في الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة: متى يتخلّص العالم من هيمنة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية؟
بقلم ريم بالخذيري
في الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، التي توافق اليوم 24 أكتوبر، يجد العالم نفسه أمام محطة رمزية تستدعي التقييم العميق لتجربة منظمة قامت أساسًا على أنقاض حرب عالمية مدمّرة، لتكون حارسًا للسلم والأمن الدوليين، وضامنًا لحقوق الإنسان، ومنبرًا للتعاون بين الشعوب.
في الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، التي توافق اليوم 24 أكتوبر، يجد العالم نفسه أمام محطة رمزية تستدعي التقييم العميق لتجربة منظمة قامت أساسًا على أنقاض حرب عالمية مدمّرة، لتكون حارسًا للسلم والأمن الدوليين، وضامنًا لحقوق الإنسان، ومنبرًا للتعاون بين الشعوب.
ثمانون عامًا مرّت على ميلاد هذه المنظمة التي جمعت تحت رايتها معظم دول العالم، (بدأت العضوية بـ51 دولة عند تأسيسها عام 1945، وتوسعت لتشمل 193 دولة اليوم)، وسعت إلى نشر ثقافة الحوار بدل الصراع، والعدالة بدل شريعة الغاب، والتنمية بدل التفاوت والفقر.

لا يمكن إنكار ما قدّمته الأمم المتحدة للبشرية من إنجازات ملموسة: من برامجها الصحية عبر منظمة الصحة العالمية، إلى جهودها في محاربة الجوع والفقر من خلال برنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومن إسهاماتها في ترسيخ القانون الدولي وحقوق الإنسان، إلى دعمها لقضايا الشعوب في التحرّر وتقرير المصير. لقد كانت الأمم المتحدة، رغم كل عثراتها، صمّام أمان في لحظات التوتر الكبرى، وصوتًا للضمير الإنساني في مواجهة الحروب والمجاعات والكوارث.
لكن هذه المنظمة لم تخلُ من نواقصها العميقة، وفي مقدمتها هيمنة الدول الخمس الكبرى على مجلس الأمن الدولي، وهيمنة حق النقض (الفيتو) الذي حوّل المجلس في كثير من الأحيان إلى أداة لحماية مصالح الأقوياء بدل حماية السلم الدولي. فكم من قرار عُطّل لإنقاذ المدنيين، وكم من مأساة امتدّت لأن دولة كبرى قررت أن مصالحها فوق العدالة!
هذا الخلل البنيوي جعل الأمم المتحدة، أحيانًا، عاجزة عن فرض قراراتها، ومكبّلة أمام أزمات كبرى من فلسطين إلى أوكرانيا، ومن سوريا إلى السودان.
اليوم، وبعد ثمانية عقود من قيامها، صار من الضروري أن تتجدّد الأمم المتحدة من الداخل، وأن يتحرّر مجلس الأمن من وصاية “الخمس الكبار” الذين فرضوا على العالم نظامًا غير متوازن منذ 1945. إنّ إصلاح منظومة الأمم المتحدة بات حاجة إنسانية وأخلاقية، لا مجرد مطلب سياسي، حتى تعود المنظمة إلى جوهر رسالتها: خدمة الإنسان لا الدول، وتحقيق العدالة لا النفوذ.
في الذكرى الثمانين، يُطرح السؤال مجددًا:
هل ستظل الأمم المتحدة مؤسسة تُدار بعقلية المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، أم تتحول إلى فضاء حقيقي للعدالة الكونية والشراكة المتكافئة بين الشعوب؟
الأمم المتحدة وفلسطين
شكّلت القضية الفلسطينية اختبارًا حقيقيًا لمصداقية الأمم المتحدة. فمنذ قرار التقسيم سنة 1947، ظلّت المنظمة عاجزة عن تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني رغم عشرات القرارات والبيانات.فقد أقرّت الأمم المتحدة حق العودة (القرار 194)، وأنشأت الأونروا لإغاثة اللاجئين، ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة الممثل الشرعي، ثم اعترفت في 2012 بفلسطين كدولة مراقب غير عضو.
لكنّ كل هذه الخطوات بقيت رمزية، لأن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن عطّل أي قرار ملزم ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهكذا تحوّلت القضية الفلسطينية إلى مرآة تعكس عجز الأمم المتحدة عن حماية الضعفاء حين تتعارض حقوقهم مع مصالح القوى الكبرى.
