سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..
بقلم: ريم بالخذيري
منذ عودة الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض في عهدة ثانية، وجّه العالم بوصلته اليومية نحو واشنطن، حيث تحبس الدول أنفاسها في انتظار أي قرارات جديدة من الرئيس الأكثر غرابة وتقلبًا في المزاج، والذي يقود أكبر قوة اقتصادية وعسكرية على هواه.
منذ عودة الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض في عهدة ثانية، وجّه العالم بوصلته اليومية نحو واشنطن، حيث تحبس الدول أنفاسها في انتظار أي قرارات جديدة من الرئيس الأكثر غرابة وتقلبًا في المزاج، والذي يقود أكبر قوة اقتصادية وعسكرية على هواه.
ولأن مثل هؤلاء القادة لا يُؤتمن جانبهم ولا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم، فقد اتخذت الدول المرتبطة بالولايات المتحدة والمنافسة لها اقتصاديًا، جملة من الإجراءات الاحترازية والخطط البديلة تحسّبًا لأي خطوة مفاجئة من الرئيس ترامب.
وأكثر ما يمكن أن يمنح الدول قوة وردعًا هو السلاح، فالسلاح كان تاريخيًا ولا يزال حارس المال وأداة النفوذ. فلا يمكن ربح حرب اقتصادية دون ترسانة عسكرية تساندها، وإن اقتضى الأمر ترسانة نووية كاملة.
إذ لا يخفى أن القوى الاقتصادية الكبرى – باستثناء اليابان – تمتلك الأسلحة النووية، وأهمها: الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والهند، فيما تسعى دول أخرى مثل كوريا الشمالية وباكستان وإسرائيل للاستفادة من ترسانتها النووية لتكريس مكانتها كقوى اقتصادية.
حماية المال بالسلاح
بالتزامن مع الحرب الاقتصادية التي أعلنها الرئيس الأمريكي، والتي لم تستثنِ أحدًا تقريبًا، صرّح ترامب مرارًا بأنه مصمم على إعادة الهيبة العسكرية لبلاده، وأنه ماضٍ في “تأديب” خصومها ممن يخططون لانتزاع السيادة الاقتصادية منها، وعلى رأسهم الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.وكان أول قراراته الرمزية في هذا الاتجاه إعادة تسمية وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”، وهي التسمية الأصلية التي تمّ التخلي عنها منذ عام 1789، مبررًا ذلك بأن “الاكتفاء بالدفاع لا يليق بدولة اعتادت أن تفوز في كل الحروب”.
تسميةٌ ذات دلالات سياسية ونفسية قوية، تعكس تحولًا في العقيدة الأمريكية من الدفاع إلى المبادرة والهجوم، خاصة بعد سلسلة العقوبات الاقتصادية التي فرضها على دول منافسة.
العودة المرعبة
في خطوة هزّت المجتمع الدولي، أعلنت واشنطن استئناف تجاربها النووية بعد توقف دام أكثر من ثلاثة عقود بحجة “اختبار فعالية الرؤوس القديمة وتطوير جيل جديد من الأسلحة منخفضة القوة”.وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة القرار بأنه “رسالة مقلقة للعالم بأن الردع النووي عاد إلى الواجهة بدل الدبلوماسية”.
بينما قال وزير الدفاع الأمريكي “لسنا نسعى للحرب، لكننا لن نسمح لأحد بأن يتفوق علينا في القوة النووية مجددًا.”
ومعلوم أن الولايات المتحدة عام 1996 انضمّت إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والتي تحظر كل التفجيرات التجريبية النووية، سواء لأغراض عسكرية أو مدنية. لكن نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أكد أن الترسانة النووية لبلاده تحتاج إلى اختبارها لضمان عملها بشكل صحيح، بدون إعطاء تفاصيل حول طبيعة تلك الاختبارات.
