مصبـــــــــــــــــــاح الجربوع وصديقه الجزائري..

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5e3072e119e0a6.09134831_hglqkfeinopjm.jpg width=100 align=left border=0>


نصرالدين السويلمي

والد الزوجة الجموعي كلبوز جزائري يقارب اليوم 90 سنة، والده من كبار الفلاحين في الشّرق الجزائري، رفض الجموعي الاشتغال بالفلاحة كما ارتدى الزي "الإفرنجي" او هكذا كانوا يسمونه في تلك المرحلة، ورفض ارتداء الزي العربي التقليدي وغاص في عوالم السّياسة، تعرّف على جماعة مصالي، تعرّف على بن مهيدي وكوّن علاقة جيدة مع الكثير من رموز الثّورة الجزائريّة قبل وبعد انطلاقها، من أصدقائه بن بلّة وعبدالحميد مهري والكثير من رموز الثّورة وشهدائها، لديه صداقات خاصّة من رموز منطقة القبائل، صداقة متقدّمة جدا مع كريم بالقاسم وعلاقة متوتّرة جدا مع عميروش.. دخل تونس عام 1947 ، عشق تونس وعشقته، كان رحّالة تونس بامتياز، في سنّ 16 سنة شرع يجوب البلاد من شمالها إلى جنوبها، يتمتع بذاكرة صلبة، يستذكر في هذا السّن تفاصيلا ملفتة، خالط تقريبا كل العروش التونسيّة ويعرف حدودها وخصالها..

...

حين أسافر إلى الجزائر في العديد من المرّات تنتهي العطلة الصّيفيّة وأعود إلى ألمانيا ولا نستكمل النقاش ومطارحة الذكريات، من الطرائف أنّ سي الجموعي كما يكنّى في الثّورة، كان يسرد لي بعض ذكرياته مع أهالي جلاص، شديد الاعجاب هو بفروسيّتهم وكرمهم، ومن فرط إعجابه بجلاص أردت أن أستشرف رأيه في جهة القصّرين، سألته وماذا عن الفراشيش كرماء أم لا ، قال "ما تقدرش تعرفهم لأنّهم فقراء ما عندك ما تسْتي فيهم" أيّ لا يمكنك اختبارهم لفقرهم..

في سنة 1948 تعرّف سي الجموعي على مصباح الجربوع، كان مصّباح يجمع الطّلبة الجزائرييّن في بيته ثم يرتّب لهم العبور بشكل جماعي إلى مصّر للدراسة في الأزهر، تأخّر الجموعي عن القافلة الأولى وكان عليه أن ينتظر لمدّة شهرين في بيت مصباح "واكل شارب راقد" بالمجّان، كانت تلك واحدة من المراحل التي نحتت شخصيّة المجاهد الجزائري كلبوز جموعي، كان مصباح بمثابة المعلّم والأبّ الروحي للجموعي، كانت زوجة مصباح بمثابة الأمّ تحنو على الشّاب الجزائري "17سنة" كابنها تماما.. يملك الجموعي رغبة رهيبة في بناء علاقات اجتماعيّة وخاصّة سياسيّة ووجد في مصباح عزوته، في سنّ متقدّمة تعرّف الجموعي على بورقيبة كان ذلك سنة 1952 عندما نقلت فرنسا بورقيبة من طبرقة إلى الجنوب، هناك كان الجموعي في زيارة إلى صديقه مصباح، أين ترددا على بورقيبة حتى نقلته فرنسا إلى جزيرة جالطة.

يقول الجموعي أنّ أول لقاء له ببورقيبة كان في بداية شبابه، ذهب مع مصباح وكان بورقيبة مع محمود الماطري "بجهة قبلي تقريبا"، وجده بصدد ذبح جدي فتدخّل الجموعي للمساعدة لكن بورقيبة استوقفه " أنت تفرّج وإشوي وكول فقط يا دزيري"، كان ومازال الجموعي يعتبر بورقيبة من أذكى الزعماء العرب وأقدرهم على المناورة وقراءة الأحداث، في الخير وفي الشر، في مصلحة تونس وضدّ رفاقه الذين يعتبرهم من المنافسين الجدّيّين له.
عندما اندلعت الثّورة الجزائريّة استقرّ الجموعي رسميّا بتونس وأصبح مسؤول العلاقات والتجنيد، كان الواسطة بين الدولة التونسيّة وبين الجزائريّين، يؤكّد الجموعي أنّ بورقيبة في القضايا الكبيرة بين البلدين يميل كثيرا إلى الحوار مع كريم بالقاسم لما يتميّز به من هدوء وحجّة واحترام للطرف المقابل، كان حين تأتيه شخصيّة جزائريّة متوترة يقول" علاش ما يبعثوش كْريمْ" يقصد كريم بلقاسم.

