فكّ ارتباط النداء بالنهضة.. أيّ تداعيات على الغنوشي وسياساته؟

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/rachedeethafeddddddddddd.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم: شكري بن عيسى (*)

لم يبق على الاغلب من مخرج لنجل السبسي وحاشيته المنتدبة والقديمة، بعد الانكسار العميق الذي خلّفته هزيمة ألمانيا المذلّة أمام العياري، سوى الهرب الى الأمام وتصعيد اللهجة في وجه الحليف الحكومي الاكبر، واعلان فكّ الارتباط السياسي والمعنوي والمستقبلي، مع استمرار تعايش شكلي في الحكومة، في انتظار فكّ ارتباط فعلي يضع حدّا نهائيا للتوافق الذي أُسّس على قواعد شخصية، حكمته لمدّة طويلة تفاهمات السبسي والغنوشي.





الهزيمة كانت مزلزلة في لحظة فارقة يحتاج فيها النداء للمعنويات واختبار حجمه، في المنعرج الحاسم قبل الموعد الانتخابي للبلديات، الذي يفصل بينه وبين التشريعية سنة او تزيد قليلا، وهي محطّات سيرتهن لها مستقبل بل ووجود النداء، خاصة وأنّ الأمر يتزامن مع ترهّل الرئيس المؤسّس السبسي سياسيا، وأيضا مع نتائج سلبية جدا في المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وارتباك حكومي واضح في مكونات الحكومة واستقرارها وأدائها.

"جنت براقش على نفسها" بأن طلبت منافسة، كانت تعتقد انها ستكون مجرّد فسحة سيكون فيها الطريق سالكا، فكانت الصفعة الصاعقة التي كشفت كل العورات، وأسقطت كل التقديرات والتنظيرات خاصة من بطانة المدير التنفيذي المنتدبة، والتي دفعت نحو احداث الشغور في مقعد المانيا، لدفع المدير التنفيذي للدخول في خط مواجهة مباشرة مع الشاهد، بالصعود لرئاسة أعلى منبر تحت قبة باردو، والضّربة كانت قاصمة كشفت التفكّك العميق للجسم الندائي، فكان لا بد من رجّة نفسية كبرى لاسترجاع الروح، ولاثبات استمرار الحياة في الجسم الخائر.

ولم يمرّ اليوم التالي لاعلان "الايزي" فوز ياسين العياري حتى اجتمع حافظ قائد السبسي بـ"جنرالاته"، فالقلعة ستسقط على الجميع ان استمر الصمت مع حالة الهوان والاذلال المقيتة، وصدر البيان مساء الاثنين بامضاء المدير التنفيذي كاشفا "الأفق الجديد"، الذي لن يكون الا باعلان قيام الحركة "بالمراجعات الشجاعة والضرورية في علاقتها مع بعض الاطراف السياسية"، وطبعا الامر لا يحتاج لتدقيق كبير فالطرف الاساسي المعني بالمراجعة هو النهضة، أمّا اتجاه المراجعة فهو فكّ الارتباط القائم، وما رمي مسؤولية القرار على الهياكل التي ستجتمع آخر الأسبوع خلال يومي 23 و24 ديسمبر، الذي سيكون اجتماعا مشحونا الّا لالقاء التهم على العلاقة مع النهضة، و"مدير السياسات" المنتدب قبل أشهر لم ينتظر الموعد ليعلن على راديو "موزاييك" في نفس الليلة بأنهم "سيراجعوا علاقتهم بالنهضة".

النداء بالفعل في حالة عجز كامل فتعبيرة انتخابات المانيا تبرز رفض النداء بشكل أساسي، وفكّ الارتباط هو المخرج الأوّل بل الوحيد للجريح المواجه للفناء، فاستعادة استعداء النهضة (أو في الحدّ مناهضتها) قد يعيد الحياة في الجسم المنهك، واسترجاع الاستقطاب الثنائي قد ينفخ في مشهد سياسي قاتم وباهت وهامد، وقد يبرز النداء كفاعل اساسي في مواجهة النهضة واسترجاع جزء من قاعدته التي استقطبها المشروع وبقية المنشقين بعد عزف الكثيرين على السياسة، ويمركز حزب الندائيين في موقع "الطليعة" الذي يسمح له ربما بالشروع بانشاء جبهة سياسية على قاعدة النمط المجتمعي القديمة، فالايولوجيا "النمطية" لها "سحرها" و"رونقها" هي ما سيكون الزيت الذي سيوقد الشعلة الفاترة.

