بين المطالبة بالحق في بيئة سليمة وجهود حكومية متواصلة.. يظل ملف التلوث البيئي في قابس التحدي الأكبر

وات -
(تحرير وات / ليلى بن إبراهيم)- عاشت ولاية قابس، اليوم الثلاثاء، على وقع إضراب عام جهوي، دعت إليه الهيئة الادارية للاتحاد العام الجهوي للشغل، إثر اجتماعها المنعقد يوم السبت الماضي، على خلفية تردي الوضع البيئي بالجهة، ودفاعا عن حق الولاية ومتساكنيها في بيئة نظيفة وصحة سليمة.
وقال عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل سليم الناصفي لصحفي /وات/ بقابس، إن الاستجابة للاضراب العام الجهوي الذي دعا اليه الاتحاد الجهوي للشغل، كانت اليوم في حدود 95 بالمائة بمنطقة قابس الكبرى، مبيّنا أن العمل قد تواصل ببعض القطاعات الحيوية لتأمين الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون، من بينها خدمات الاستعجالي.
وقال عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل سليم الناصفي لصحفي /وات/ بقابس، إن الاستجابة للاضراب العام الجهوي الذي دعا اليه الاتحاد الجهوي للشغل، كانت اليوم في حدود 95 بالمائة بمنطقة قابس الكبرى، مبيّنا أن العمل قد تواصل ببعض القطاعات الحيوية لتأمين الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون، من بينها خدمات الاستعجالي.
أما الدروس بالمؤسسات التربوية والجامعية فقد تعطلت، واغلقت كذلك الفضاءات التجارية الكبرى والأسواق والمتاجر والمقاهي أبوابها بمنطقة قابس، وبدت الحركة شبه متوقفة بشوارع المدينة، وفق ما عاينه صحفي /وات/.
كما انتظمت، بعد ظهر اليوم بمدينة قابس، مسيرة شارك فيها عدد غفير من المواطنين ومن ممثلي المجتمع المدني بالجهة، طالبوا فيها بتفكيك الوحدات الصناعية الملوّثة التابعة للمجمع الكيميائي التونسي، وضمان حقّهم في العيش في بيئة سليمة وفي تنفسّ هواء نقي خال من الغازات السامّة.
وحمّل المتظاهرون الحكومات المتعاقبة، والمجمع الكيميائي التونسي، ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة، المسؤولية الكاملة في ما آلت اليه الأوضاع البيئية والصناعية بمنطقة قابس الكبرى، "نتيجة التسويف في التعامل مع الملف البيئي بالجهة على امتداد عقود، وتفويت فرصة معالجة هذا الملف معالجة جذرية منذ وقت طويل"، وفق تقديرهم.
وفي لقائه بوزيرة الصناعة والمناجم والطّاقة ووزير البيئة، يوم 11 من أكتوبر الجاري، حول الوضع البيئي بقابس، شدد رئيس الجمهورية قيس سعّد على الإسراع بارساء خطّة استراتيجيّة لوضع حدّ نهائي لهذه الكوارث البيئيّة تكون مستوحاة من الخطّة التي أعدّها شباب قابس منذ أكثر من عقد من الزمن، مسديا تعليماته بتوجيه فريق مشترك من الوزارتين المذكورتين إلى معمل الحامض الفسفوري بالمجمع الكيميائي بقابس لإصلاح ما يجب إصلاحه في أسرع الأوقات.
وأكد أنّه يتابع الوضع بصفة مستمرّة، وأنّه تمّ الوقوف على عديد الإخلالات سواء في عمليّات الصيانة والتّشغيل التي أدّت إلى تسرّبات الغاز، أو في مستوى عدم اجراء الإختبارات المطلوبة على المعدّات في المواعيد المحدّدة من قبل مختصّين معتمدين.
وكان المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل طالب في بيان له يوم 1 أكتوبر الجاري، بعقد مجلس وزاري لحل مشاكل ولاية قابس، داعيا كافة منظوريه العاملين بالمنطقة الصناعية الى تنفيذ وقفة احتجاجية بساعة بمقر العمل يوم 2 أكتوبر، دفاعا عن الوضع البيئي بالجهة، بسبب تفاقم الانبعاثات الغازية جراء عدم صيانة المعدات والتجهيزات وتجاوز العمر الافتراضي لبعض المعامل، بما جعل الجهة في وضع خطير تجاوز التلوث وأصبح يهدد مباشرة حياة الانسان.
