التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/61cb0169143040.32110467_gfnejilqmhokp.jpg width=100 align=left border=0>


وات - /تحرير خديجة البوسالمي/- صدرت، أياما، قليلة بعد زيارة رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الى تونس بيانات عن التعاون الاقتصادي بين البلدين للأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري التي أبرزت وجود تعاون تجاري تستفيد منه تونس، لكن المراقبين يعتقدون انه الى جانب هذا التعاون امتلك البلدان طاقة تفاوض أتاحت مناقشة عديد المسائل الهامة وفي مقدمتها الهجرة غير النظامية والاستفادة من فوائض الطاقة .
وغير بعيد عن هذه العلاقات المتجهة نحو التطور، من خلال تبادل الزيارات على أعلى المستويات، ترى أوساط المال والاعمال على غرار كنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية، كوناكت، ان الفرصة متوفرة للتخطيط قصد الاستفادة من مناخ التفاهم مع الجانب الايطالي لدفع عجلة الاستثمار سواء من خلال جذب استثمارات مشتركة او البحث عن افاق جديدة للتعاون متعدد الاطراف.


التجارة والاستثمار: وقود تعاون تقليدي



سجلت المبادلات التجارية بين تونس وايطاليا في سنة 2025 تحسنا ملحوظا اذ بلغ إجمالي المبادلات 3ر10452 مليون دينار و بلغت صادرات تونس نحو روما خلال النصف الأول من السنة الجارية 6ر5575 مليون دينار مقابل واردات ب8ر4876 مليون دينار.
هذه المعطيات، جعلت وفق مدير مكتب مركز النهوض بالصادرات بميلانو (إيطاليا) أنيس باسطي، الميزان التجاري التونسي الايطالي ايجابي لفائدة تونس اذ بلغت نسبة تغطية الصادرات بالواردات خلال الخمسة اشهر الاولى من السنة الحالية 115 بالمائة.
لكن وردات تونس، من ايطاليا، ليست منتجات نهائية او كماليات بل موادّ اولية ضرورية لاسيما للقطاعين الصناعي والفلاحي. ومن هذه المنتوجات بالخصوص المنتوجات البترولية والأقمشة والجلد والآلات الفلاحية، وفق ممثل دار المصدر بميلانو.
وتضخ تونس في السوق الايطالية، الصناعات الميكانيكية والكهربائية (كوابل السيارات الكهربائية والأجهزة الطبية وعدادات الكهرباء والمعدات الكهربائية) بنسبة 5ر36 بالمائة .
وتصل المنسوجات التونسية الى السوق الايطالية بنسبة 22ر21 بالمائة الى جانب قائمة صناعات أخرى متنوعة على غرار المنتجات البلاستيكية، الهيدروكربونات، والآلات الطبية والمواد الكيميائية غير العضوية والزجاج ومنتجاته والأثاث ومنتجات السيراميك) بنسبة 1ر19 بالمائة .
وما تزال ايطاليا ،بلاد الموضة، تستورد من تونس الجلود والأحذية بنسبة 3ر11 بالمائة والصناعات الغذائية كما انها تورد رغم احتلالها المراتب الاولى في انتاج زيت الزيتون، كميات هامة من زيت الزيتون والأسماك والمحار والتمور والطماطم المجففة والخضراوات الطازجة) بنسبة 7ر11 بالمائة.
هذه الأرقام الهامة تدفع تمثيلية مركز النهوض بالصادرت بميلانو الى بذل المزيد من الجهود لتطوير المبادلات التجارية بين تونس وايطاليا وتعزيز حضور مختلف المنتجات التونسية بهذه السوق وفق الباسطي.
ويعمل القائمون على التمثلية بتشخيص الفرص التصديرية المتاحة للمصدرين التونسيين وتقديم الدعم والمساندة وحسن التأطير للمؤسّسات المصدرة من خلال توفير المعلومات المتعلقة بخصوصيات السوق الايطالية والمواد التي تورده والزيارات الاستكشافية والمشاركة في المعارض والصالونات المتخصصة مع القيام بعمليات تقييم ومتابعة على ضوء التغيرات التي تحدث في هذه الأسواق حتى يكون الفاعلين الاقتصاديين على اطلاع بالمستجدات والتكيف وفقها.
وتولي السلطات الايطالية ،وفق الباسطي، اهمية كبرى لتونس على كل المستويات لاسيما الاقتصادي من خلال تدعيم الشراكة الاقتصادية مع تونس بالخصوص والبلدان الافريقية، خاصة في مجال الطاقة والمؤسسات الناشئة والذكاء الاصطناعي والمجال الفلاحي . وتطورت العلاقات التونسية الايطالية الى مرتبة الشراكة الاستراتيجية خاصة بعد جائحة كوفيد 19 والحرب الروسية الاكرانية بعدما اصبح توجهها اكثر للشركاء الأورومتوسطين بعد الاسيويين .
ويرى الباسطي، ان الشراكة بين تونس وإيطاليا، جزءا من ديناميكية تعاون مستدامة، ترسخت على مدى عقود لدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في تونس.