والهلع مؤكّد أنّه تحوّل لمونبليزير الذي سيدخل في اجتماعات أزمة متواصلة، فالشريك السياسي أفلح ولو اضطرارا من نقل الخوف والارتباك والفزع وزرعه في الهيكل التنفيذي والشوري للنهضة، التي سترجع لما قبل الشراكة (التي تحولت لتحالف) وتجد نفسها في مربّع الأزمة الوجودية السابقة، وان كان في المرّة السابقة تهديد الوجود كان من الخارج وخاصة من الامارات في ارتباط مع جزء من اليسار الحداثي والنداء، فاليوم الجبهة المعادية ستكون واسعة ومتنوعة بعد الانشقاقات العديدة في النداء وتزايد الاعداء من المعارضة طيلة فترة "التوافق" مع النهضة، والأضرار المعنوية والقيمية بتداخل الحركة مع المنظومة السابقة وتبنيها لقوانين حماية الفاسدين على رأسها "قانون المصالحة".

والغنوشي رأسا وبطانته سيكون أبرز المستهدفين، فهو الذي يقدّم نفسه كمهندس "التوافق" و"الوئام" بدل التناحر السياسي، وحتى سلطته ونفوذه داخل النهضة فقد انبنى على هذا المعطى المركزي، فـ"الشيخ" يسوّق نفسه داخل حركته كمنقذ من ضربة قاصمة كانت ستهز جسم الحركة لو لم يرتب بتفاهماته ومساوماته مع السبسي على أفق الحكم ما بعد الخروج من الحكومة في 2014 وما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهو ما سمح له بكسب تقدّم كبير على بقية القيادات، جعله يستنقص مستوى أداءهم وحتى جدارتهم، ويفرض بالتالي خطّه وخياراته وشقّه، في مقابل انحسار جليّ لسلطة التيار المقابل الذي يتزعمه المكي والجلاصي وبن سالم وديلو.

وسيصعب توقّع ردّة الفعل الجملية داخل الحركة، فتداخل العنصر الشخصي للغنوشي مع العنصر العام للحزب قد لا يسمح بتوقّع التطورات، فمن ناحية ستكون فرصة سانحة لاسترجاع التيار المعارض للغنوشي لنفوذه واعادة تموقعه، ومن أخرى الكيان النهضوي سيكون في مرمى التهديد، وهو ما سيستغله زعيم الحزب الاسلامي (الديمقراطي) لاعلان النفير الداخلي، واستنهاض الوحدة حوله لمواجهة التهديد "الوجودي"، وقد تستقر الأمور الى حلّ "وسط" يجبر فيه الغنوشي بالتنازل عن جانب من نفوذه المطبق وجزء من سياساته لفائدة الشق المقابل، في سبيل مواجهة الخطر الخارجي.

وقد يستغل الغنوشي فرض الهيئات الدولية المانحة وبعض الدول الكبرى لحد ادنى من الوحدة والاستقرار في الحكم، لضمان استمرار الشراكة في الحكومة في مستواها الادنى، وهو ما سيسمح له بالنزول "الامن" من أعلى شجرة "التوافق"، والوضعية الانتقالية ستفرضها حتمية الواقع، اذ لا يمكن تصوّر فكّ ارتباط عنيف وحادّ دون وضعية انتقالية، ينتقل فيها "التوافق" المجسّم في تحالف حكومي الى مجرّد تعايش حكومي بارد متقلب الى "اشتباكي"، مع اعلان فكّ الارتباط (المؤجّل) الذي ستكون تداعياته سلبية على الحكومة بدرجة أولى، وتباعا على المشهد السياسي برمّته، ولن يخرج منه الغنوشي دون مخلّفات سلبية عميقة.

