مشروع قانون المالية 2026: سلم اجتماعي عاجل مقابل كلفة اقتصادية طويلة الأمد

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68f49318784b56.96695885_lqjmekfiognph.jpg width=100 align=left border=0>


خصّص برنامج «Club Eco» على إذاعة «إكسبراس أف أم» حلقة السبت لتحليل مشروع قانون المالية لسنة 2026، بحضور سفيان بن عبيد رئيس الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية، والمستشار الجبائي أنيس بن سعيد، والخبير في الاقتصاد والتنمية جمال عويديدي. وقد تنقّل النقاش من تفاصيل الجباية وتمويل الميزانية إلى ملف التلوّث في قابس، بعد موجات الاختناق الأخيرة ومطالب المجتمع المدني بإيقاف الوحدات الملوِّثة.

«شراء وقتٍ وسِلم اجتماعي» بثمنٍ اقتصادي؟


اعتبر سفيان بن عبيد أن الحكومة «تشتري الوقت والسلم الاجتماعي»، غير أن الفاتورة «باهضة» على حدّ تعبيره، في إشارة إلى الاعتماد المتزايد على تمويل الميزانية عبر البنك المركزي. فبعد 7 مليارات دينار في 2024 و2025، يقترح مشروع 2026 تسهيلات بـ11 مليار دينار للخزينة، دون فائدة موظّفة ومع آجال سداد طويلة.



ويرى بن عبيد أن هذا المسار، إن واصل منحاه التصاعدي، يهدّد بتوسّع التضخّم وإضعاف الدينار إذا لم تُوجَّه السيولة إلى الاستثمار المنتج.

من جانبه، سجّل أنيس بن سعيد «نقطة إيجابية وحيدة» وهي محدودية نموّ نفقات الدولة (نحو 1.8%) مقارنة بالسنوات السابقة، لكنه انتقد «الصياغة الأدبية والإنشائية» للمشروع وغياب رؤية اقتصادية قابلة للتنفيذ، قائلاً إنّ إعداد النص «بقي إداريًا محضًا لا يراعي الواقع».

أما جمال عويديدي فاعتبر أن الوثيقة «محاسبية أكثر منها اقتصادية»، ولا تحمل محرّكات نموّ واضحة، داعيًا إلى العودة لمخططات تنمية بآفاق صناعية وزراعية، تحقق نموًا يفوق 4% كشرط لامتصاص البطالة وتمويل المنظومات الاجتماعية.

أين سنقترض من الخارج؟

طرح بن عبيد سؤالًا عمليًا: من أين ستأتي قروض الخارج المبرمجة بنحو 6.8 مليار دينار؟ وهل سيُغطّي الفارق بين الاقتراض الخارجي وخلاص أصل الدين الخارجي تحويلات التونسيين بالخارج والصادرات؟
في السياق نفسه، ذكّر عويديدي بأن القاعدة التاريخية كانت تسمح بتسبقة من البنك المركزي لا تتجاوز 10% من المداخيل الجبائية، وأن تعميم التمويل المباشر دون سقوف واضحة «يدفع البنوك للتخلّي عن المخاطر الإنتاجية» لصالح إقراض الدولة، بما يعمّق «التصحّر الصناعي».

ضرائب صغيرة بلا إصلاح كبير

أثار الضيوف حزمة الإجراءات «الصغيرة» في مشروع 2026، معتبرين أنها لا تعوّض الحاجة إلى إصلاح جبائي وهيكلي شامل:

* معلوم على فواتير المساحات الكبرى:
1.5 دينار للفاتورة بين 50 و100 دينار، و2 دينار لما يفوق 100 دينار.
أوضح بن سعيد أنّ الإجراء يخصّ الفواتير الجبائية (للشركات والمهنيين أو أي طالب فاتورة)، لا «تيكي الكاس» للمستهلك العادي. لكنه رأى أن الفلسفة معاكسة لغاية تشجيع الفوترة ومقاومة الاقتصاد الموازي.

* 100 مليم على شحن الهاتف ابتداءً من 5 دنانير، و40% على ثمن المشاركة في الألعاب والمسابقات.
وصفها المتحاورون بأنها «جبايات متفرقة» لا تصنع توازنًا ماليًا ولا إصلاحًا.

