أيام قرطاج المسرحية 2025: المخرج العراقي سنان العزاوي يكسر "جدار" العنف المسكوت عنه ويكشف حكايات نساء خلف الأبواب الموصدة

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/69297d8eb8ffe2.16860105_kmeinqgpholfj.jpg width=100 align=left border=0>


استقطبت مسرحية "الجدار" للمخرج والكاتب العراقي سنان العزاوي جمهورا كبيرا مساء الخميس 27 نوفمبر 2025 ضمن فعاليات الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية (22-29 نوفمبر 2025)، حيث تم تقديمها ضمن المسالقة الرسمية للمهرجان في عرضين متتاليين بقاعة، وسط حضور كبير دفع المتفرجين للاصطفاف طويلا في انتظار العرض الثاني بينما كان العرض الأول لا يزال مستمرا، علما أن مدة العرض بلغت حوالي ساعتين ونصف.
 
وصاغ المخرج عمله بناء على مقاربة مسرحية جعلت الحدث هو السمة الطاغية على العرض متخليا بذلك عن مركزية "البطل التقليدي" في الشخصيات التي بدت جميعها على قدر من الأهمية والمساواة في النص واللعب الدرامي، فكلهم أبطال في العرض وكلهم يدفعون بالأحداث في اتجاه ذروتها. أما الميزة الفنية الثانية في مسرحية "الجدار" التي أثارت انتباه المتلقي فهي السينوغرافيا التي حولت الركح إلى فضاء أبيض شديد التجريد تحاصره أبواب وجدران توحي بالانغلاق. وتظهر الشخصيات الجلادة بملامح حيوانية (فيل / خنزير/ قرد) وهو ما يفتح المجال لتأويلات حول انحدار الإنسان نحو المرتبة الحيوانية. كما يطل "الجوكر" متصدرا الفضاء المسرحي دون أن ينطق بكلمة في حضور تجريدي يتحول معه الصمت إلى سلطة تحرك الأحداث.

 



أما الخاصية الفنية الأخرى التي ارتكز عليه العرض، فهي المزج بين موسيقى أوبرالية ومؤثرات صوتية وبين ألعاب الأكروبات وحركات السيرك، ما جعل العمل ينفتح على الثقافة الغربية وعلى مدارس مسرحية عالمية ولا يكتفي بالانغلاق على الثقافة المحلية والعربية.
 
وخلف هذه العناصر الفنية المميزة للمسرحية، يبرز  "الجدار" بوصفه عنصرا ماديا في إشارة إلى منظومة كاملة من الأسوار النفسية والاجتماعية التي تطوّق الفرد وتكبح صوته. فالجدار في العرض كان الحاجز الذي يخفي الحقائق ويفصل الذات عن العالم، وهو الجدار ذاته الذي تتكئ عليه حكايات النسوة اللواتي يروين مآسيهن وكأنه شاهد صامت على العنف المتكرر أو مرآة تعكس ما يحاول المجتمع إخفاءه. ومن هنا يتحول الجدار إلى رمز للمسكوت عنه ولتلك المساحات التي تقفل عليها الأبواب خوفا من مواجهة الحقيقة.
 
ووسط هذا المشهد المغلق، تتوزع حكايات نساء بلا أسماء كل واحدة منهن محاصرة داخل جدارها الخاص: امرأة تسمن قسرا ليستغلها زوجها وأخرى تدفع إلى تبادل الأزواج وثالثة تغتصب تحت التخدير على يد شقيقها الذي يجبرها على الزواج منه ورابعة تحمل من أبيها في عنف متكرر وخامسة يستعبدها سياسي متنفذ وسادسة يشوه رسام وجهها فتقتص منه. وتمتد السلسلة إلى نساء أخريات يعشن قهرا جنسيا وأسريا من طراز آخر.
 
ولا يكتفي العرض بتقديم الضحايا، فهو يطرح سؤالا مؤلما حول تحول البعض منهن إلى جلادات عندما يغيب القانون وتغيب العدالة فتنتهي قصص كثيرة بالقتل أو الانتحار، في صورة لمجتمع يدفع فيه الأفراد إلى حافة العدم. وقد أبرز المخرج في المسرحية كيف يمكن للعنف أن يتحول إلى أمر اعتيادي حين تتكرر مآسيه وتتسطح ردود الفعل تجاهه.

 
وفي ظل هذه القسوة وهذا العنف المستشري، يطل الجوكر في العرض بوصفه سيد المكان يتحرك بين الشخصيات دون أن ينطق بكلمة، في صمت ثقيل يضفي عليه سلطة الحاكم الذي لا يبوح بسره والوجه المتحول الذي يدير الفوضى من خلف الجدران، وهو ما عزز من رمزية الجدار وجعل المتفرج أمام عالم يدار بالصمت أكثر مما يدار بالكلام.
 
وتكشف "الجدار" عن المسكوت عنه في الجسد الاجتماعي العراقي والعربي بشكل عام، فهي تفتح بوابات مغلقة على حكايات نساء بلا أسماء أو هويات واضحة تعرضن لعنف مركب جسدي ونفسي واجتماعي حيث تقف كل امرأة خلف باب يواري مأساة كاملة، لتنتهي معظم الحكايات بقتل المعتدي أو انتحار الضحية، ما يفتح نقاشا واسعا حول غياب القانون وتنامي "العدالة الفردية" في مجتمع يزداد اختناقا.
 
ومع اختتام العرض، يظل السؤال العالق في ذهن المتلقي ماذا يحدث عندما تفقد الضحية أمل العدالة فتنتقم بيدها؟ عندها يدرك أن مسرحية "الجدار" هي صرخة من أجل العدالة وكسر جدار الخوف وفضح المستور.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 319361


babnet
*.*.*