وكالة تونس افريقيا للأنباء... إصلاحات جوهرية مُستعجلة

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5e0b8a36ea3885.26275299_hjimgkqelnpfo.jpg width=100 align=left border=0>
رشيد خشانة


رشيد خشانة

يطرح التغيير الذي تم على رأس وكالة تونس افريقيا للأنباء، عدة أسئلة حول أوضاع الوكالة والمنهج الذي تسير عليه، وكيفية التوقي من الإخلالات والأخطاء في المستقبل.





رسميا عللت رئاسة الحكومة إعفائي من مهام الرئيس المدير العام للوكالة إلى بث خبرين كاذبين، أو ما أصبح يُعرف بالانكليزية بـFake news. الكذبة الأولى زعمت أن السيد محمد الناصر، أمدَ الله في أنفاسه، قد توفي، والثانية أخبرت عن الحط من تصنيف خمس بنوك تونسية، بينما لم يرد ذلك في التقرير الذي بثته وكالة التصنيف المعنية. وبالرغم من أن الوكالة اعتذرت لبثها "الخبرين" وسحبتهما من خط التوزيع، فإن الأمر أبعد من ذلك، فهو يُحيلنا إلى مسألة جوهرية هي المحاسبة ودورها في تفادي العود إلى نفس الإخلالات والأخطاء.

من المهم أن يعرف الجميع، بداية، أن المسؤول الأول عن التحرير في الوكالة أصبح، اعتبارا من 2011، مُنتخبا من زملائه لمدة عامين، تحت مُسمى "مُنسق التحرير"، وسُلب الرئيس المدير العام من أي حق في إبداء الرأي في ما تبثه الوكالة، فهو لا يطلع على البرقيات إلا بعد النشر، تماما مثل أي مشترك في خدمات الوكالة.

وبناء على تكرار الأخطاء التحريرية خلال السنة الجارية، بادرتُ بتعيين مدير عام مساعد للتحرير، طبقا لما ينص عليه الهيكل التنظيمي للمؤسسة، بعد استشارة رئاسة الحكومة وموافقتها. لكن وُضعت أمامه كل أنواع العراقيل، لمنعه من الاشراف على التحرير، ولم يتمكن إلى اليوم من القيام بالوظيفة التي أسندت له. أكثر من ذلك، قامت قلة من الصحفيين بما سمَوه "وقفة احتجاجية" في بهو الوكالة، عندما حاولتُ فرض التعامل مع المدير العام المساعد للتحرير.

في هذا المناخ قام أحد الصحفيين، الذي كان مكلفا ببعث الارساليات القصيرة إلى المشتركين، ببث الخبر الزائف، المتعلق بوفاة الرئيس السابق السيد محمد الناصر، في الساعة الثانية والنصف فجرا، من دون العودة إلى أي مسؤول تحريري، وطبعا من دون استشارة الرئيس المدير العام، أو المدير العام المساعد للتحرير. مع العلم أن "الخبر" لم يُبث إلا ضمن الارساليات القصيرة، وليس في خدمة المشتركين الرئيسية، ولا في الموقع الالكتروني للوكالة. وقد عاقبتُ الصحافي الذي قام بهذا الخطإ بإنهاء تكليفه ببث الرسائل القصيرة.

بعد تلك الحادثة، بادرت صحافية من الديسك الاقتصادي بكتابة الخبر الزائف المتعلق بـ"الحط من تصنيف خمسة بنوك تونسية"، في حدود التاسعة ليلا، معتمدة على تقرير باللغة الانكليزية، وهي لا تملكها، فارتكبت خطأ جسيما كان يمكن تفاديه لو أن رؤساءها كانوا صارمين في الاطلاع على هذا النوع من الأخبار الحساسة قبل بثها. وفي ظل هذا الوضع قامت الصحافية ببث الخبر بنفسها، حوالي التاسعة ليلا، كما قامت إحدى زميلاتها بتعريبه وبثه بعد ذلك بساعة، أي في الليلة نفسها، وكأن الخبر حارقٌ، لا يمكن أن ينتظر إلى صباح اليوم التالي، من أجل مساءلة خبراء اقتصاديين عن فحوى التقرير ودلالاته. أضف إلى ذلك أن في الوكالة دائرة خاصة باللغة الانكليزية، تضم كفاءات عالية في الترجمة، كان من الواجب الاعتماد عليها لفهم محتوى التقرير.

وقد اعترفت الصحافية المعنية، بمسؤوليتها الشخصية عن تلك الإخلالات في رسالة وجهتها إلى الكاتب العام للحكومة، ردا على طلب استفسار. لكن عندما قمتُ بتحقيق لتحديد المسؤوليات، تعذرت المحاسبة، فقد سبق السيف العذل...

ورغم كل العراقيل المتنوعة، ركزت الإدارة العامة في الفترة الماضية على تحسين المنتوج الصحفي للوكالة بتكثيف الدورات التدريبية، والانطلاق في إنتاج تقارير فيديوية، والاعداد لتركيز ستوديو تلفزي في مقر الوكالة، سيكون جاهزا مع بداية العام الجديد، بالاضافة إلى تعميم استخدام الهواتف الجوالة في التغطية الصحفية (ما يُعرف بـ mobile journalism). كما شرعت الوكالة منذ أكثر من ستة أشهر في رقمنة أرشيف الصور الخاص الذي تملكه، ويُقدر بأكثر من مليون و500 ألف صورة. وهيأنا الأرضية للشروع قريبا في رقمنة برقيات الوكالة منذ ميلادها (غرة جانفي 1961)، باعتبار تلك المادة الخبرية مصدرا ثمينا لمعرفة تاريخ تونس على مدى ستين عاما.

إلى ذلك، تمكنت الوكالة من استخلاص ديون كان ميؤوسا من استرجاعها، فخلال شهر واحد استعادت 150 ألف دينار، علما أن كل منتوج الوكالة السنوي يعادل 1 مليون دينار. وفي نطاق ترشيد الانفاق في المؤسسة، تم توقيع اتفاقية مع وكالة التحكم في الطاقة لتركيز محطة فوتوفولطائية على سطح الوكالة ستمكن من اقتصاد 7000 دينار شهريا.

قصارى القول إن الوكالة مكسب إعلامي كبير لتونس، وهي قابلة للتطوير والاصلاح، لكن ذلك لا يتوقف على هوية من يكون على رأسها، بقدر ما هو مرهون بإدخال إصلاحات جوهرية، في مقدمتها مسألة الاشراف على التحرير، بطريقة تضمن التشاور قبل النشر، وتجعل رؤساء الدوائر وإدارة التحرير يضطلعون بمسؤولياتهم، طبقا لما ينص عليه القانون الأساسي. وعلينا أن ندرك أنه إذا ما تأخر الاصلاح، فلا توجد ضمانة لعدم بث أخبار كاذبة أو غير دقيقة في المستقبل.

اللهمَ إني قد بلَغت


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 195335


babnet
*.*.*
All Radio in One