احتفالات رأس السنة في تونس: عادة اجتماعية تعيد الدفء العائلي وتخفّف ضغوط العام

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/69554834243453.75680643_oejhmplgnfqik.jpg width=100 align=left border=0>


(تحرير وات/ امال الماجري) – مع اقتراب ليلة رأس السنة الإدارية، يستعيد التونسيون طقوسا متوارثة تحتفظ ببريقها جيلا بعد جيل، لتتحول الساعات الأخيرة من كل عام إلى مساحة للاحتفال وبث الأمل وتجديد الدفء العائلي.

ورغم أن المناسبة لا تحمل طابعا دينيا لدى أغلب التونسيين، فإنها تحولت إلى تقليد اجتماعي راسخ، يختار من خلاله الكثيرون كسر الروتين اليومي واستقبال العام الجديد بنفس أكثر تفاؤلا. ومن العادات الشائعة تزيين موائد الطعام بأطباق مميزة وجمع أفراد الأسرة في أجواء هادئة أو احتفالية.


وتشهد النزل والمطاعم نشاطا ملحوظا في هذه الليلة، إذ تقدم عروضا خاصة تتضمن سهرات موسيقية وحفلات غنائية، إلى جانب قوائم طعام فاخرة تستقطب الراغبين في قضاء أمسية مختلفة خارج المنزل.




وتقول سامية، موظفة وأم لطفلة: "أنتظر هذه الليلة طوال العام لنلتقي كعائلة ونقضي لحظات استثنائية معا. نحرص نحن نساء العائلة على إعداد أشهى الأطباق، ونستمتع بسهرات منزلية بسيطة تتخللها الموسيقى وتبادل الأحاديث"، معتبرة أن هذه الأجواء تساعد على نسيان ضغوط سنة كاملة.

ويشاركها الرأي حسان، وهو موظف، لكنه يفضل قضاء الليلة في أحد النزل السياحية برفقة عائلته للاستمتاع بالسهرات والعشاء المميز. ويقول: "أدخر جزءا من راتبي على امتداد أشهر من أجل هذه المناسبة، فهي بالنسبة إلي مكافأة مستحقة بعد عام مليء بالعمل، وفرصة لبداية جديدة تبعث على التفاؤل."

أما فائقة، وهي أم لثلاثة أطفال وموظفة بميناء حلق الوادي، فتؤكد أن الاحتفال برأس السنة بالنسبة إليها لا يرتبط بأي بعد ديني، بل هو عادة عائلية ورمز للأمل. وتوضح أنها تقضي هذه الليلة في منزل والديها بين إعداد المأكولات التونسية التقليدية ومتابعة السهرات التلفزيونية وتبادل الأحاديث.

وفي قراءة اجتماعية لهذه الظاهرة، توضح الأستاذة والباحثة في علم الاجتماع بجامعة تونس، رانية غويل، أن التونسي يعيش الاحتفالات ببعدها الرمزي المتّصل بحب الحياة والسعي إلى السعادة. وترى أن ليلة رأس السنة تمثّل فرصة لتخفيف الضغط النفسي المتراكم بسبب الظروف الاقتصادية والعمل والدراسة، وتجديد الطاقة الإيجابية من خلال الاجتماع العائلي.

وتضيف غويل أن التونسي بطبعه ميّال إلى الاستهلاك ويحبّ مجازاة نفسه بأطباق متنوعة خلال المناسبات، وأن الاحتفال بهذه الليلة مرتبط بذاكرة جماعية تستحضر فكرة البدايات الجديدة والأمل في مستقبل أفضل، وهو ما يظهر في التفنن في إعداد الطعام وتهيئة أجواء خاصة. وتشير إلى أن مختلف الفئات الاجتماعية تحتفل بهذه المناسبة كل وفق إمكانياته، لكن بروح واحدة تجمع بين الرغبة في الفرح وتوديع عام واستقبال آخر بطقوس من التفاؤل.

ومن جانبها، تؤكد الأخصائية النفسية، سلوى طاجين، أن التونسي بطبيعته دائم السعي نحو السعادة، مستندًا إلى قدراته على التكيّف وذكائه الاجتماعي والعاطفي، ما يجعله يتصيد كلّ مناسبة تمنحه شعورًا بالبهجة والانفراج. وتعتبر أن الاحتفالات تمثّل فرصة للتخفيف من الأعباء النفسية واستعادة قدر من التوازن.

وتشير طاجين إلى أن التونسي يجد في لم الشمل العائلي والمناسبات الاجتماعية متنفسا من ضغوط الحياة اليومية، مهما كانت إمكاناته المادية، باعتبار أن خلق أجواء من الفرح هو شكل من أشكال مقاومة التوتر. وتضيف أن لدى التونسي رصيدا من الإيمان والأمل يساعده على التمسك بفكرة الانفراج رغم الصعوبات، مؤكدة أن الشخصية التونسية في مجملها محبة للحياة وتملك قدرة على إدارة المشاعر وتجاوز الإحباط.

وبين من يختار السهرات العائلية ومن يفضّل الأجواء الاحتفالية في النزل والمطاعم، تبقى ليلة رأس السنة بالنسبة للتونسيين أكثر من مجرد موعد زمني، فهي مساحة للراحة النفسية وتجديد الأمل والاحتفاء بالحياة. وباختلاف العادات والظروف، يظل القاسم المشترك هو الرغبة في استقبال عام جديد بروح أكثر تفاؤلا وأملا في غد أفضل.

   تابعونا على ڤوڤل للأخبار تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments

0 de 0 commentaires pour l'article 321168

babnet