//القطاع الخاص: كل الطرق تؤدي الى روما
تعتبر كنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية، كوناكت ، التي تمثل طيفا هاما من المستثمرين ورجال الأعمال، في تونس على لسان بلال بن حميدة، احد أعضائها ،ان ايطاليا تبقى شريكا استراتيجيا لتونس.
ويولي رجال الأعمال المنضوون تحت لواء الكنفدرالية اهتماما كبيرا للسوق الايطالية سواء على مستوى التعاون الجاري القائم على تبادل السلع او الاستثماري المتعلق بضخ التمويلات في مشاريع مشتركة او متعددة الاطراف، وفق ممثل كوناكت .
وتسعى كوناكت في اطار الاهتمام بالسوق الايطالية الى تنظيم بعثة تضم عددا من اصحاب وصاحبات الاعمال الى ايطاليا للمشاركة في الصالون الدولي بريميني خلال شهر أكتوبر المقبل. وضمن أجندا التعاون التونسي الايطالي تخطط كوناكت الدولية لتنظم بتونس منتدى استثمار بالشراكة مع منظمة الأعراف الايطالية.
واكد ممثل منظمة الاعراف كوناكت في هذا الاطار اهمية الزيارات الحكومية الايطالية الى تونس التي تبرز اهتمام الجانب الايطالي، ملاحظا ان إيطاليا هي المزود الرئيسي و ثاني أكبر مورد لتونس.
ويبلغ حجم التبادل التجاري الثنائي بين البلدين حوالي 1ر7 مليار أورو، وفق معطيات سفارة ايطاليا بتونس، كما يمثل البلد المستثمر الثاني في تونس خاصة ان حجم استثماراته الأجنبية في السوق المحلية تبلغ نسبة 16 بالمائة.
وتضمّ تونس 1000 شركة ايطالية ناشطة في قطاعات مختلفة تشغل حوالي 83 الف موطن شخص. وقد ساهم مناخ الأعمال على المستوى الوطني، وفرص الاستثمار المُتاحة للمستثمرين الإيطاليين، في تعزيز هذا التعاون، في ظلّ اهتمام تونس المتزايد بجذب المزيد من الاستثمارات الإيطالية.

//التكوين المهني : تأشيرة عبور قانونية
في اطار محاصرة ظاهرة الهجرة غير النظامية، وقّعت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" والوكالة الإيطالية للتعاون من أجل التنمية، يوم 21 جوان 2025 اتفاقية تمويل بقيمة 5ر6 مليون أورو، لإطلاق مشروع "تونس المهنية - تعزيز التشغيل في تونس من خلال تكوين مهني ديناميكي".
ويهدف المشروع الى تعزيز ملف تشغيل الشباب في تونس، والذي لطالما كان على طاولة التفاوض بين المسؤولين في تونس وروما في محاولة لتقنين هجرة اليد العاملة التونسيين بشكل شرعي وارساء مقاربة فعالة لهجرة الكفاءات.
ويهدف المشروع المموّل بالكامل من قبل الحكومة الإيطالية والذي ينفّذ على مدى 3 سنوات، إلى تعزيز قابلية تشغيل الشباب في تونس من خلال تحديث وإعادة إحياء منظومة التكوين المهني الوطني، وسيركز على تحسين جودة التكوين المهني وتيسير الوصول إليه وملاءمته مع متطلبات سوق العمل، لا سيما لفائدة الشباب والنساء. كما سيتم في إطار هذا المشروع دعم تحديث مراكز التكوين، وإدخال طرق بيداغوجية مبتكرة، وتعزيز الشراكة بين المؤسسات العمومية والقطاع الخاص.
ويعبر المشروع وفق سفير ايطاليا بتونس عن التزام حكومة بلاده بالمساهمة في دعم قطاع التكوين المهني بالشراكة مع السلطات التونسية، مبيّنا أن هذه المبادرة الجديدة مع منظمة اليونيدو، المنسجمة مع "خطة ماتيي لإفريقيا" والمتناغمة مع رؤية تونس 2035 ومع الاستراتيجيات الوطنية في مجالات التشغيل، والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب، والتنمية الاقتصادية، ستُتيح فتح آفاق فعلية ومستدامة للشباب التونسي، وتكوين يد عاملة مؤهلة، وتوسيع فرص العمل اللائق.