محطات من تاريخ الأمم المتحدة
فيما يلي محطات بارزة من تاريخ الأمم المتحدة منذ تأسيسها إلى اليوم، تبرز تطوّر أدوارها وتحوّلاتها السياسية والإنسانية على مدى ثمانية عقود:* التأسيس بعد الحرب العالمية الثانية (1945)
في 24 أكتوبر 1945 دخل ميثاق الأمم المتحدة حيّز التنفيذ بعد توقيعه في سان فرانسيسكو من قبل 51 دولة. الهدف من التأسيس كان منع تكرار ويلات الحرب وتعزيز الأمن الجماعي واحترام حقوق الإنسان.
* الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)
اعتمدت الجمعية العامة في 10 ديسمبر 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو أحد أهم الوثائق في التاريخ الحديث وأساس القانون الدولي الإنساني.
* دعم حركات التحرّر وإنهاء الاستعمار (1950 – 1970)
لعبت الأمم المتحدة دورًا أساسيًا في مساعدة الشعوب المستعمَرة على نيل استقلالها، خصوصًا في إفريقيا وآسيا، وأنشأت لجنة خاصة لتصفية الاستعمار.
* عمليات حفظ السلام الأولى (1956)
أطلقت أول بعثة لحفظ السلام أثناء أزمة السويس، لتكون بداية سياسة جديدة لتثبيت الهدنة ومراقبة وقف إطلاق النار.
* التوازن في الحرب الباردة (1947 – 1991)
مثّل مجلس الأمن ساحة صراع بين المعسكرين الأمريكي والسوفياتي، ورغم شلل القرار السياسي أحيانًا، بقيت الأمم المتحدة قناة للحوار الدولي لتفادي الصدام النووي.
* مواجهة الفقر والجوع والأوبئة
أنشأت الأمم المتحدة منظمات متخصصة مثل منظمة الصحة العالمية (WHO)، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، اليونسكو، واليونيسيف، التي ساهمت في تحسين التعليم ومكافحة الأمراض وإغاثة ملايين البشر.
* سقوط جدار برلين وبداية النظام الدولي الجديد (1989 – 1991)
بانتهاء الحرب الباردة، ازداد الدور الدبلوماسي للأمم المتحدة في حل النزاعات الأهلية وإعادة الإعمار في مناطق مثل كمبوديا والسلفادور والبلقان.
* قمة الألفية وأهداف التنمية (2000)
أطلقت المنظمة أهداف الألفية للتنمية لمحاربة الفقر والجوع وتحقيق المساواة، وفي 2015 تم اعتماد أجندة التنمية المستدامة 2030 بـ17 هدفًا عالميًا.
سبل الإصلاح
بعد ثمانية عقود على تأسيسها، تبدو الأمم المتحدة وهياكلها المختلفة في حاجة ملحّة إلى إصلاح عميق يكرّس المبادئ السامية التي من أجلها تأسست، ويجعلها أكثر عدلاً وفاعلية في مواجهة التحديات العالمية.فالعالم تغيّر جذريًا منذ عام 1945، بينما بقيت هياكل المنظمة، خصوصًا مجلس الأمن، أسيرة ميزان قوى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
* أولاً: إعادة هيكلة مجلس الأمن الدولي عبر توسيع عضويته الدائمة والمؤقتة بما يعكس الوزن الحقيقي للقوى الإقليمية والدول الناشئة، وإنهاء هيمنة الدول الخمس الكبرى والاستغناء عن حق النقض (الفيتو) الذي يعطّل العدالة الدولية.
* ثانيًا: تعزيز شفافية أجهزة الأمم المتحدة لتفادي ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية، خصوصًا المتعلقة بحقوق الإنسان والنزاعات المسلحة.
* ثالثًا: تمكين الأمم المتحدة من موارد مالية مستقلة تقلّص من تبعيتها لمساهمات الدول الكبرى، وتتيح لها العمل بحرية في مجالات التنمية، ومكافحة الفقر، والتغير المناخي، والصحة العالمية.
كما يجب أن يشمل الإصلاح كل الهيئات والمنظمات التابعة لها، مع إلزام الدول الأعضاء بتنفيذ القرارات الصادرة عنها، ومعاقبة الدول التي لا تلتزم أو تجميد عضويتها.
فالمعضلة الكبرى أن جلّ قرارات المنظمة بقيت حبرًا على ورق.












Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 317218