واقع الاستثمار في تونس

م.د. نورالدين بن منصور
إنه من الواجب الوطني أن نفكّر دائمًا في أن الاستثمار هو الوسيلة الوحيدة لخلق النمو والازدهار. فالتمويل الجادّ لا يمكن استقطابه إلا إذا توفّر الاستقرار السياسي والمناخ الاقتصادي الملائم والمضمون.
إنه من الواجب الوطني أن نفكّر دائمًا في أن الاستثمار هو الوسيلة الوحيدة لخلق النمو والازدهار. فالتمويل الجادّ لا يمكن استقطابه إلا إذا توفّر الاستقرار السياسي والمناخ الاقتصادي الملائم والمضمون.
تكوين المسؤولين وتطوير مهاراتهم
النهوض بالاستثمار يتطلّب رسكلة مستمرة للمسؤولين عن هذا القطاع، ومنحهم الفرصة للانخراط في عمليات تدريب مباشر، بما يعزّز روح المبادرة لديهم ويكسبهم القدرة على فهم المستجدّات الصناعية الراهنة والمستقبلية.كما يساهم هذا التكوين في تقوية مهارات التواصل والتأثير النفسي التي تمكّنهم من فهم الآخرين – خاصة المستثمرين الأجانب – وتحفيزهم على العمل والاستثمار في البلاد.
أهمية الاتصال المباشر
تقديم الإمكانيات والفرص الاستثمارية بطريقة سلسة وجذّابة يجعل المستثمر يشعر بالارتياح والثقة، وهو ما يدفعه إلى المبادرة الأولى التي تشكّل الأساس لخلق مناخ الثقة المتبادل.الاتصال المباشر أكثر فعالية من الوثائق والمراسلات الإشهارية. لذلك، فإن الإكثار من اللقاءات المباشرة وتقليص الإجراءات الورقية من أهم الوسائل الحديثة لجلب الاستثمار وتشجيع المستثمرين.
استراتيجيا متجددة لجلب المستثمرين
المشكلة الأساسية تكمن في استحداث علاقة تفاعلية بين فرص الاستثمار المتاحة في البلاد والمستثمرين المحليين والأجانب.وهذا يقودنا إلى ضرورة تطوير آليات استقطاب المستثمرين عبر استراتيجيا متجددة وواضحة تكون من أهم أسس تطوير الصناعة ودعم النمو.
دراسة واقع الاستثمار
حتى نكون على بيّنة من حقيقة الاستثمار، خاصة الخارجي، لا بد من دراسة دقيقة وموضوعية تكشف السلبيات والإيجابيات، وتحدد مجالات التحسين المطلوبة.كما يجب الاستماع إلى المستثمرين المحتملين ومعرفة اهتماماتهم واحتياجاتهم، فهي من أنجع الوسائل الاستشرافية لتطوير الصناعة المستقبلية ذات القيمة المضافة العالية.
الاستثمار رؤية شاملة
الاستثمار ليس فقط قضية مؤسسات أو موارد مالية، بل هو أيضًا قضية تغيير مستمر يواكب التطوّرات الاقتصادية والصناعية.فالسياسة العامة للنهوض بالاستثمار هي منظومة من الوسائل والاستراتيجيات والتكتيكات الداعمة للنمو، ويجب أن تقوم على الاستشراف والمرونة.
من الضروري البحث عن رؤوس الأموال الأجنبية التي تتلاءم مع خصوصيات البلاد، بدل انتظارها لتطرق الأبواب.
تهيئة المناخ الجاذب
تعريف المستثمرين بالشروط الميسّرة والحوافز الضريبية وتوافر اليد العاملة الماهرة والبنية التحتية الجيدة لم يعد وحده كافيًا.الأهم هو إبراز الإمكانيات الحقيقية لخلق مؤسسات ناجحة، وتوضيح نتائج الشراكات على المدى البعيد وأثرها في خلق مناخ استثماري مستدام.
كما يجب تكوين الكوادر الاقتصادية والفنية القادرة على إدارة ملفات التصنيع، لأن القرارات الناجحة لا تُبنى إلا على الخبرة والمعرفة الدقيقة.
مهارة الحوار والإقناع
تعلم فنّ المناقشة والتأثير على الآخرين من أهمّ المهارات لجلب الاستثمار.ينبغي للمسؤول أن يتحلى بالفطنة وسرعة الفهم حتى لا يحرج المستثمر أو يسبب له نفورًا. ففهم عقليّة الطرف الآخر شرط أساسي لنجاح أي تواصل اقتصادي.
