أيام قرطاج المسرحية 2025: مسرحية "سقوط حر" من مصر تعيد اختبار حرية التفكير
مثلت مسرحية “سقوط حر” هذا العام مصر في المسابقة الرسمية للدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية، حيث عاش جمهور المسرح بقاعة الريو بالعاصمة مساء الأحد لحظة مسرحية فارقة أعادت إلى الواجهة سؤالا قديما يتجدد كلما اصطدم العقل بجدار الجمود: كيف يخوض الفكر معركته ضد التقييد وفرض الصمت على الأسئلة؟
العرض، المقتبس عن نص "ميراث الريح" (1955) لجيروم لورانس وروبرت لي، يعود بجذوره إلى محاكمة حقيقية هزت أمريكا سنة 1925، حين وضع معلم في قفص الاتهام لأنه تجرأ ودرس نظرية التطور لطلابه. ورغم مرور ما يقارب القرن على تلك القصة، بدا واضحا للجمهور أن معركة المعرفة لم تحسم بعد، وأن الدفاع عن حق الإنسان في التفكير ما زال ضرورة ملحة في مجتمعات يعلو فيها احيانا صوت التقليد على صوت البحث، ويتقدم فيها الخوف من السؤال على قيمة الاكتشاف.
العرض، المقتبس عن نص "ميراث الريح" (1955) لجيروم لورانس وروبرت لي، يعود بجذوره إلى محاكمة حقيقية هزت أمريكا سنة 1925، حين وضع معلم في قفص الاتهام لأنه تجرأ ودرس نظرية التطور لطلابه. ورغم مرور ما يقارب القرن على تلك القصة، بدا واضحا للجمهور أن معركة المعرفة لم تحسم بعد، وأن الدفاع عن حق الإنسان في التفكير ما زال ضرورة ملحة في مجتمعات يعلو فيها احيانا صوت التقليد على صوت البحث، ويتقدم فيها الخوف من السؤال على قيمة الاكتشاف.
قدم فريق هذا العمل المسرحي وهو من إخراج محمد فرج خشاب ومن تجسيد نقابة المهن التمثيلية بمصر،
سردا مسرحيا مشحونا بالصراع النفسي والفكري، مستفيدا من قرب الجمهور من الممثلين، إذ شكلت القاعة بطريقة تجعل المتفرج جزءا من المحاكمة، كهيئة محلفين تراقب وتشارك وتنفعل مع مسار القصة. هذا التداخل خلق حالة حيوية تشعر المشاهد أنه ليس مجرد متلق، بل طرف أصيل في معركة يشتبك فيها العقل مع القيود، فتتغير حالته تبعا لمنعطفات القضية، مرة يضطرب كالمتهم، ومرة يتردد كالقاضي، ثم يترقب النهاية كأي محلف ينتظر لحظة النطق بالحقيقة.
وبرع الفنان هاني الطمباري في تقديم شخصية المحامي المتأرجحة بين الدفاع عن النصوص الحرفية ومحاولة استيعاب منطق العلم، مانحا الشخصية عمقا نفسيا ظهر في توتراته وانفعالاته المتدرجة. وعلى الجانب الآخر، قدم مصطفى عسكر دور المحامي هنري دراموند بوعي واضح لطبيعة الصراع؛ فكان ميزان العدالة الذي يحاول استرجاع الإنسان إلى مساحة التفكير الحر. أما أحمد أبو زيد، في دور المعلم برترام كيتس، فكان من أبرز مفاجآت العرض، إذ نجح في تجسيد الضغط الداخلي لشخص يقف وحيدا في مواجهة مؤسسة كاملة، وقد تساقطت دموعه في بعض اللحظات لتكشف هشاشة الإنسان عندما يصبح الفكر تهمته الوحيدة.
ولم يكن حضور الطفلين المشاركين في العمل حضورا رمزيا فقد لعبا دورا مؤثرا في بناء الحالة الدرامية، وهو ما يحسب للمخرج محمد فرج الخشاب الذي أحسن توجيههما والحفاظ على الإيقاع النفسي المتصاعد للشخصيات، مما جعل العمل متماسكا متدفقا رغم حساسية النص وصعوبة تنفيذه.
وقد ساهمت العناصر الفنية، من ديكور خالد عمر، وملابس وإكسسوار نورهان جمال، وإضاءة أحمد علاء علي، ودعاية أحمد الجوهري، ومكياج نادين عبد المجيد، إضافة إلى المخرج المنفّذ حسن خالد، في صياغة فضاء بصري يحترم ثقل الفكرة دون مبالغة، ويمنح الممثلين مساحة للانغماس في أدوارهم. كما شارك في تجسيد الشخصيات كل من بهاء الطمباري، آدم وهدان، حسن خالد، سوزي الشيخ، السعيد قابيل، عمرو عثمان، وإسماعيل أحمد.
ويضع العرصض أمام الجمهور سؤالا مازال يتردد منذ قرن: هل يحق للعقل أن يفكر بحرية؟ لقد كان العرض صرخة مسرحية ضد الخضوع للظلام، وانتصارا لفكرة أن العلم لا يسقط… بل يسقط من يصر على تجاهله.











Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 319058