ولن نسمع نفس الأدبيات التي شنّف بها آذاننا رئيس النهضة بتلك القوّة، كما لن نر جوقته من صهره رفيق عبد السلام الى أمين سرّه (حامل محفظته) زيتون في استعراضاتهم السابقة، الشعارات والعناوين المألوفة ستبقى تتكرّر ولكن بفتور ومرارة، تماما مثل تمسّك أبو مازن بالسلام الوهمي بعدما انقلبت عليه "اسرائيل" (طبعا مع فارق عدم التشبيه المطلق للنداء بها)، في مقابل انتظار صعود اصوات الصقور داخل الحركة، و"تحرّر" من القواعد والانصار الذين حشروا في زاوية هذا "التوافق" القسري الفوقي، والنّكسة بالمحصّلة ستكون كبيرة للزعيم الروحي للحركة، فدفاعه المستميت على فسح المجال لمرشّح النداء في المانيا وقيادة تيار مساندته والتصويت له أوصله لنهاية تخلّي الحليف عنه، وبسيس في تصريحاته الاثنين مساء اعتبر مع ذلك أن لديهم معطيات على تصويت أنصار النهضة لمنافسهم.

ياسين العياري الذي زعزع انتصاره المستحق التوازنات القائمة المهترئة، لأنها غير مؤسّسة في المنطلق، ولأنها غير متلائمة مع طبيعة الأمور، ولأن هذا "التوافق" قاد البلاد لنتائج سلبية على اغلب الأصعدة، ولعجز هذه الاحزاب على تقديم الحلول والمخارج للأزمة، بل أنّ النداء بنظرته الغنائمية وتنظّمه الزابوني واضطرابه جرّ البلاد للتأزّم الهيكلي، وساعدته النهضة بعجزها عن ابتداع بدائل ناجحة وانسياقها في مسار التذيّل والقبول بنعرات حليفها بدفع من زعيمها الغنوشي المتقبّل لكل نعرات النداء، وهو ما خلق الامتعاض الكبير لدى الناخب الذي عزف على الحياة السياسية، وصارت ثقته في الاحزاب في الأدنى، ولم تكن نتائج انتخابات ألمانيا سوى الكاشف لهذه الارتجاجات العميقة!!

(*) قانوني وناشط حقوقي


Comments


8 de 8 commentaires pour l'article 152736

NOURMAHMOUD  (Tunisia)  |Mercredi 20 Decembre 2017 à 00:47           
هذا الكاتب يصطاد في الماء العكر. السبسي عندما ضحى بمتحالفيه في اعتصام النافورة و تحالف مع النهضة ( القوة الانتخابية الثانية ) يعرف آش يعمل لخدمة استقرار البلاد و مصلحتها وقيادة النهضة تجاوبت معه لنفس السبب رغم علمها أن ذلك لن يرضي أغلب قواعدها ولكنها تعلم أن قواعدها سيبقون أوفياء لأيدولجيتها وتاريخها النضالي الذان سيشفعان لها في المواعيد الانتخابية القادمة

SOS12  (Tunisia)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 17:19           
الجميع
النداء كافةالأحزاب امقلدة اليسار حراك الإرادة
الاربع مجموعات تريد إبتزاز النهضة
ولا يعاملونها بندية
وكلما خسر أحدهم إطيرو بها
حافظت النهضة على تونس فمن فعل مثلها

Faouzib  (Tunisia)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 14:30           
ارى و الله اعلم ان نسبة التصويت المتدنية هي صفعة لمن يريد احتكار الثورية و اسم الثورة لنفسه و كانها ملك خاص و كل مخالف لتفكيره يخرج من هذه الملكية ..... لاننا نعلم ان اصحاب الحق و الثورة لن تعيقهم لا الثلوج و لا البرد و لا شراء الذمم و سيصطفون امام مكتاتب اللاقتراع رغم بعد المسافات لانهم اصحاب مبدء فما بال هذا التدني ؟؟؟؟ و نعلم ان اكثر الناس انظباط و و حرصا على اتمام المسار الديمقراطي هم النهضاويين و بما ان النهضة لم تقدم مرشحا و لو انها دعت
قواعدها لانتخاب مرشح النداء فالقواعد لهم راي غير راي القيادة و لذلك كانت هذه النسب ...

