا من سكان البلدة في نظام "التبنة".
و على مسافة 3 كم من المدينة العتيقة تجد المركب المائي "معبد المياه" الذي يعود تأسيسه للعهد الروماني. وهو مجمع أثري في شكل معبد مقام على عين بسفح جبل زغوان متخذا شكلا نصف دائري تم إنشاؤه بغاية جلب المياه من زغوان إلى قرطاج التي كانت مركز الحكم آنذاك. و من أهم العيون عين عياد.
و إن كنت من المغامرين الشبان فالجبل يعتبر محيط بيئي ممتاز بمغاوره وكهوفه ودواميسه الغنيّة بالعديد من النّباتات والحيوانات. و من أهم المغارات مغارة "الشيطان" الموجودة في أعلى قمة جبل زغوان و مغارة "المجانين الاربعة" و مغارة "معبد المياه" و مغارة "سيدي بوقبرين". و سيدي بوقبرين هو ولي صالح شيد مدرسة وزاوية وسط جبل زغوان. وكانت قبلة للمتصوفين التونسيين مثل سيدي أبو الحسن الشاذلي والسيدة المنوبية وغيرهم.
أنا لا أسرد عليكم زغوان بخلفية سياحية و لا حتى تاريخية، بقدر ما هو عرض بطريقة طبيعية لأهم معالمها التراثية في رحلة عبر الزمن أردت منها فقط الهروب إلى الماضي و إلى الزمن الجميل من هذه الرطوبة "الكورونية" الخانقة.
عندما تضع معارك الحياة غبارها فإن زغوان هي قبلة النهايات، كل مدن بلادي جميلات لكن اعذروني، مدينتي جميلة الجميلات. و عندما تدمن الشمس الشروق من مكان ما فاعلموا انها من زغوان.
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 202182