اعلان حكومة الشاهد.. ما الذي تغيّر عن الصيد؟

بقلم: شكري بن عيسى (*)
لم يكن الحقيقة ضروريا تدخّل السبسي على خط تشكيل حكومة الشاهد ليعزز مركزه، فيكفيه ان رئيس الحكومة سيظل "الزر" الذي من خلاله سيحرّك كل شيء، كما يكفيه انه اطمأن على ترسيخ أقدام "مجموعته" من حصة النداء الممثلة أساسا في سلمى اللومي والجهيناوي ومجدولين الشارني وانيس غديرة والوزير الذي منحه ملكية "الباتيندة" ناجي جلول، هذا زيادة على وزير "اختصاصه" الحرشاني، وسقطت تقريبا اليوم مع اعلان تركيبة حكومة الشاهد شعارات الوحدة الوطنية للحكومة وايضا ما قيل من ضخ ديناميكية جديدة، فقد ظهرت الحكومة الجديدة تقريبا مكررة لسابقتها، فقط غاب عنها الرئيس المزاح الصيد.
لم يكن الحقيقة ضروريا تدخّل السبسي على خط تشكيل حكومة الشاهد ليعزز مركزه، فيكفيه ان رئيس الحكومة سيظل "الزر" الذي من خلاله سيحرّك كل شيء، كما يكفيه انه اطمأن على ترسيخ أقدام "مجموعته" من حصة النداء الممثلة أساسا في سلمى اللومي والجهيناوي ومجدولين الشارني وانيس غديرة والوزير الذي منحه ملكية "الباتيندة" ناجي جلول، هذا زيادة على وزير "اختصاصه" الحرشاني، وسقطت تقريبا اليوم مع اعلان تركيبة حكومة الشاهد شعارات الوحدة الوطنية للحكومة وايضا ما قيل من ضخ ديناميكية جديدة، فقد ظهرت الحكومة الجديدة تقريبا مكررة لسابقتها، فقط غاب عنها الرئيس المزاح الصيد.

اجترار لنفس الوضعية والثابت ان هناك تراجعا وتقهقرا مسجلا، تكرار لنفس الوجوه تقريبا وعلى رأسها الشاهد ذاته لحكومة تم سحب الثقة منها لعدم ايفائها كما اعلن بما يستوجبه الوضع، ومحافظة على نفس وزراء السيادة باستثناء العدل، كما تم التمديد لعديد وجوه حكومة الصيد 1 و2، بنفس الحقائب او في حقائب أخرى، وأسماء الشاهد والجهيناوي والحرشاني والعذاري ومرعي والعرفاوي واللومي والمجذوب وغديرة والشارني والرزيبي اشتغلت مع الصيد تم تجديد وجودها مع ترقية البعض.
التراجع يسجل أساسا في انفصال أحد ابرز أضلع المربع الأول: الاتحاد الوطني الحر الممثل بـ12 نائبا، ما يسقط اعتبار "الوحدة الوطنية" بصفة كبرى، وحتى الاحزاب التي ادمجت أساسا الشعب والمبادرة والجمهوري تعد جميعها 6 نواب، أما المسار فهو غير ممثل أصلا ووجوده ظاهر لصوته العالي في الاعلام لا غير، أما البرنامج الذي تبنته حكومة الشاهد المشكلة فالمؤكد أنه مستنسخ عن برنامج حكومة الصيد ولم يأت بشيء جديد كما أنه يفتقد للارقام والاجال والاليات لتنفيذه، وتبقى التحديات القائمة في وجه الحكومة المنتظرة أعلى بكثير من سابقاتها.
ويبدو أن المأزق برز منذ البداية، فلم يكن للوطني الحر ان يقفز من المركب لو عرف ان فيه "النجاة"، فقد اتضح ان الحكومة كانت بترضيات والنداء نال نصيب الاسد بقرابة 5 وزراء من وزن ثقيل زيادة لوزير الدفاع المحسوب على رئيس الجمهورية تضاف اليهم 4 كتاب دولة وحاز قرابة رُبع الوزارات من حيث العدد ولكن أكثر من النصف من حيث الحجم، اذ الخارجية لوحدها تعتبر نصف الحكومة من حيث الوزن زيادة على النقل والسياحة والشباب والرياضة والتربية، وافاق الذي نال وزارتين ضخمتين (البيئة والشؤون المحلية والصحة) وكتابة دولة، ولم تقل حصته عن الحكومة السابقة في العموم، في حين كانت النهضة المتضرر الأكبر.
النهضة التي كانت ممثلة بثلاثة وزراء، التشغيل والتكوين والطاقة والمناجم ووزير مستشار مكلف باليقظة الاستراتيجية، فضلا عن وزير عدل "مقرب" ووزير شؤون دينية "متعاون" ورئيس وزراء "مضمون" نزلت تمثيليتها الى وزير تجارة واقتصاد (مفرغة من الطاقة والمناجم) ووزير تشغيل وتكوين ووزير تكنولوجيات اتصال وكتابات دولة بلا وزن، ولا ندري حقيقة ان كانت سترضى حتى لو أضيفت لها وزارة بلا حقيبة استشارية لدى رئيس الحكومة، ويبدو ان التوازن اختل بعمق، فاضافة للتقهقر الحاصل مع الوضعية السابقة النهضة تسجل اليوم اختلالا جذريا في موقعها بتركز الرئاسات الثلاث ومعهم الرئاسة الرابعة (الخارجية) في يد النداء، وسيكون دخولها الحكومة ان تأكد بموافقة الشورى بحماس فاتر جدا، خاصة وان القيادات التاريخية والقواعد سئمت من حالة الغبن الصارخة.
