تونس: ألم يحن وقت مراجعة كل شيء والقطع التام مع الماضي بعد نزول تصنيفها السيادي إلى الحضيض وعدم اختيار أي جامعة تونسية ضمن الألف أفصل جامعة في العالم

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/63d59e17ada2d1.90301157_fmoeiqlgjnhkp.jpg width=100 align=left border=0>


كريم السليتي (*)

بعد اعلان وكالة التصنيف الائتماني موديز تخفيض الترقيم السيادي لبلادنا إلى Caa2 مع أفاق مستقبلية سلبية. وكذلك عدم حصول أي جامعة تونسية على ترتيب ضمن الألف جامعة الافضل في العالم التي أصدره تصنيف شنغهاي للعام 2022 والذي تضمن عديد الجامعات العربية من السعودية ومصر والاردن وقطر. يطرح المواطن التونسي تساؤلات حول أين الخلل الذي أدى لكل هذا التراجع وماهي الحلول الممكنة والمناسبة لتجاوز هذه الأزمة؟!

...

في البداية هناك سؤال منهجي مهم يتعين طرحه: هل هذا الأمر مرتبط بسياسات الحكومة الحالية فقط أم هو نتيجة ترسبات أكثر من نصف قرن من العشوائية في ادارة الاقتصاد والشأن العام؟

الإجابة هي بالتأكيد أننا اليوم نحصد ما زرعناه طوال نصف قرن من العشوائية في اتخاذ القرارات وفي التعيينات وفي وضع السياسات. هذه ليس تبرأة للحكومة الحالية في تونس لأنها في الحقيقة هي تواصل لسلسلة حكومات الفشل التي تواصل الهروب إلى الأمام وترفض بشدة القطع مع سياسات الماضي. الماضي الذي اتسمت سياسته وقرارته منذ منتصف السبعينات إلى اليوم بتغليب المصلحة الفردية والفئوية والأجنبية وتقديمها على السيادة الوطنية وعلى كرامة المواطن وعلى الحريات العامة وعلى العلم والكفاءات المختصة وعلى مصلحة الشعب عمومًا . نحن نكرر منذ نصف قرن نفس السياسات والتجارب بنفس العقلية ونتوقع نتائج مختلفة.
2023 ليس هو نفسه 1973، لا يمكن لنفس السياسات الانغلاقية التقوقعية الفئوية اقتصاديا وماليا واداريا وتعليميا وصحيا ولغويا ودينيا وأمنيا أن تنجح اليوم. الحنين للماضي لا يعني أبدا أن تطبيق سياسات الماضي ستنجح في عهد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمعرفة والعلم والانفتاح على العالم. تونس اليوم في آخر ترتيب الأمم من حيث صحة ماليتها العمومية، لماذا؟!
1️⃣لأن تونس الدولة هي من أكثر الدول في العالم اتباعًا واستماعا وتنفيذا للمقررات الفرنسية وتأخرت كثيرًا في الخروج من الفقاعة الفرنكوفونية إلى عالم أرحب مليء بالفرص.
2️⃣لأنها الدولة الوحيدة التي تكبل شبابها وتعتبره مذنبًا إلى أن تثبت براءته.
3️⃣ لانها الدولة الوحيدة المتمسكة باذلال المواطن والمستثمر عبر اجراءات بيروقراطية طويلة ومعقدة انتهت صلاحيتها منذ نصف قرن في بلدان اخرى
4️⃣ لانها البلد الوحيد الذي يُعتبر فيه السفر للخارج دون تعطيل أو اجراء خدمة ادارية أو تحويل مالي بنجاح انجازا كبيرا للمواطن يستحق الاحتفال.
5️⃣ لأنها الدولة الوحيدة التي اجتمع فيها التشدد النقابي بالتشدد الاداري بالتشدد الجبائي بالتشدد الأمني.
6️⃣ لأنها الدولة الوحيدة التي تعتمد العشوائية والمحسوبية في تنظيم وهيكلة الادارات والموسسات العمومية حيث تجد على سبيل المثال أن أغلب موظفي وزارات الصناعة والاتصالات والمواصلات والمالية والاقتصاد من اختصاصات ادبية وحقوقية مما يجعلها عاجزة عن متابعة التطورات في الداخل والخارج لعدم اختصاص الموظفين.

الدولة التي أوقفت صانع الطائرات بدون طيار وأقالت مدير المدرسة الذي بلط الساحة بتبرعات المتطوعين وقاضت الطبيب الذي يعالج الفقراء في قابس مجانًا وصرفت مليارات على مدينة الثقافة للغناء والرقص والمجون وجامعاتها ومؤسساتها التعليمية ومستشفياتها العمومية خربة تحتاج الصيانة، وأحالت المقرئ الكويتي والقائمين على جمعيات خيرية للتحقيق …هي في الحقيقة غير واعية بتأثير كل ذلك ومساهمته بشكل أو بآخر في انتشار الخوف والتقوقع على الذات وعدم المبادرة وهجرة الأدمغة وهروب الاستثمارات وتبددالثروة وهو ما يؤدي في الاخير الى الحط من حين لآخر في ترقيمها السيادي، لأن الإزدهار الاقتصادي مرتبط بسيادة المواطنين على أرضهم وبالحريات العامة وبتقديم العلم على التفاهة.

هذا الوضع المحزن متواصل منذ أكثر من نصف قرن وليس وليد الساعة كما قلنا والمسؤولون أجيالًا وراء أخرى لم يفهموا بعد أن الدولة كلما ازدادت تطرفا وتشددا وقمعا وبطشا بمواطنيها البسطاء وتسامحًا مع المفسدين كلما تراجع الاقتصاد وتأزمت المعيشة وتشتت الأسرة والمجتمع. صورة الدولة في الذهنية التونسية هي تلك التي تحتفي وتعطي "الجزرة" للتافهين والمتنفذين والفاسدين وتعطي العصا" وتتعامل بغلظة مع بقية المواطنين".
هيبة الدولة لن تتحقق بمثل هذه الطريقة ، بل بعكسها بإظهار الرحمة بالضعفاء وبإجبار الأقوياء والمتنفذين على الالتزام بالقانون.

يوم تكون تونس لكل التونسيين دون اقصاء وتتخلى الدولة عن خدمة الأجندات الفئوية والاستعمارية على حساب حرية شعبها وتقدم مصلحة المواطن على مصلحة الأجنبي وتقدم العلم والعلماء على التفاهة والتافهين وتضبط بوصلة الإعلام وتعامل التونسيين بإحترام وتحترم عقولهم وذكاءهم، يومها سيتحسن الترقيم السيادي ويتطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي ويتدفق الاستثمار الداخلي والخارجي وتزداد ثقة المواطنين في بلادهم ولن نحتاج وقتها لصندوق النقد الدولي.

* كريم السليتي
كاتب وباحث في السياسات الحكومية




   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 260774

Haffou  (Tunisia)  |Dimanche 29 Janvier 2023 à 07h 20m |           
يوم تكون تونس لكل التونسيين و و و .... كيف يكون ذلك و تونس بين فكي
فرنسا؟


babnet
All Radio in One    
*.*.*