Espoirs  (France)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 13:51           
C'est étrange et lamentable ce genre d'article! cette analyse...bref tous les partis politiques se dévouent pour déstabiliser la pays! Vous croyez que Ennahda quitte le pouvoir s'allie avec son adversaire et supporte les concessions et j'en passe que pour faire plaisir aux deux vieux?!!! vous vous trompez! Ce rapprochement est motivé pour l'intérêt du pays et de sa stabilité politique et pour préserver les acquis de la révolution...Les gens
qui hurlent tout le temps en se montrant des révolutionnaires, dès qu'il faut être contre Ennahda sans pour autant pour préserver les intérêts du pays, ils s'allient avec les pires figures du pays!!! En fait c'est étrange, ce double discours, cette incohérence et ce patriotisme "caméléonien" !!! Arrêtez de rajouter l'huile sur le feu!!! pendant longtemps et depuis longtemps, des partis de tout bord souhaitent quoi: la dissolution du
gouvernement!!! pourquoi ? c'est juste la haine qui les habite et pensez être révolutionnaire !! Non arrêtez de jouer avec le feu...
Les élections en Allemagne montrent qu'on peut être démocratique! montrent un taux de participation très faible! montrent que le pays peut être devant une impasse si les résultats obtenus peuvent se produire dans le pays!!! nous avons besoin d'unions, les haineux doivent devenir minoritaires et que l'individualisme disparait au moins un peu pour laisser la place aux valeurs de la démocratie et du patriotisme constructif et ...
VIVE LA TUNISIE

le jour ou il fallait voter en absence des

Nasehlelleh  (Tunisia)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 11:45           
بعد مازق الياسينين العياري وابراهيم هل سنقرا سورة يس على التوافق المثير للجدل بين النهضة والنداء

Abou_Mazen  (Tunisia)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 11:42           
باقي مقلّق يا سي الكاتب... على النداء والا على النهضة و الا على تونس؟
لاباس لتونس ثورة تحميها والنهضة حزء من الثورة مهما كتبت و يكتبون والدليل أن كل الاجندات تحاول اصطيادها.

Mandhouj  (France)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 11:27           
Correction:

il faut lire : Donc on pourra considérer que nous sommes rentrés dans une période
d'instabilité politique et le remède c'est PAR le bas

Mandhouj  (France)  |Mardi 19 Decembre 2017 à 11:25           
Avant de réfléchir une séparation il faut être sûr de pouvoir constituer un gouvernement.. et Nida n'aura aucune majorité cohérente .. et puis pour faire séparation il faut dessouder le gouvernement et appeler le 1er groupe pour constituer un gouvernement.. Et là ce n'est pas possible, je pense, pour Ennahdha de trouver une majorité, sauf un coup de magie très intelligente ... Donc on pourra considérer que nous sommes rentrés dans une période
d'instabilité politique et le remède c'est pas le bas, élections législatives anticipées.. Dans ce cas Ennahdha aura entre 85 et 95 députes.. et Nida et Machrouaa Tounis et Afeq Tounis ils iront à la poubelle avec entre 40 et 50 députés, le Front populaire aussi va s'effondrer (5 voire 4 uniquement).. Le PL de Slim Erriyahi aura au moins 20 députes, et puis Hirak Tounis reviendra sur la scène avec ses alliés avec 20 voir plus ... avec une
trentaine des indépendants.. et voilà nous serons dans une autre configuration.

C'est le déclin de Nida qui est annoncé là . Car celui qui a provoqué cette instabilité depuis la guerre de echoukouk... Un coup de ballait ça va lui faire du bien.


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female