الحلول الاقتصادية العاجلة ... الحلول الوقتية ليست حلًا
نورالدين بن منصور
لا يمكن إنقاذ أي اقتصاد بإجراءات طارئة، لأن هذا النوع من الإجراءات ليس إلا حلولًا ترقيعية، ولم يسبق له أن أحدث أي أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي العام. لقد تغيّر الزمن، ونتيجة لذلك، اتخذت حلول إعادة هيكلة الاقتصاد مسارات أخرى أكثر واقعية. في الحقيقة، ما يقترحه الوزير ليس إلا حلولًا جزئية، وهي في الواقع مجرد حلول مؤقتة لا تُحسّن مستقبل الصناعة. للأسف، الوقت ينفد، والقادة الاقتصاديون ما زالوا غافلين عن الواقع. إنهم غير مبالين أو عاجزين عن إيجاد الحلول المناسبة لانتشال البلاد من هذا الركود الاقتصادي الذي يستمر في التدهور. هذه مقترحات متسرّعة تتجاهل جوهر المشاكل الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل.
لا يمكن إنقاذ أي اقتصاد بإجراءات طارئة، لأن هذا النوع من الإجراءات ليس إلا حلولًا ترقيعية، ولم يسبق له أن أحدث أي أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي العام. لقد تغيّر الزمن، ونتيجة لذلك، اتخذت حلول إعادة هيكلة الاقتصاد مسارات أخرى أكثر واقعية. في الحقيقة، ما يقترحه الوزير ليس إلا حلولًا جزئية، وهي في الواقع مجرد حلول مؤقتة لا تُحسّن مستقبل الصناعة. للأسف، الوقت ينفد، والقادة الاقتصاديون ما زالوا غافلين عن الواقع. إنهم غير مبالين أو عاجزين عن إيجاد الحلول المناسبة لانتشال البلاد من هذا الركود الاقتصادي الذي يستمر في التدهور. هذه مقترحات متسرّعة تتجاهل جوهر المشاكل الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل.
تتمثّل الملاحظة الأولى بشأن أسباب الكارثة الاقتصادية الحالية في التشخيص الخاطئ للوضع. فلم يتم إجراء تشخيص أولي، مصحوب بتحليل شامل. السبب الرئيسي وراء ذلك هو عدم كفاءة بعض القادة الاقتصاديين في البلاد، أو ببساطة لامبالاتهم. فهم دائمًا ما يبحثون عن حلول جزئية وجاهزة. وبشكل عام، تستند الإجراءات المتخذة لتصحيح مسار الاقتصاد إمّا إلى تشخيصات خاطئة أو قرارات متسرّعة. هذه إجراءات غير كافية لمعالجة الوضع. وبشكل عام، تفشل جميع سيناريوهات التصحيح الاقتصادي أو إعادة الهيكلة في التوافق مع المشاكل الحقيقية التي يواجهها الاقتصاد الوطني الحالي.
مراحل إعادة هيكلة الاقتصاد
إن مرحلة إعادة هيكلة أي اقتصاد، في الواقع، هي نتيجة تحليل إخفاق محدّد تفاقم بسبب ردود الفعل المتأخرة، أو عدم الكفاءة، أو اللامبالاة. لم تعد هذه المواقف الثلاثة مقبولة لأنها تؤدي حتمًا إلى طريق مسدود ستكون كلفته مرتفعة في المستقبل. لا يوجد حل سحري.أما بالنسبة لإعادة هيكلة الصناعة وشركاتها التي أظهرت نقاط ضعف معيّنة، فبمجرّد أن يتفاقم الضرر، لا يمكن إنقاذ النشاط إلا من خلال تجميع مجموعة من التدابير والدعم مع الحفاظ على الموارد المالية اللازمة لمثل هذه الإجراءات. المنقذون الحقيقيون هم أولئك الذين يتدخلون قبل وقوع الضرر أو قبل حدوثه. هؤلاء المنقذون هم من يمتلكون رؤية مستقبلية وخيالًا واسعًا، وهم القادرون على استشراف الانهيار في الوقت المناسب. لذا، من المهم للشركات أن تتبنى سياسة نمو تأخذ في الحسبان تطورات السوق المستقبلية، وأن تراقب عن كثب الظروف الاقتصادية الجديدة التي قد تظهر. باختصار، لا يوجد سحرة اقتصاديون، بل يوجد خبراء واقعيون وفطنون يستقون بياناتهم من قدراتهم الشخصية وعقولهم النيّرة.
