دلالات فوز ياسين العياري.. ''النحس'' القادم على نجل السبسي

بقلم: شكري بن عيسى (*)
التعتيم الاعلامي العميق الذي رافق سير الانتخابات الجزئية بألمانيا، بعد قرار نجل السبسي "الهروب" في ظل التقارير الجدية التي تلغي حظوظه، جعل صدور النتائج (الأولية) صادما للجميع، باعلان فوز ياسين العياري ولو بفارق غير عالي في حدود الأربعين (40) صوتا، على مرشح النداء المدعوم من النهضة والغنوشي شخصيا
الذي قاد خيار عدم منافسة حركته على المقعد.
التعتيم الاعلامي العميق الذي رافق سير الانتخابات الجزئية بألمانيا، بعد قرار نجل السبسي "الهروب" في ظل التقارير الجدية التي تلغي حظوظه، جعل صدور النتائج (الأولية) صادما للجميع، باعلان فوز ياسين العياري ولو بفارق غير عالي في حدود الأربعين (40) صوتا، على مرشح النداء المدعوم من النهضة والغنوشي شخصيا

17 ديسمبر يبدو أنّه زلزل الجميع بهذا المعطى الذي يحمل في جذوره دلالات كبرى، ولا شكّ أنّ النداء أوّل النادمين على "توزير" نائبه الفرجاني، وترك المنصب شاغرا للمنافسة مع كل الصراع الذي اثاره هذا الخيار، وسواء كان الغرض من شغور المقعد لفسح المجال لحافظ بالصعود والوصول لرئاسة مجلس النواب، أو لادخال "الايزي في معركة "ضارية" تنهكها وتزيد في معاركها الاخرى لغاية تعطيل اجراء البلديات، فالثابت أن النداء لم يكن يتخيّل سيناريو أسوأ وأفظع من صعود احد اكبر اعدائه السياسيين: ياسين العياري.
النداء بالفعل في 17 ديسمبر بعد ظهور اكبر الوجوه المدافعة على بن علي، سمير العبيدي الذي مثل مع حافظ الحزب الحاكم في اجتماع ثلاثي الحكم، يتّضح أنّه أكبر الخاسرين في هذا الحدث فادح الاضرار وسيء الدلالات مع بروز احد الوجوه التي سقط بها المخلوع، ولا نظنّ أنّ ليلة ظهور النتيجة ستنام القيادات الندائية الى حدود الفجر بل الى الصباح، ومن يراقب المقر المركزي بالبحيرة فالاكيد أن الاضواء لن تنطفأ كما الهواتف، وايضا الالات الحاسبة التي ستظل تشتغل وتكرّر الاتصالات مع المانيا ومع مونبليزير وتعيد العدّ والجمع والطرح، دون جدوى لتعيد وتكرّر الحسابات من جديد، وتوجيه التهمة من ناحية للنهضة بعدم الايفاء بالوعد ومن اخرى للخماسي بالتقصير والتهاون، وربما تكون تهم "الخيانة العظمى" جهزت وهي بصدد الاصدار وينقصها فقط شكل الاخراج.