الحوافز والدعم
الحوافز التي تقدّمها الدولة يجب أن تكون متنوعة وملهمة، تستند إلى تجارب الدول الناجحة.كما يتعين تحسين الوضع الاستثماري باستمرار وجلب المستثمرين ذوي القدرات الصناعية العالية، مع خلق جو من الوفاء والثقة والشراكة المتبادلة.
المشاريع النموذجية
من أفضل وسائل جذب المستثمرين الأجانب تقديم مشاريع مدروسة ومهيأة مسبقًا، ذات مردودية مؤكدة وقيمة مضافة عالية.المستثمر الجادّ يبحث عن مشاريع واضحة وواقعية لا تعتمد على الافتراضات، ويولي أهمية قصوى للشفافية والدقة والالتزام بالمواعيد.
استقطاب الاستثمار مسؤولية وطنية
أصبح جلب الاستثمار أحد أهمّ محاور السياسات الخارجية للدول، حيث تخصص له استراتيجيات وميزانيات خاصة.لذلك، يجب إعداد برامج ترويجية فعّالة تشمل الحملات الإعلامية، والدعوات الرسمية، وتنظيم المنتديات والزيارات التعريفية لجذب المستثمرين.
التمييز بين أنواع المستثمرين
ليس المستثمرون سواء، فهناك من يهتم بالصناعات التقليدية ذات القيمة المضافة المنخفضة، وهناك من يركّز على الصناعات الدقيقة والمتقدمة.لكلّ فئة خصائصها ومتطلباتها، ويجب التعامل معها وفق طبيعتها ومجالات اهتمامها، لأن عقلية المستثمر الألماني مثلًا تختلف عن نظيره الفرنسي أو الإيطالي.
تطوير أدوات الاتصال الخارجي
من الضروري تعزيز حضور الممثلين الاقتصاديين في الخارج وتمكينهم من التكوين اللغوي والاقتصادي المستمر، ليتقنوا لغات البلدان التي يعملون فيها إلى جانب الإنجليزية.فـاللغة والاتصال المباشر عنصران حاسمان في بناء الثقة وجلب الاستثمارات النوعية.
تحديث الصناعة ودعم المؤسسات
بعث الصناعة الحديثة لا يعني فقط إنشاء مؤسسات جديدة، بل يشمل أيضًا دعم المؤسسات القائمة ومساعدتها على التجديد والتكيّف مع التحولات التكنولوجية.المؤسسات التي تملك الكفاءات والخبرة يمكن أن تستعيد مكانتها إذا حظيت بالدعم والتأهيل اللازمين.
الاستفادة من التجارب الدولية
تجارب الدول الصاعدة مثل كوريا الجنوبية تبيّن أن روح المبادرة والجدية وسرعة التكيّف هي مفاتيح النهضة الصناعية.وقد أثبتت تونس، عبر برنامج تأهيل الصناعة، قدرتها على اكتساب خبرات مهمة يمكن توظيفها عربيًا وإفريقيًا عبر شراكات تقنية ومهنية قائمة على الندية والاحترام المتبادل.
نحو تعاون صناعي عربي وإفريقي
تملك تونس رصيدًا من الخبرة في مجالات تأهيل الصناعة والجودة والبيئة يمكن أن يشكل قاعدة لتعاون صناعي واعد مع الدول العربية والإفريقية.التعاون الإقليمي في هذا المجال سيساهم في خلق صناعة عربية وإفريقية حديثة تستفيد من التجربة التونسية الرائدة.
تعبئة وطنية لتصنيع البلاد
عملية التصنيع مسؤولية جماعية تشمل القطاعين العام والخاص والبنوك، وهي ضرورة وطنية لضمان الأمن الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.لقد ولّى زمن التباطؤ، وأصبح من الواجب العمل على خلق الثروة محليًا عبر تشجيع الإنتاج والاستثمار بدل الاستهلاك.
الإعلام والترويج
يُعدّ الإشهار الموجّه من أنجع الوسائل لجلب المستثمرين، شرط أن يُبنى على برامج مدروسة ومحدّثة بانتظام تراعي خصوصيات كل سوق.كما يجب توفير المعلومات الدقيقة والمحدثة باستمرار حول الفرص الاستثمارية، لأن الشفافية والمصداقية عنصران أساسيان لبناء الثقة.
إن جلب الاستثمار وصناعة المستقبل يتطلّبان تخطيطًا استراتيجيًا، وتنسيقًا مؤسساتيًا، ورؤية بعيدة المدى.
فالمستثمر لا يبحث فقط عن الحوافز، بل عن الثقة، الجدية، والاحترافية.
بذلك فقط يمكن لتونس أن تكون وجهة استثمارية رائدة وفاعلًا صناعيًا مؤثرًا في محيطها الإقليمي والدولي.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 316031