الأمر المؤكّد هو أن التنبؤ الصناعي الناجح يتطلب ثلاثة شروط: فهمًا عميقًا للتكنولوجيا، والتزامًا بالابتكار، وبناء علاقات جديدة ومستدامة باستمرار مع مجتمع الأعمال المتخصص. بعبارة أخرى، يجب أن يكون المرء ممارسًا، لا مجرد منظّر مكتفٍ بتقديم توصيات عامة. هذا النوع من “الاستراتيجيين” ينظر إلى الواقع الاقتصادي نظرة مختلفة، متشبثًا بعصر الاقتصاد المغلق حيث يعتقد أنه في مأمن من المنافسة الدولية. كما أن القدرة على تحليل التطورات التكنولوجية المستقبلية بدقة شرط أساسي للقائد الناجح. باختصار، يجب أن يكون المرء محترفًا متمرّسًا ذا خبرة عملية واسعة، لا مديرًا ما زال غارقًا في النظريات والتكهّنات. في أوروبا، تقود الأنشطة الاقتصادية الناجحة، كما هو الحال في ألمانيا، مهندسون حقيقيون، لا أنصاف مهندسين محشوين بالنظريات. كثير من هؤلاء الأشباه المهندسين يتبنون حلولًا من دول أخرى، حلولًا لا تتناسب في نهاية المطاف مع السياق المحلي، حيث يكون النجاح جزئيًا أو مؤقتًا. إن تقليد ما فعله الآخرون، لا سيما بنسخهم بالكامل، نهج أعمى وكسول، إذ يفتقر إلى الأصالة لكونه منسوخًا، أو بلغة القانون تزويرًا، أي استخدام وثيقة مزوّرة، وعواقبه متوقعة.
تشجيع الاستثمار
بغضّ النظر عن الوضع الراهن، يجب علينا التأكيد على تشجيع الاستثمار، فهو أساس النمو والتنمية الاقتصادية. تتضمّن استراتيجية الاستثمار الجديدة التخطيط لحلول بديلة للصناعة المزمع إنشاؤها، سواء قبل بدء تشغيلها أو قبل وصولها إلى مرحلة التراجع. بعبارة أخرى، يجب علينا وضع خطط إنقاذ وقائية مع الاستعداد في الوقت نفسه للتنويع. يجب أن تتضمن هذه الاستراتيجية الجديدة، من بين أمور أخرى، بيانات من هذه الصناعة في الدول المرجعية، لذا يجب إجراء تحليل شامل لوضعها قبل أي استحواذ. فبدون معرفة معاييرها، لا يمكن التنبؤ بأهميتها وتأثيرها المستقبلي على التنمية الصناعية للبلاد.على سبيل المثال، أطلقت تونس سياسة جديدة للطاقة المتجددة، وهو مجال جديد تمامًا له تأثير إيجابي للغاية على الصناعة التونسية، شريطة أن تكون استراتيجية تطوير هذه الصناعة الجديدة محددة بوضوح. ولا تقتصر الأهمية على الطاقة المتجددة وحدها؛ إذ يُجبرنا الواقع الجديد على التفكير على المدى البعيد. من الأهمية بمكان إدراك أن تونس، وشمال إفريقيا تحديدًا، تُعدّ المصدر الرئيسي للطاقة في المستقبل. ستحل هذه الطاقة محل النفط، وستؤكد الأيام القادمة هذا التوجّه الجديد، الذي لا يزال صناع القرار الأوروبيون الرئيسيون يُخفونه. ويُعد تحديد دورة حياة هذه الصناعة الجديدة خطوة حقيقية نحو منع تراجع الشركات التي تستخدم هذه التقنية.