وأجرت الولايات المتحدة 1054 تجربة نووية، الأولى كانت في 16 جويلية 1945، وآخرها عام 1992 (وكانت عبارة عن تفجير تحت الأرض بقوة 20 طنا في موقع نيفادا للأمن النووي). وهي تبقى الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري، عندما ألقت قنبلتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية.
ردود فعل فورية
في رد مباشر، أنزلت روسيا غواصة نووية استراتيجية في عمق القطب الشمالي، قادرة على حمل صواريخ “بولافا” العابرة للقارات، في عرض عسكري ضخم أعاد للأذهان مشاهد الحرب الباردة.وإنزال الغواصة "خاباروفسك" الذرية يعني بدء تشغيل منظومة "بوسيدون+الغواصة".
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال “من يحاول تهديد روسيا عليه أن يتذكر أن لدينا قدرات لا مثيل لها على الأرض وتحت الماء.”
أما الصين، فقد أطلقت طائرتها الشبحيّة من الجيل السادس تشنغدو جيه-36 (J-36) القادرة على التحليق بسرعات فرط صوتية وحمل أسلحة نووية تكتيكية، في خطوة اعتُبرت تحديًا مباشرًا لواشنطن.
وصرّح الناطق باسم وزارة الدفاع الصينية: “من يريد محاصرة الصين اقتصاديًا عليه أن يواجهها تكنولوجيًا أولًا.”
وفي خضم التصعيد بين القوى الكبرى، عادت كوريا الشمالية لتذكّر العالم بأنها رقم صعب في معادلة الردع.
فقد أجرت بيونغ يانغ سلسلة من التجارب الصاروخية العابرة للقارات، وأعلنت تطوير “قنبلة هيدروجينية مصغّرة” قابلة للتحميل على صاروخ بعيد المدى.
وقال الزعيم كيم جونغ أون في خطاب بثه التلفزيون الرسمي: “سلاحنا النووي ليس للمساومة، إنه ضمان سيادتنا ضد الاستعمار الجديد.”
هذه التطورات جعلت شبه الجزيرة الكورية واحدة من أكثر بؤر التوتر سخونة في العالم، وأعادت إلى الواجهة خطر مواجهة نووية حقيقية.
تسابق عالمي محموم
الهند بدورها أجرت تجارب ناجحة على صاروخ “أغني-V” بمدى يتجاوز 5000 كلم، فيما أعلنت باكستان تطوير رؤوس نووية تكتيكية قصيرة المدى.وفي الشرق الأوسط، تكثّف إيران تخصيب اليورانيوم وأطلقت جيلًا جديدًا من أجهزة الطرد المركزي رغم الضربات الأخيرة التي أضعفت برنامجها النووي، بينما واصلت إسرائيل تطوير ترسانتها النووية غير المعلنة، وسط صمت غربي مريب.
وفي أوروبا، أعلنت فرنسا زيادة ميزانية التسلح بنسبة 20%، ودعت ألمانيا إلى تشكيل جيش أوروبي موحّد لمواجهة “التحديات الوجودية”، فيما بدأت اليابان – الدولة الوحيدة التي عانت من القنبلة النووية – تطوير صواريخ هجومية بعيدة المدى في سابقة غير معهودة.
مستهلكون للقوة ضعفاء
وسط هذا السباق المحموم نحو التسلّح النووي والتكنولوجي، تبدو الدول العربية خارج المعادلة تمامًا، إذ تحوّلت إلى أكبر سوق عالمي لشراء السلاح دون أن تملك القدرة على تصنيعه أو حتى صيانته.تعقد هذه الدول صفقات خيالية بمليارات الدولارات لاقتناء مقاتلات وصواريخ وأنظمة دفاع متطورة، لكنها تبقى عاجزة عن حماية حدودها أو اقتصادها، لأن قرارات استخدام تلك الأسلحة في الغالب ليست بيدها، بل مرهونة بالموردين الكبار الذين يملكون مفتاح التشغيل والإمداد.