* الضريبة على الثروة:
نسب بـ0.5% بين 3 و5 ملايين دينار، و1% لما فوق 5 ملايين، مع استثناء المسكن الرئيسي وبعض الأصول المهنية.
بن سعيد حذّر من شبهة ازدواج ضريبي وتعقيد التطبيق، داعيًا إلى نشر معطيات دقيقة حول عدد الخاضعين والعائد المنتظر «حتى لا تبقى نصًا رمزيًا ثقيل الكلفة».

* العودة إلى النقد؟
نبّه الضيوف إلى أن التراجع عن تجريم حمل مبالغ نقدية كبيرة قد يعيد تدوير «الكاش»، ودعوا إلى تسريع الدفع الإلكتروني وإصلاح قانون الشيكات ونصوصه التطبيقية.

صناديق اجتماعية… بلا تقييم علني

هاجم المتحدثون تمديد المساهمة التضامنية على الشركات خلافًا لِطابعها «الظرفي» الأصلي، مع غياب تقييم علني لعائداتها على خدمات الصناديق. واقترحوا حلولًا عملية لتوسيع القاعدة بدل رفع الضغط، منها إتاوة سنوية رمزية على أصحاب النظام التقديري مقابل خدمات تبسيطية ورقمية.

نقاط اعتبروها «مضيئة»

* إعفاء نقل العمال لدى المؤسسات الصناعية من الضريبة على الأجر؛ ودعا بن عبيد لتعميمه على بعض الخدمات ومواءمته مع CNSS حتى لا يُحتسب كمنحة خاضعة للاشتراكات.
* تحريك بعض صناديق الخزينة لتمويل مشاريع عمومية اجتماعية (سكن، نقل، ماء…)، مع التشديد على ضرورة نشر بيانات شفافة ودورية عن الأرصدة والاستخدامات.
* دعم تعليب زيت الزيتون محليًا، مع تفضيل تفعيل الصناديق القائمة بدل تشتيت الأدوات.

تحذير: «هيبات للشركات الأهلية» وثغرات محتملة

لفت بن عبيد إلى أن إعفاء الهبات الممنوحة للشركات الأهلية من الضريبة على أرباح المنشآت المانحة قد يفتح ثغرات لتبييض أموال أو توزيع أرباح مقنّعة إن غابت الضوابط (سقوف، منع توزيع على المنخرطين، حوكمة وتتبّع). وطالب البرلمان بتشديد الصياغة الرقابية.

قابس… حين تصبح البيئة مسألة حياة

في الساعة الثانية، فرض ملف قابس نفسه بعد موجات اختناق جماعي في غنوش وشطّ السلام.
الناشط خيري دبية (Stop Pollution) قدّم شهادات عن تهالك الوحدات وتجاوزها العمر الافتراضي، مستندًا إلى تقارير تدقيق منشورة تظهر «لا مطابقة» واسعة لمعايير السلامة والبيئة. وطالب بـإيقاف فوري للتسربات، وتفعيل قرار 2017 بتفكيك الوحدات الملوِّثة، وفتح تحقيقات حول الإخلالات بدل «المقاربة الأمنية» تجاه المحتجّين.

أنيس بن سعيد دعا إلى إعلان قابس منطقة تنمية خاصة بحوافز قوية تعوّض الكلفة البيئية والاجتماعية، فيما اقترح جمال عويديدي مسارًا من مرحلتين:

1. وقف الخطر العاجل والاستثمار الاضطراري لمعالجة الانبعاثات والفوسفوجيبس؛
2. بناء مركّب بديل نظيف خارج التجمعات، بخطة انتقال وتشغيل تحفظ حقوق الأعوان والسكان.


يُجمع ضيوف «Club Eco» على أن مشروع قانون المالية 2026 محاسبي الطابع ويفتقر إلى محرّكات نموّ واضحة، وأن التمويل المباشر من البنك المركزي لا يجب أن يتحوّل إلى قاعدة دائمة، بل إلى أداة ظرفية تُوجَّه حصراً للاستثمار.
«الضرائب الصغيرة» لا تعوّض إصلاحًا جبائيًا وهيكليًا: رقمنة الدفع، تبسيط القواعد، توسيع القاعدة، وتقييم دوري شفاف. أمّا في قابس، فالمعادلة بيّنة: لا تنمية بلا حقّ في الحياة وبيئة سليمة، والحلّ في استثمار ذكي وانتقال عادل لا في التأجيل والقمع.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 316907


babnet
*.*.*
All Radio in One