أخفق العديد من القادة الاقتصاديين في البلاد في استيعاب مفهوم التنمية استيعابًا كاملًا، وهي عملية إيجابية يسعى من خلالها الفاعلون الاقتصاديون إلى تغيير المجتمع. ولا يمكن للتنمية أن تكون إيجابية إلا إذا تضمنت بُعدًا معياريًا يُفترض أن يُفضي إلى التقدم. ولا يمكن لهذا التقدم أن يكون ملموسًا إلا من خلال تصنيع حقيقي للبلاد، يُفضي إلى نمو مستدام يُؤدي مباشرةً إلى تحسين مستوى المعيشة. وتعتمد هذه الحقيقة بالدرجة الأولى على الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص.
يتعيّن على الحكومة التونسية معالجة الحاجة إلى إنعاش الاقتصاد ككل بشكل عاجل ودون تأخير. وتتطلب هذه المرحلة الحاسمة في الوضع الاقتصادي الراهن إصلاحًا شاملًا للسياسة الصناعية المتبعة حتى الآن، والتي أدت إلى فقدان القدرة التنافسية، وإغلاق بعض المصانع، وانتشار البطالة، وارتفاع تكلفة المعيشة، وغيرها من المشكلات.
وتتمثّل السمة السائدة حاليًا في حالة عدم اليقين بمعناها العام، مع التركيز بشكل خاص على عدم اليقين الاقتصادي العالمي. ويؤثر عدم اليقين المالي بشكل مباشر على حالة عدم اليقين في أسواق الائتمان والأعمال. وقد ترتّب على هذه الحقيقة عواقب وخيمة على سلاسة عمل عدد كبير من الشركات، التي وجدت بعضها نفسها في وضع مقلق، بل كارثي. إن الوضع المتردي لهذه الشركات يُجبر كل مدير، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر، على إيجاد حلول مناسبة لتصحيح أوضاعها. ومن هذه النقطة فصاعدًا، وبعد نقطة معيّنة، يصبح اتخاذ إجراءات تصحيحية أمرًا ضروريًا على مختلف المستويات.
التركيز على نقاط الضعف
لا يمكن إعادة هيكلة الشركات بشكل حقيقي، أو بمعناها الأوسع، دون الكشف الفوري عن نقاط الضعف الخاصة بكل قطاع من قبل الشركات الرائدة فيه. يتحمّل مديرو هذه الشركات المسؤولية الأساسية عن تصحيح مسار عملياتهم بما يُعزّز قدرتهم على المنافسة، لا سيما في مواجهة الشركات التي تُروّج للإنتاج منخفض التكلفة بمنتجات دون المستوى المطلوب. يجب البدء بإعادة هيكلة الشركات الصناعية بشكل عاجل، ويجب أن يهدف ذلك إلى ضمان استدامتها على المدى الطويل.لذلك، يقع على عاتق مديري الشركات الصناعية مسؤولية تطوير وتنفيذ حلول للشركات التي تواجه صعوبات. ويُعد تحليل مؤشرات التدهور في الشركة إجراءً وقائيًا استباقيًا. من الأهمية بمكان إدراك أن تراجع أي شركة أو فرع أو قطاع صناعي يبدأ تدريجيًا بتراجع شركة تلو الأخرى، ويتفاقم هذا التدهور إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية. تؤثر العواقب بشكل مباشر على القطاع بأكمله. إن إدراك أهمية اتخاذ إجراءات تصحيحية في الوقت المناسب واجب وطني للتضامن الاقتصادي مع النسيج الصناعي الوطني ككل.
لم يعد بإمكاننا التفكير بمعزل عن بعضنا البعض. فالصناعة عبارة عن مجموعة من الشركات والفروع والقطاعات المترابطة، بما في ذلك الخدمات، والتي تتواصل وتؤثر في بعضها البعض. لذلك، يجب التعامل مع إعادة الهيكلة بشكل شامل، لا كشركات وفروع منفصلة أو كإجراءات معزولة. صحيح أن لكل شركة، وبالتالي لكل فرع صناعي، خصائصه المميزة، إلا أن ما هو جليّ هو الترابط الذي يوحّد ويربط مختلف القطاعات الصناعية، مما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الخدمات. لذلك، يجب فهم وتحليل أي خلل قطاعي في سياقه العام، وكذلك في سياقه الاقتصادي الجزئي.












Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 320935