نصب تذكاري "للمواطن المجهول"

المهدي الجندوبي
كنت أمشي في أطراف حي إبن سينا المعمور في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة،و أحاول جاهدا أن لا أحطّ عينايا على الأوساخ المتناثرة على الطريق و بعض الأتربة المتكدّسة هنا و هناك و هي رياضة ذهنية أجبرت عليها لأحتفظ على رياضة المشي التي لا يوجد طبيب مهما كان تخصّصه، لا يوصيك بها. و فجأة شدّت بصري كوكبة من الأزهار جمعت بين البياض الناصع و لحاف خفيف من الحمرة على شبكة من الأغصان التي تعرّت من أوراقها و كأنها إختفت، لتعطي للأزهار كل بهجتها.
كنت أمشي في أطراف حي إبن سينا المعمور في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة،و أحاول جاهدا أن لا أحطّ عينايا على الأوساخ المتناثرة على الطريق و بعض الأتربة المتكدّسة هنا و هناك و هي رياضة ذهنية أجبرت عليها لأحتفظ على رياضة المشي التي لا يوجد طبيب مهما كان تخصّصه، لا يوصيك بها. و فجأة شدّت بصري كوكبة من الأزهار جمعت بين البياض الناصع و لحاف خفيف من الحمرة على شبكة من الأغصان التي تعرّت من أوراقها و كأنها إختفت، لتعطي للأزهار كل بهجتها.
كنت فعلا أما شجيرة لوز وحيدة منفردة تقاوم بجمالها في مطلع شهر مارس، قبح هذا الشريط من التراب الذي يمتد على عشرات الأمتار طولا و لا يتجاوز عرضه ثلاثة أو أربعة أمتار و يفصل حي إبن سينا عن الطريق السيارة السيجومي، على مقربة من ضريح الشهداء و تعلمون ان كل أرض متروكة تجمّع الأوساخ و الأتربة كما لو كانت ذكيرا.
بعد متعة هذا المشهد سألت نفسي من هو هذا المواطن المجهول الذي إفتكّ من قبح المكان فضاء غرس فيه فسيلة شجرة خارج بيته و رسم هذه اللّوحة التي أنعم بها لحظة من الزمن؟
مثل هذه، الأفعال و إن كانت بسيطة و عفوية لها رمزية تتجاوز بكثير ظاهرها ، و قد تتمثّل في حركات تضامن و تعاون و قد تكون على شكل مواقف تفتكّ الإحترام و الإمتنان و هي التي تجسّم في الحياة اليومية القيم الحيّة التي تغذّي عقول الناس و أفعالهم و قد تأتي أحيانا في شكل أقوال وليدة ظرف تعبّر عنه أحسن تعبير. فهي ليست قيما معلنة فقط في خطب الوعض و لا نصوصا تقرؤ في الكتب المدرسية، بل هي قيم منهصرة في سيولة الحياة تلتقي فيها الأقوال بالأفعال و النوايا بالمواقف، فهي التي ترسم بصمت طريقا في الحياة غير الياس و أسلوبا غير القبح.
درجت الشعوب على بناء ضريح للجندي المجهول تكريما عبر تضحيته في سبيل الوطن، لكل رفاقه حتى ينعم الأحياء بالحرية و الإستقلال. فلماذا لا نفكّر اليوم في نصب تذكاري "للمواطن المجهول"، و قد لا يكون بالضرورة من الأحجار و الإسمنت بل يمكن أن يستمدّ شكله من روح العصر فيكون "نصبا تذكاريا رقميا" يهدف الى إحصاء و توثيق كلّ هذه الأقوال و الأفعال التي يصنع بها، مواطنون عاديون و بوسائل بسيطة أعمالا عظيمة، يحوّلون بها الأنانية الى عطاء و البغض الى ودّ و الودّ الى أعمال تفيد و تنفع؟
لا يهمّ شكل هذا "النصب التذكاري" او وعاؤه، فقديما إحتفى العرب بنقل أخبار تحمل اقوالا و أفعالا لشخصيات نكرة قد تذكر بالإسم و قد يقع الإكتفاء بذكر صفة من صفاتها، لأن الأهم هو أن تعبّر الحادثة عن قيمة تلتقي فيها المجموعة و تسعى الى إرسائها و نشرها. و من أشهرها كتاب الأغاني الذي جمع روايات عن المشاهير كما إحتوى قصص شخصيات عادية تميّزت بمقولة مأثورة أو فعل محمود.
و أبسط أشكال هذا "النّصب التذكاري" في إنتظار أشكال أرقى، هو أن نجعل في عقولنا مجالا يحتفي بما نسميه تقليديا "فعل الخير" و ليس هناك أفصح من عبارة "سعدك يا فاعل الخير"، على أن يتطوّر مفهوم "فعل الخير" في المجتمع الحديث، ليستوعب الكثير من الأشكال المتجدّدة، مثل غرس شجيرة يحوّل بها مواطن مجهول، القبح الى جمال، حيث يبرع غيره في تحويل الجمال الى قبح.
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 222432