هل مشكلة هياكل الدولة هي الفساد أم التقصير وعدم المبادرة؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5de5fb2eb9a983.28282538_gnjiqkmheolfp.jpg width=100 align=left border=0>
Pixabay


كريم السليتي (*)

قد يكون تشخيص الوضع الحالي بأن الفساد هو أكبر معظلة في الإدارات التونسية و المؤسسات و الشركات المملوكة للدولة مجانبا للصواب. الفساد من إرتشاء، ومحاباة ، وإستغلال نفوذ، و تضارب مصالح هو مشكلة كبيرة لكنها نتيجة و ليست سببا.
المعظلة الكبرى داخل هياكل الدولة هي التقصير و الإهمال و اللامبالاة وعدم أخذ المبادرات و القرارات المناسبة في الوقت المناسب.
...

هي إذا أزمة ثقافة داخل الإدارة العمومية قائمة على الإنتهازية وتغليب المصالح الشخصية والفئوية على المصلحة العامة وسط انعدام شبه تام للمساءلة و إفلات من العقاب.

ما تعانيه هياكل الدولة هي أزمة تحديد استراتجيات و أهداف كمية قابلة للقياس ومساءلة كل موظف عن إنجازاته ومدى مساهمته في تحقيق تلك الأهداف.

في زيارتي لبريطانيا في إطار برنامج الإصلاح الحكومي و خلال زيارتي لعدد من الوزارات و القطاعات الحكومية شد انتباهي ترديدهم وتركيزهم على جملة "Service Delivery" وقد تبين لي إثرها أن كل الدول الأكثر تقدما يقاس مدى نجاح الإدارات الحكومية بمدى رضا المواطنين عن الخدمة الادارية المقدمة ومدى تحقيق النتائج المطابقة للأهداف و الاستراتجيات الموضوعة سلفا، كما يوجد هناك نظام مساءلة قوي و شفاف للمسؤولين الإداريين.

لكن وبالمقارنة مع الوضع في تونس تفجأت أن النجاح يقاس بمدى التقدم في استهلاك الموارد، و لا توجد أي منظومة مساءلة حقيقية.

في تونس هناك أكثر من 90% من المسؤولين الإدارييين في مختلف الهياكل العمومية (مدير عام ، مدير ، كاهية مدير ، رئيس مصلحة ، رئيس قسم) ليس لديهم أي أهداف كمية ونوعية موثقة سواء لهم أو لمنظوريهم ولا حتى مؤشرات أداء رئيسية، كما أن أغلبهم لا يعد تقارير نشاط شهرية أو ربع سنوية، و إذا غابت الأهداف ومؤشرات الأداء تغيب المساءلة تماما، و إذا غابت المساءلة تنطفئ جذوة الحماس للإنجاز والمبادرة و يتسرب التقصير و الإهمال و الكسل و اللامبالاة شيئا فشيئا، و ينحصر دور القياديين داخل الإدارة في تسيير الأمور اليومية و حل المشاكل الطارئة (سياسة انتظار الحريق لإطفائه).

إن الوعي بضرورة تغيير هذا الوضع يتعين أن يتبناه جميع السياسيين وجميع الإداريين، والا ستبقى دار لقمان على حالها مهما تغيرت الحكومات و الأحزاب والسياسيين.

الإدارة العمومية هي الدولة وهي المحرك الأساسي للتنمية، وتضم نخبا ممتازة، لكن تفتقد للمهنية و للعمل حسب الأنماط الحديثة للتصرف والإدارة، و أي إصلاح لا يشمل تغيير العقليات السائدة حاليا، وتجذير ثقافة الأهداف و ثقافة مؤشرات الأداء و تحقيق النتائج وثقافة المساءلة و المحاسبة، وإرضاء المستعملين للخدمة الإدارية لن يغير شيئا ملموسا.

* كاتب وباحث في السياسات العمومية



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


3 de 3 commentaires pour l'article 193709

Tomjerry  (Tunisia)  |Mardi 03 Decembre 2019 à 15h 07m |           
الخوف على المناصب هو السبب الأول والأهم.

MedTunisie  ()  |Mardi 03 Decembre 2019 à 08h 13m |           
الإرادة السياسية و إعدام الحس الوطني هما أسباب الكارثةالعمومية

BenMoussa  ()  |Mardi 03 Decembre 2019 à 07h 50m |           
تحليل منطقي يقدم حلا جذريا لمشاكل الادارة


babnet
All Radio in One    
*.*.*