ويأتي هذا الاضراب العام الجهوي وهذه المسيرة الجهوية، ليدعما الحراك الاجتماعي الذي تشهده الجهة في المدة الأخيرة احتجاجا على الوضع البيئي المتردي، حيث تعيش مدينة قابس والمناطق المتاخمة للمنطقة الصناعية بالجهة وخاصة منها غنوش وشاطئ السلام والطوق حالة من "القلق والغضب" جراء الانبعاثات الغازية لمعامل المجمع الكيميائي التونسي، التي تسببت مؤخرا في اختناق العديد من المواطنين والتلاميذ، مما استوجب نقلهم للمؤسسات الاستشفائية لتلقي الاسعافات الطبية اللازمة.
وضم أعضاء مجلس نواب الشعب، أصواتهم الى صوت أهالي قابس، خلال الجلسة العامة الحوارية المنعقدة أمس الاثنين، بحضور ممثلي الحكومة وزيري الصحة مصطفى الفرجاني والتجهيز والاسكان صلاح الزواري، حيث دعوا إلى اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة ومتوسطة المدى للحدّ من تدهور الوضع البيئي في قابس ودعم البحث العلمي في المجال، وتثمين مادة الفوسفوجيبس والقطع مع البيروقراطية المعطلة للحد من الانبعاثات الغازية السامة والتلوث البيئي بالجهة، مطالبين بالإفراج الفوري عن الموقوفين على خلفية الاحتجاجات على تدهور الوضع.
واعتبروا أنّ الأوضاع البيئية والصحية والاجتماعية بولاية قابس "مقلقة للغاية"، وأن التحركات الاحتجاجية السلمية الأخيرة تترجم مدى "نفاذ صبر" المتساكنين مما اعتبروه "سياسات التسويف والتهميش لعقود من الزمن مارستها الحكومات السياسية المتعاقبة"، لافتين إلى تذيل الجهة أدنى المراتب مقارنة مع بقية الولايات على مستوى مؤشرات التنمية والتشغيل.
ويطالب أهالي قابس في احتجاجاتهم بإغلاق الوحدات الصناعية الملوثة وتركيز وحدات جديدة بعيدة عن السكان، وبارساء منوال تنموي جديد يحافظ على استدامة التنمية، بما يضع حدا للتلوث الصناعي ويضمن الحق الدستوري للمواطنين في تنفس هواء نقي والعيش في بيئة سليمة، الى جانب النهوض بالقطاع الصحي، بما يمكن من توفير خدمات صحية جيدة للمواطنين.
وكان رئيس الدّولة قيس سعيّد، أكد خلال لقائه يوم 4 مارس 2025 بقصر قرطاج، بوزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة ثابت شيبوب، على ضرورة إيجاد حلّ نهائي لـ"الفوسفوجيبس" بقابس، مشيرا إلى إمكانية استغلاله دون أيّ أثر سلبي على البيئة، ومذكّرا بالدراسات التي قام بها مهندسون وأخصّائيون بقابس منذ أكثر من عشر سنوات تُثبت بالحُجّة العلمية جدّية هذا الاختيار وسلامته.
وانعقد إثر ذلك مجلس وزاري مضيّق يوم 5 مارس الفارط، خصّص للنّظر في البرنامج المستقبلي لتطوير إنتاج ونقل وتحويل الفسفاط خلال الفترة 2025-2030 والوضعيّة الحاليّة للمجمع الكيميائي التّونسي وبرنامج عمله لنفس الفترة، أقرّ إنشاء وحدات لتثمين إفرازات الفليور على مستوى وحدات إنتاج الحامض الفسفوري بقابس والصخيرة والمظيلة.
كما أقر المجلس الوزاري المضيق تركيز محطات لمعالجة الافرازات المنبعثة من وحدات إنتاج الحامض الفسفوري بقابس بهدف تحسين الوضع البيئي، إضافة إلى "حذف الفسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة وادراجه كمادة منتجة"، واستعمالها في مجالات متعددة بشروط مضبوطة، بهدف الاستفادة منها دون الإضرار بالبيئة، لينتهي بذلك تصنيفا قائما اقرته الدولة التونسية في 10 اكتوبر 2000 نصّ على ادراج الفوسفوجين ضمن قائمة النفايات الخطرة.
ولدى لقائه برئيس مجلس نواب الشّعب إبراهيم بودربالة ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم عماد الدربالي يوم 17 أكتوبر الجاري، تطرق رئيس الدولة مجددا إلى الوضع البيئي بمدينة قابس، حيث أكّد على متابعته المستمرّة للأحداث التي تشهدها الجهة، مشدّدا على أنّ معالجتها لا يمكن أن تتمّ وفق مقاربات تقليدية، وأنّ العمل جارِ بهدف إيجاد حلول عاجلة آنيّة للتلوّث إلى حين وضع استراتيجيّة شاملة لا في قابس فحسب، بل في كلّ مناطق الجمهوريّة.