الاكيد أن قرار النداء "اخلاء" مقعد المانيا جاء بعد انتداب "المايسترو" برهان بسيس للحزب الحاكم، والمرجّح أن تكون بصمته حاضرة في القرار، فهو رجل "الثقة" لدى نجل السبسي من ناحية الوفاء ومن ناحية "حسن التدبير"، او هكذا يعتقد حافظ صاحب الفكر السياسي المحدود كما يوصف لدى اغلب المتابعين، فـ"المايسترو" بدا "الفاتق الناطق" بعد تحوّزه خطة "مدير السياسات"، التي أغرقت الحزب كما حافظ في أوّل اختبار في الخندق الغارق، وفي كل الحالات فبرهان قبض أجرته كاملة مسبقا على فترة سنتين، والمدير التنفيذي هو الذي سيدفع الفاتورة التي ستكون باهظة جدا.
فحافظ سيدخل في مرحلة شكّ واسعة وهو على ابواب بلديات وعلى ابواب مؤتمر انتخابي يسعى من خلاله الاطباق على الحزب، في ظل السهام الخارجية والداخلية والاتهامات الموجهة للحزب ولقيادته دون نسيان الصراع الضاري مع ساكن القصبة، في مناخ الاضطرابات السياسية والاخفاقات الاقتصادية والتهديدات الاجتماعية، ومع تدهور الثقة في الاحزاب السياسية في استبيانات الراي والمقاطعة العالية للمواعيد الانتخابية، ونجل السبسي بعد الشك العميق الذي جعله يفر من الترشح، اليوم بعد الهزيمة المدوية الكل سينفض من حوله، وأي كلمات سـ"ترصّع" خطاب النّكسة!! فمن بقي لحافظ بعد فشل برهان وتخاذل الخماسي وخداع النهضة!؟
"الوجيعة" الكبرى لحافظ أن فوز العياري يحدث يوم الذكرى السابعة للثورة، التي يسخر اغلب قيادات النداء من شعاراتها، ويتبنى عناوينها او هكذا يسوّق ابن الشهيد الطاهر العياري، والدلالات بهذا تكون عميقة جدا، وسيكون الحدث معبّأً بالمضامين والمعاني والرمزيات، ما يزيد في حدّته ومداه وبالتالي تأثيره ووقعه، وما يعظّم في قوّة المنجز بالنسبة لياسين وبالتالي قوّة الصعقة بالنسبة لحافظ هو ان الانتصار تم على حزبي الحكم (النداء والنهضة)، باعتبار أن النهضة لم تقرر عدم المراهنة على المقعد فحسب بل زيادة اعلنت دعم مرشح النداء من هيئتها العليا (الشورى)، وبالتالي هو انتصار على ائتلاف السلطة بماكيناته الحزبية وببرامجه وبنتائجه في الحكم، فضلا عن خياراته التي سقطت بالضربة القاضية في هذا الاختبار الرمزي.

ونجاح العياري المدوي (في رمزياته المتعددة) الذي صاحب تعبئة كبرى من النداء ودعم حليفه النهضة، يصب في اتجاه انحسار المساحات السياسية للاحزاب الحاكمة، واحداث اختراق نوعي بخلق مجالات حيوية سياسية جديدة للشباب الذي يرفع شعارات الثورة، والاكيد أن اختراق الشخصيات غير المهيكلة حزبيا سيكون هاما في قادم المواعيد الانتخابية، والانعكاسات السياسية المتوقع ان تكون ذات وزن ثقيل، وستكون تداعياته على المشهد السياسي والوطني عميقة.
الانكى في المحصّلة أن حزب حاكم فائز بالمقعد في الانتخابات السابقة بفارق عريض، يمتنع منافسه المباشر (النهضة) على المنافسة بل ويتبنى مساندته، يعجز عن حصد 250 صوتا، في دائرة بها ما يزيد عن 26 الف ناخب وناخبة، ما يؤشّر على مرحلة جدب سياسي عميق للنداء ومديره التنفيذي، ويعطي فكرة صاعقة عن اثار السياسات التي ينتهجها الحزب في الساحة الوطنية وفي الحكومة، ويعكس بجلاء انطباع التونسيين المتشائمين الذي يقارب الأربعة أخماس، و"الرجّة" فعلا يمكن تسميتها زلزالا حقيقيا.
والتفكّك اليوم داخل النداء كما داخل الترويكا الجديدة، انتقل داخل الحكومة المتصدّعة أصلا، والاخطر اليوم أنّ هذه التفككات صارت في المستوى المعنوي، وهذا هو الانكى اذ ظلام المشهد وظهور اللوحة السوداء الأولى سيجعل كل المشهد سوداويا في كليته، ومعه تتزايد سيطرة الكوابيس السياسية المزعجة، وربما مع فجر السابع عشر من ديسمبر طالع كوكب زحل ("النحس الاكبر" كما كان العرب يسمونه) لنجل الرئيس كان كاسحا، وستكون معه الاشهر والسنوات القادمة عصيبة جدا، ولم تنفع "شموس" الزرقوني المتعددة المتتالية، التي انطفأت في ليلة واحدة مجتمعة!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
16 de 16 commentaires pour l'article 152673