يؤكّد الجموعي أنّ تونس المستقلة كانت تقدّم للمجاهدين في الجبال الجزائريّة ثلث ما يصلها من السّلاح، حين كانت تبني مؤسّستها العسكريّة، 3 بنادق.. 2 لتونس وواحدة للمجاهدين الجزائريّين، وأكّد أنّه كان المكلّف بتلك المهمّة، التنسيق مع الطرف التونسي ورعاية السّلاح حتى يصل إلى الجبال الجزائريّة.

ربط الجموعي علاقة تجاوزت الصداقة إلى الأخوّة مع الهادي المبروك حين كان واليا على سبيطلة، برفقة المبروك تعرّف الشّاب الجزائري على دواليب السّياسة، تنقل مع والي المدينة حتى في المناسبات الرسميّة، وكان سي الجموعي وبعد أن ينهي عمله في صفوف الجزائريّين المهجّرين في تونس، يذهب إلى بيت سي الهادي ليسهر إلى ساعة متأخرة من الليل، كانت علاقة سي الجموعي متوترة جدا مع بعض الشخصيّات التونسيّة على رأسهم المرحوم عمر شاشيّة، حتى أنّ الهادي المبروك قال له "شبيك أنت وسي عمر كيف القط والفار"، ثم قرّر الوالي أن يتدخّل لرفع اللبس بين الرجلين، لكن يبدو أنّ الأمر لا يتعلق بلبس بقدر ما يتعلق بشخصيّات متنافرة الطباع.
يملك الجموعي علاقة جيدة مع الدكتور محمود الماطري "طبيبه" استمرت حتى بعد أن تقلّد الماطري منصب وزير الصحّة، الملفت أنّ موقف الجموعي من لزهر الشرايطي شديد السلبيّة، كان يصفه بالمجاهد الفظّ الغليظ، يقول الجموعي، أنّ "لزهر الله يرحمو" يتسم بالشجاعة، لكنّه"حڨار" ولا يقبل النقاش، عادة ما يلجأ للقوّة في أول احتكاك، ويأخذ عليه ولعه المفرط بالنّساء، ثم يؤكّد أنّ الأزهر كان يفتك بالمرأة التي تعجبه، وأنّه دخل معه في سجالات كادت تصل إلى ما لا يحمد عقباه.

يميل الجموعي كثيرا إلى بورقيبة ولا يخفي تأثّره به. جلّ نقاشاتي مع نسيبي الرجل الذي أنهكتنه الأمراض، الرجل الواعي الجاهز للردّ الدقيق والدقيق جدا في التواريخ وفي استحضار الأحداث، في جلّ نقاشاتي معه كان يطالبني حين نتحدث عن بورقيبة بعدم استحضار المسألة الدينيّة حتى لا نشتبك، كان يطالبني أن أتجرّد في حكمي على بورقيبة السّياسي وليس بورقيبة في علاقته بالإسلام، حين كنّا نتطارح حول اليوسفيّة وجريمة فرانكفورت، كان يقرّ بخطأ بورقيبة، لكنّه كان يؤكّد أنّ كل الثّورات حين تشارف على الانتصار أو تنتصر، تسعى الأطراف النّافذة إلى التخلّص من بعضها، وقال أنّ بن يوسف كان يسعى إلى التخلّص من بورقيبة، ثمّ قال "هل تعتقد يا بني أنّ الضباط الذين أعدمهم بورقيبة كانوا سيرحمونه لو تمكّنوا منه وهل تعتقد أنّهم كانوا سيعتمدون الديمقراطيّة في تونس لو نجحوا في انقلابهم"، كان يدين التصفيات التي أقدم عليها بورقيبة، لكنّه كان يقلق كثيرا من تنزيه خصومه ورفعهم إلى مستوى الوطنيين الذين أرادوا بناء الدولة الوطنيّة فحال بورقيبة دون ذلك، قال لي مرّة وهو في حالة غضب، حين قلت له "كيف تسمح لنفسك بالإعجاب بمجرم قتل رفيق دربه؟" قال" أنت معجب بصالح بن يوسف اللي يحب يطبّق أفكار عبد النّاصر في تونس وأنا معجب ببورقيبة اللي يحبّ يطبّق أفكار بورقيبة في تونس".

يقول الجموعي أنّه وبعد الاستقلال سنة 1962 وقعت مشكلة بين السلطات التونسيّة والجزائريّين الذين كانوا يستعدون إلى مغادرة البلاد، كانت الثروة الحيوانيّة التي سيغادر بها الأهالي كبيرة، بحيث تؤثر على تربية الماشية في المناطق الحدوديّة "الشمال والوسط الغربي"، فصدر قرار يسمح للجزائريّين فقط باصطحاب المواشي التي جاءوا بها من الجزائر بعد انطلاق الثورة، حينها وقعت مشاكل كبيرة كادت أن تتحوّل إلى اشتباكات، عندها دخل الجموعي في حوار مع المسؤولين التونسيّين، لكن المشكلة كانت تتفاقم والوقت يزحف وينذر بالشر! ولحلحلة الازمة توجّه الجموعي إلى العاصمة، فأخبروه أنّ بورقيبة في قصر سقانصن فسافر إلى المنستير، لمّا وصل أخبره أحد المسؤولين هناك أنّ الرئيس بصدد المغادرة الآن، دقائق وخرج بورقيبة، كان الشاب قد كبر ومرّت سنوات على لقاء المنفى وحادثة الجدي، حين اقترب بورقيبة، ركز قليلا ثم قال "الدزيري.. الجموعي، مرحبا بيك تفضل" كانت مفاجئة للجموعي أن يذكره بورقيبة بعد كل تلك السنوات وبالاسم! المهمّ تمّت تسوية القضيّة وسُحب الفتيل.