ورغم ما تبرزه هذه الخطوات من حرص على ضرورة الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والبيئة، من خلال تحديث البنية التحتية وتطبيق معايير السلامة البيئية مع استمرار النشاط الاقتصادي للمجمع الكيميائي، الذي يوفر آلاف فرص العمل، فإنّ ما يعيشه الأهالي من تتالي حالات الاختناق في صفوف التلاميذ جعلت المطالب تتصاعد في خصوص تفكيك الوحدات الملوثة المرتبطة بإفراز الفوسفوجيبس.
ومعلوم أن مادّة "الفوسفوجيبس" أو "الجبس الفوسفاطي" وفق تعريفات متقاطعة، هي مادة كيميائية تتمثل في النفايات التي يتم إفرازها بعد المعالجة الصناعية للفسفاط الطبيعي، بهدف إنتاج الحامض الفوسفوري والأسمدة الفسفاطية، تَخرج في شكل رواسب رطبة بعد معالجة الفسفاط بحمض الكبريتيك.
وفي هذا الجانب انتقدت حملة "أوقفوا التلوث" في بيان سابق لها، ما ورد في خصوص إخراج مادة الفوسفوجيبس من قائمة المواد الخطرة، وإقرار مشروع تركيز وحدة لإنتاج الأمونيا بالمنطقة الصناعية بقابس. كما تعالت المطالب بتنفيذ القرار الصادر عن مجلس الوزاري المضيق ليوم 29 جوان 2017، والمتعلّق بإيقاف سكب مادة الفوسفوجيبس في البحر بقابس، وتفكيك الوحدات الملوثة المرتبطة بإفراز الفوسفوجيبس.
وأقر المجلس الوزاري المضيّق آنذاك (2017)، خيارا بديلا يتمثل في إحداث وحدات صناعيّة جديدة تحترم المعايير الوطنية والدوليّة في السلامة البيئية، وذلك داخل حدود ولاية قابس في موقع يتم تحديده بناء على معطيات تراعي البعد عن التجمعات السكنية وتفادي أي مساس بالمائدة المائية، مع احترام كافة المقتضيات البيئية وتحري وجود طبقات جيولوجية عازلة ومراعاة القبول المجتمعي للمشروع.
كما تقررخلاله أيضا، إحداث لجنة قيادة وطنية صلب رئاسة الحكومة، تضم كافة الأطراف المتدخلة قصد التوجيه والمتابعة، واتخاذ الإجراءات المناسبة لتسريع الانجاز واحترام الآجال المقررة.
من ناحيته، استعرض وزير التجهيز والإسكان صلاح الزواري، خلال الجلسة العامة الحوارية المنعقدة أمس الإثنين بالبرلمان، أبرز المشاريع الجارية التي تهدف الى الحدّ من الانبعاثات الغازية لوحدات المجمع الكيميائي في قابس، مؤكدا أن الوضع البيئي "الحرج" يستوجب اتخاذ تدابير عاجلة، من بينها التفاوض المباشر لتعيين مقاولات مختصة للإسراع في إنجاز المشاريع، والتعاون مع شركات صينية لمعالجة الانبعاثات، إضافة إلى إيقاف سكب الفسفوجبس في البحر، وإنشاء موقع تخزين مراقب والعمل على تثمينه في مواد البناء
ودعا إلى استكمال مشروع الحد من انبعاث NOX من وحدة الحامض النتريكي الذي بلغت نسبة إنجازه 98% قبل نهاية سنة 2025، موضّحا أن قطاع الفسفاط يوفر حوالي 14 ألف موطن شغل مباشر ويغذي الفلاحة التونسية بالأسمدة اللازمة و أن عديد المشاريع البيئية التي انطلقت منذ سنوات لم تكتمل بعد، وهو ما ساهم في تفاقم الوضع البيئي.
وإزاء الأصوات المتعالية لأهالي قابس المطالبة بحقوقهم الدستورية المشروعة في بيئة سليمة تحافظ على سلامتهم الجسدية وتوفر لهم مقومات العيش الكريم .. والإجراءات المقررة من قبل الحكومة من أجل حلحلة هذا الملف الشائك، يظل المجمع الكيميائي التونسي بقابس "التحدي الأكبر" أمام الحكومات المتعاقية منذ إنشائه في سبعينات القرن الماضي والى غاية اليوم، نظرا لصعوبة تحقيق المعادلة بين وضع بيئي سليم والحفاظ على واحدة من أبرز المؤسسات الصناعية المشغلة في الجهة.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 317062