ألماد : مشروع إقليمي للاستفادة من فوائض الطاقة

يتوقع الخبراء ان يساهم مشروع الربط الكهربائي بين تونس وايطاليا "الماد" المتوقع دخوله حيز الاستغلال سنة 2028 بالخصوص في تعزيز استقرار إمدادات الكهرباء في تونس بفضل نقل الطاقة بين تونس وايطاليا عبر كابل بحري عالي الجهد 400 كيلوفولت بقدرة 600 ميغاوات يمتد على مسافة 200 كلم وسيوفر فرصة كبيرة لتونس لتصدير الطاقة المتجددة الى ايطاليا والى اوروبا .
ويبدو ان الخط البحري في إطار مشروع الربط الكهربائي بين تونس وايطاليا" ألماد" قد تم مده خلال شهر جويلية في ظل خطط لسحب القروض سيكون مع موفى 2026 وذلك حسب تقدم المشروع، وفق بيانات قدمها الرئيس المدير العام للشركة التونسية للكهرباء والغاز فيصل طريفة والوفد المرافق له، خلال جلسة استماع عقدتها لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب موفي جوان 2025.
لكن المشروع يواجه عدة صعوبات من بينها نقص الخبرة مما تطلب اللجوء إلى مكاتب خبرة أجنبية وتسبب في بعض التأخير في البداية إضافة إلى بعض المشاكل المتصلة بتغيير ملكية الاراضي .
وأفادوا بأنّ المشروع سيساهم في تطوير مبادلات الطاقة الكهربائية بين ضفتي المتوسط عن طريق الربط ثنائي الاتجاه بقدرة 600 ميغاواط، وتعزيز استقرارية المنظومة الكهربائية التونسية، بالإضافة إلى شبكة الترابط الكهربائي مع الجزائر والمساهمة في مواجهة ارتفاع الطلب خلال الذروة الصيفية.
وسيدعم "ألماد"، ، التعاون في قطاع الطاقة عبر البحر الأبيض المتوسط، الذي انطلق فعليا سنة 1977، من خلال مد خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر المتوسط "ترانسميد" على امتداد 2475 كيلومترا، من الجزائر نحو إيطاليا مرورا بتونس (370 كيلومترا.(
وتشير بيانات الشركة الايطالية لنقل الكهرباء "تارنا" أن مشروع "ألماد" سيمكن ايطاليا من تلبية حاجيات سكانها من الكهرباء، التي بلغت 3ر31 مليار كيلووات/ساعة مع موفى جويلية 2024، أي بزيادة قدرها 5ر4 بالمائة مقارنة بجويلية 2023.
وسيضمن هذا الربط الكهربائي المباشر الأول بين أوروبا وإفريقيا، الذي قامت به الشركة التونسية للكهرباء والغاز ونظيرتها الإيطالية "تارنا"، عمليات التزود بالكهرباء، من خلال التقليص في الطلب خلال فصل الصيف، باعتباره فترة الذروة، في ظل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية.، وفق الغرفة النقابية الوطنية للطاقة الفوطوضوئية باتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
وسيتيح مشروع "ألماد" لتونس، من جهة أخرى، فرصة تصدير الطاقة الخضراء نحو أوروبا.
وشدد الخبراء، خلال تظاهرة موازية للمعرض الدولي بريميني، على ضرورة تطوير الطاقات المتجددة على نطاق واسع وتعصير الشبكات الكهربائية والاستثمارات في حلول تخزين لضمان حصول العالم على كهرباء موثوق وآمن وبأسعار معقولة.
ويرى الفاعلون التونسييون والإيطاليون أن مد الكابل البحري عالي الجهد بقدرة 600 ميغاواط بتقنية التيار المستمر، من محطة "بارتانا" في صقلية إلى محطة الملاعب بالمنطقة الصناعية بمنزل تميم (الوطن القبلي) على امتداد 220 كلم، ضمن مشروع "ألماد"، سيعزز إدماج الأنظمة الطاقية الأوروبية في شمال إفريقيا الى جانب الى استخدام مصادر الطاقة بنجاعة والترفيع في مرونة اشتغال الأنظمة الكهربائية.
ويشمل التعاون التونسي الايطالي عدة مشاريع كبرى على غرار "منطقة تارنا للابتكار"الهادفة إلى تحقيق الاستدامة الطاقية بين البلدين من خلال إطلاق منصّة لتعزيز الابتكار والتفاعل بين الجامعات ومراكز البحث والمؤسسات والمؤسسات الناشئة.
وستعمل كمختبر فكري لتوليد وتطوير واختبار أفكار جديدة في مجال الطاقة. كما ستساهم في تطوير مشاريع مبتكرة تواكب التوجهات التكنولوجية الجديدة في المجال الطاقي وترسّخ ثقافة الابتكار ، إلى جانب وضع الخبرات الايطالية في مجال النقل البحري للكهرباء على ذمة فنيي وتقنيي الشركة التونسية للكهرباء والغاز.
كما تتضمن المشاريع الكبرى مشروع "تانيت" الرامي الى تحديث القطاع الفلاحي التونسي وتحسين التصرف في الموارد المائية وتعزيز الابتكار في قطاع الأغذية الزراعية.
وتمثل المشاريع الكبرى التي تندرج في اطار التعاون التونسي الايطالي، خطوة مهمة في التعاون الثنائي بين البلدين، معززة دور إيطاليا كشريك استراتيجي لتونس في مسيرة التحول إلى اقتصاد مستدام وقادر على الصمود.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 312821


babnet
*.*.*
All Radio in One