النهضة برغم تمثيلتها الضعيفة في الحكومة السابقة في استبيان للرأي أجري تحت اشراف مركز دراساتها حمّلها المستجوبون مسؤولية الفشل بصفة كبرى، وبالتالي فهي لم تعد ترضى بالتواجد الصوري دون فعالية وتتحمل في النهاية النتائج السلبية والاخفاق، ويبدو ان التضامن سيكون ضعيف جدا في المنطلق، هذا فضلا عن اتساع قاعدة الاحزاب (7: النداء، النهضة، افاق، الشعب، المبادرة، الجمهوري، المسار) الذي سيعقد القرار ويزيد في ازمة التنسيق التي عطلت نشاط حكومة الصيد.
شهران ونصف تقريبا منذ اعلان السبسي انطلاق مشاورات حول حكومة جديدة، لم تأت بقاعدة واسعة يمكن ان توصف الحكومة بـ"الوحدة الوطنية"، وحتى حصول الاتحاد على وزيرين مقربين الطرابلسي والبريكي لن يعطي "هدنة" غير ممكنة بالمرة بالنظر الى الملفات الاجتماعية الحارقة المنتظرة وعلى راسها الصناديق الاجتماعية والتقاعد وتجميد التوظيف والخوصصة، وبالنظر الى السياسات الخاضعة لاملاءات صندوق النقد الملتزمة بها الحكومة عبر الوثيقة التوجيهية للتنمية، والوضع الاجتماعي الهش المتفجر في كل لحظة والذي قد يتجاوز المنظمة النقابية ذاتها، خاصة وان الامور لا تعطي بوادر أمل فعلية.
ازاحة الصيد لم تأت بتغيير في الهيكلة والشاهد بعد ان اطلق الضجيج في الصدد اتضح ان الامر كان مجرد جعجعة، لان عمليات الدمج او الفصل تتطلب اطارا تشريعيا واجراءات ادارية قد تطول وتفقد الحكومة كل فعالية، ولم يكن التركيز على التشبيب (14) وحضور المرأة (8) كما تم الاعلام عنها ذا اعتبار، فالارقام لم تختلف عن السابق مع تراجع جليّ، اذ ظهر اغلب الوزراء وكتاب الدولة بدون خبرة في مجالهم فضلا عن ان اغلب المعينين غير مختصين في الوزارات المكلفين بها، والامر من الخطورة بمكان لعديد الوزارات الحساسة التي تتطلب مختصين باختصاصات دقيقة مثل الفلاحة والطاقة والمناجم والسياحة والنقل والتشغيل والبيئة والتجارة والصناعة..
وكان لزاما بعد الخضوع للترضيات المختلفة والتسميات دون تخصص اللجوء الى زيادة كتابات الدولة وحتى رفع الوزارات الى 26 بعد ان وعد الشاهد في مرحلة اولى انها لن تفوق 19، وكانت الحصيلة حكومة بـ 40 عضوا دون احتساب الوزراء المستشارين المكلفين بالاقتصاد والمالية والشؤون الاجتماعية والشؤون الامنية الذين وقع التستر عنهم حتى لا يظهر ضخامة العدد، وهو ما يتناقض مع ما اعلن عنه الشاهد من "اختيار احسن الكفاءات" واعتبار "نجاعة العمل الحكومي" و"تكامل الفريق" التي يبدو انها مجرد شعارات يفندها الواقع.
حسابيا القاعدة النيابية لهذه الحكومة ستكون في حدود 151 (النهضة: 69، النداء:67، آفاق: 8، الشعب: 3، المبادرة: 2، الجمهوري: 1، وبن غربية) وهو تراجع عن حكومة الصيد الاولى التي نالت الثقة بـ 166 صوت، ولو انها لا ضمانة على التزام "صارم" من كل اعضاء الاحزاب المعنية لمنحها الثقة، وبالتالي فهي ستكون في موقع اقل "رفاهة" من حكومة الصيد وذلك بعد خروج الرياحي ومرزوق على الدعم المباشر، وفي كل الحالات وحتى ان لم يتحول الوطني الحر وحزب مرزوق للمعارضة الصريحة فستكون مواقفهم "مربكة" من حليف سابق، سيقتنص الفرص لاحراج الحكومة، وزيادة فاستفحال تشققات النداء و"نشاز" القروي والقطي وبعض الغاضبين سيكون مزعزعا.
في المحصلة اتضح بصفة كبرى أن المستهدف كان الصيد رأسا، فالوضعية فعليا تقهقرت على السابق في الكفاءات والتناسق والتضامن الحكومي المنتظر وفي القاعدة النيابية والحزبية المشكلة للحكومة القادمة، والاخطر هو تضاؤل منسوب الثقة لدى عديد الفئات لما التصق بهذه "المبادرة" من اعتبارات المصاهرة والانتساب للسفارة الامريكية بالنسبة لرئيس الحكومة المكلف، وخاصة اتساع الفجوة بين الرهانات المرفوعة في تجاوز اخفاقات حكومة الصيد في غياب أي فارق جوهري جلي يمكن ان يبعث الامل في الوقت الذي تتصاعد فيه التحديات في المرحلة القادمة التي شهد كل المراقبين بانها ستكون صعبة على كل المستويات، وحتى "حكاية مكافحة الفساد" فلا دليل على انها ستكون محورا جديا وسيتضح منذ اول وهلة تهافتها على الأغلب.
ويبدو اننا في وقت غير بعيد سنندم على حكومة الصيد برغم اخفاقاتها الكبرى وضعفها الفادح!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
33 de 33 commentaires pour l'article 129838