ولعلّ من أطرف ما روى المجاهد الجزائري سي الجموعي، تلك الحادثة المتعلّقة بالعلم! يقول الجموعي أنّ الجزائريّين اتخذوا مبنى في تاجروين كإدارة لشؤون المجاهدين أو ما يقارب، ورفعوا فوقها العلم الجزائري، بعد مدّة "سنتين تقريبا" تأسست بلدية تاجروين"أو معتمديّة نسيت"، ومن الطبيعي أن ترفع العلم التونسي، لكن الجزائريّين رفضوا أن يرتفع العلم التونسي أكثر من العلم الجزائري بما أنّ البلديّة كانت محاذية لبنايتهم، مشكلة خلّفت حالة من التوتر انتهت بتدخل سي الجموعي وبعض العقلاء لشرح ما معنى دولة ذات سيادة وما معنى ضيوف على تلك الدولة وان كانوا في مرتبة الاخوة.

والآن سي الجموعي في مرضه وشيخوخته، وبعد أن أنهكه غسيل الكلى وفي سن متقدّمة، وبالكاد يتمكّن من تحريك قدميه، حين نتحدّث عن تونس يقول لو تعود لي صحتي أول شيء أفعله أسافر لشرب قهوة في شارع الحبيب بورقيبة، يعشق الجموعي هذا الشارع بشكل كبير، كان يتردّد عليه بعد الاستقلال ويلتقي فيه بأصدقائه القدامى، كان كثيرا ما يقلق حين يسألني عن تفاصيل العاصمة التونسيّة ولا يجد الإجابة، يسألني عن عيادات وعن محلات عتيقة هناك.. أذكر مرّة سألني عن تارزي في أحد أنهج العاصمة "نسيته"، قلت له أنا لا أعرف أيّ تارزي في مدينة القصّرين فكيف أعرف تارزي في العاصمة.. يرمقني ثم يعود الى سرد أقاصيصه بحنين كبير.

في كلّ سفراتي تقريبا، يسألني الجموعي عن صاحبنا، يقصد الغنوشي "وينو صاحبكم مازال شاد"، يملك الجموعي مواقف سلبيّة من غالبيّة الصفّ الإسلامي، يحبّ سيّد قطب، ويميل كثيرا إلى التجربة الإيرانيّة، يمدحها باستمرار،يقول أنّ علي بالحاج راجل بڨلبوا وأنّ الغنوشي راجل بعقلو...

في لقائي قبل الأخير بعمي الجموعي كنت استخرجت صورة من النّت لمصباح الجربوع، وقرّرت أن أعرضها عليه، وصلت الجزائر وفي نفس اليوم في السهرة أخرجتها، وقلت "لمن هذه الصورة؟" خانه النظر والزمن، قال هل أعرفه شخصيّا أمّ عبر التلفاز؟ قلت بل شخصيّا فقط عد إلى الوراء أكثر من نصف قرن، ظلّ يفحص الصورة بصمت لدقيقة ربّما، ثم نهنه ثم ارتقع صوته إلى أقلّ من النحيب ثم همس.. مصّباح.. مصّباح.. الله يرحمك يا صاحبي..



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


1 de 1 commentaires pour l'article 196997

BenMoussa  ()  |Mercredi 29 Janvier 2020 à 10h 52m |           
روايات الجموعي تنقصها الدقة وتتخللها كثير من الاوهام
على سبيل المثال زيارته لمصباح الجربوع في بيته والكائنة بمعتمدية بني خداش وتردده من هنالك على بورقيبية المنفي في الجنوب وفي حقيقة الامر في برج الباف الواقع جنوب رمادة ووقع تغيير اسمه الى برج بورقيبة
والمسافة بين البرج وبني خداش تزيد عن مائة وخمسين كيلوميتر وتقع كلها في منطقة عسكرية تحت رقابة وحكم الجيش الفرنسي فعن اي تردد يتحدث؟
ثم ان مصباح الجربوع في الاربعينيات وقبل قيام الثورة لم يكن له شأن يذكر فلم يكن من وجهاء القوم ولا من اغنيائهم ولم يكن له بيت يقصد فكيف يقصده زائر اجنبي ويقيم عنده
استاذ نصر الدين بلغ الجموعي كلبوز ان كبار الحومة والجنوب ما زالو ما ماتوش فلا تزوروا التاريخ


babnet
All Radio in One    
*.*.*