في هذا السياق، قال خبير التسلح البريطاني ريتشارد بريستون في تقرير لمركز “جينز” الدفاعي:
“الشرق الأوسط ينفق أكثر من 15% من مداخيله النفطية على شراء السلاح، لكنه لا يملك منظومة ردع مستقلة، وهو ما يجعله رهينة لمصالح القوى الكبرى.”
بينما يرى محللون عرب أن هذا النمط من الإنفاق العسكري “يخلق اقتصادًا هشًا”، لأن الأموال التي تُصرف على التسليح تُستنزف من ميزانيات التنمية والتعليم والبحث العلمي، دون أن تنتج أمنًا فعليًا. بل إن بعض هذه الصفقات – كما حدث في اليمن وليبيا والسودان – تحوّلت إلى أدوات صراع داخلي بدل أن تكون أدوات دفاع وطني.
الحرب النووية الاقتصادية
ما يجري اليوم ليس مجرد سباق تسلح تقليدي، بل عودة صريحة إلى منطق الحرب الباردة الذي حكم العلاقات الدولية لعقود، وإن تغيّرت أدواته وميادينه.الاقتصاد بات ساحة المعركة الأولى، والتكنولوجيا أضحت سلاح الردع الجديد، بينما النووي عاد ليؤكد وجوده كـ"الورقة الأخيرة".
كل قوة اليوم تتحرك بمنطق “الاحتواء المتبادل”، فواشنطن تفرض العقوبات وتستخدم الدولار كسلاح، وبكين ترد بتقييد صادرات المعادن النادرة، وموسكو توظف الطاقة والنووي كأداتي نفوذ وردع.
وفي تصريح لافت، قال الأمين العام لحلف الناتو مؤخرًا:
“العالم يدخل مرحلة جديدة من التوتر الدائم، ليست حربًا باردة كلاسيكية، لكنها ليست سلامًا أيضًا، إنها حرب اقتصادية مسلّحة.”
بينما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة من “سباق تسلح نووي قد يخرج عن السيطرة”، داعيًا القوى الكبرى إلى “عقلنة الخوف قبل أن يتحوّل إلى جنون”.
وهكذا يقف العالم اليوم على أعتاب نظام دولي جديد، لا تحكمه الأيديولوجيا بقدر ما تحكمه المصالح الاقتصادية المحروسة بالصواريخ العابرة للقارات.
كل المؤشرات تشير إلى أننا ندخل مرحلة حرب عالمية باردة الطابع، اقتصادية الأدوات، نووية الردع، عنوانها الأبرز:
من يملك المال والسلاح... يملك القرار والمستقبل.
أرقام ودلالات
* الولايات المتحدة الأمريكية: تحتلّ المرتبة الثانية نوويًا بحوالي 5177 رأسًا نوويًا، والأولى اقتصاديًا في العالم بناتج محلي يفوق 30 تريليون دولار.* روسيا: الأولى نوويًا بأكثر من 5450 رأسًا نوويًا، والتاسعة اقتصاديًا (حوالي 2.5 تريليون دولار).
* الصين: ثالثة نوويًا بحوالي 600 رأس نووي، وثانية اقتصاديًا (19 تريليون دولار).
* فرنسا: الرابعة نوويًا (290 رأسًا) والسابعة اقتصاديًا (3.3 تريليون دولار).
* المملكة المتحدة: الخامسة نوويًا (225 رأسًا) والسادسة اقتصاديًا (4 تريليونات دولار).
* الهند: السادسة نوويًا (180 رأسًا) والخامسة اقتصاديًا (4 تريليونات دولار).
* باكستان: السابعة نوويًا (170 رأسًا) وخارج العشرة الأوائل اقتصاديًا.
* الكيان المحتل: الثامنة نوويًا (90 رأسًا) ومتوسطة اقتصاديًا إقليميًا.
* كوريا الشمالية: التاسعة نوويًا (50 رأسًا)، وضعيفة اقتصاديًا لكنها تستخدم النووي كورقة بقاء.







Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 318329