رابعة الدمويّة

في مثل هذا اليوم 14 أوت 2013، قامت قوات الشرطة والجيش المصريّين بفضّ اعتصامي ميداني رابعة العدويّة والنهضة، والتي انتهت بمجزرة تاريخيّة عرفت بمجزرة رابعة.
اثر سقوط حكم حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير (جانفي)، في 11 فيفري 2011، تولّى المجلس العسكري المصري الحكم، وتعهّد بتنظيم انتخابات حرّة في ظرف سنة. في ماي 2012 تمّ تنظيم الانتخابات والتي فاز فيها محمّد مرسي مرشّح حركة الإخوان المسلمين، ليكون أوّل رئيس مدني من خارج المؤسّسة العسكريّة في تاريخ الجمهوريّة المصريّة. لم تكن بداية فترة حكم مرسي سهلة، فقد وجد معارضة كبرى من أغلب الفصائل السياسيّين في البلد، الذين كانوا يتخوّفون من تغوّل حركة الإخوان المسلمين في البلاد. فلم تشارك أي من الأحزاب المعارضة في الحكم. وقد كان محمّد مرسي بالفعل يقوم بتغييرات عميقة في الدولة أهمها في جهاز الجيش الذي تغلغل في حكم البلاد منذ أكثر من 60 سنة. فقام بعزل رئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان. وعيّن الفريق عبد الفتّاح السيسي وزيرا للدفاع، والذي أشار اليه محمّد مرسي في أكثر من مناسبة أنه رجله الذي يثق فيه. كما قام بتعطيل مجلس النواب وتعديلات دستورية اعتبرتها المعارضة خطوات خطيرة في سبيل احكام سيطرة جماعة الإخوان على دواليب الدولة. كما أعلنت الجماعة ومحمّد مرسي في أكثر من مرّة مساندتها لقرارات المجلس العسكري، مما زاد في السخط الشعبي عليها واتهامها بالوقوف في صف الثورة المضادة.
قرّرت حركات المعارضة التصعيد ضدّ محمّد مرسي والقيام باعتصام كبير في ميدان التحرير (رمز ثورة 25 يناير) بداية من يوم 30 جوان، في الذكرى الأولى لتسلّم مرسي الحكم. ولمواجهة هذا الاعتصام، قام أنصار محمّد مرسي قبل يومين بالاعتصام في ميداني النهضة ورابعة. وقد كان اعتصام رابعة هو الأحشد بالنسبة لأنصار مرسي. بدأ اعتصام معارضي مرسي في 30 جوان 2013 حاشدا وسلميّا. وبعد أربعة أيّام فاجأ وزير الدفاع في حكومة الرئيس مرسي المعتصمين في كلى الطرفين باعلان عزل الرئيس محمّد مرسي واعتقاله، وتعيين القاضي عدلي منصور رئيسا مؤقتا للبلاد ومحمّد البرادعي نائبا له وهو رئيس حزب الدستور ومن أشدّ المعارضين لحكم الإخوان ومتحصّل على جائزة نوبل للسلام لما قام به أثناء ترؤسه للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة. رحّب أغلب المشاركين في اعتصام التحرير بهذا الانقلاب، خصوصا أن السيسي وعد بعدم تسلّم الجيش للسلطة، واستدلّ على ذلك بتعيين قاض رئيسا للبلاد ومدني نائبا له وبقائه وزيرا للدفاع. لكن الأيام أثبتت أنه هو الحاكم الفعلي ولم يكن للمدنيّين أي كلمة في القرارات المتخذة. أمّا في الجانب الآخر، فقد رفض أنصار مرسي هذا القرار واعتبروه انقلابا على الشرعيّة وعودة الاستبداد العسكري. فقرّروا مواصلة الاعتصامات حتى عودة محمّد مرسي للحكم. ورغم قيام قوّات الأمن بعدّة محاولات لفض الاعتصامات بالقوّة، والتي سقط فيها العديد من القتلى، الّا أن المعتصمين رفضوا إنهاء اعتصاماتهم. فاعتبر السيسي أن أنصاره فوّضوه لانهائها بالقوّة، واتهم منظمي الاعتصامات بالإرهاب وقتل رجال الأمن، وذلك لتبرير ما سيقوم به.
وفي يوم 13 أوت أعلن السيسي أنه سيتمّ من الغد فضّ الاعتصامات بالقوّة وخاصّة منها اعتصام ميدان رابعة العدويّة (نسبة إلى الزاهدة المعروفة المتوفّاة سنة 180هـ)، وأنه سيتمّ تخصيص ممرّات آمنة للمعتصمين. وفي مثل هذا اليوم 14 أوت 2013 وبداية من الساعة السادسة ونصف صباحا، داهمت قوّات الأمن عشرات الالاف من المعتصمين بالرصاص الحي والجرّافات وقد ساندتهم طائرات الأباتشي التي قامت بإطلاق النيران وقنابل الغاز من السماء. وقطعت السلطات البث المباشر من الميدان. فدخل الهلع صفوف المعتصمين وحاولوا اللجوء الى المستشفى الميداني والى مسجد رابعة باعتبار حرمة هذين المكانين. لكن قوّات الأمن واصلت مطاردتهم وأحرقت المستشفى والمسجد بمن فيهم. ولم تمضي العاشرة صباحا حتى انفضّ الاعتصام وبدأت صور الجثث المتناثر والمحروقة تنتشر.
استنكرت عدّة شخصيّات مصريّة معارضة للاخوان هذه المذبحة مثل أيمن نور رئيس حزب الغد، ومحمّد البرادعي الذي كان من أشدّ مؤيّدي الانقلاب، والذي قدّم استقالته اثر هذه المذبحة ولجأ إلى النمسا بعد أن أصبح متهما بالخيانة لتنديده بإراقة الدماء. كما وجدت هذه المذبحة استنكارا لدى أغلب الدول الأوروبيّة والأمريكيّة وتركيا والأمم المتحدة وبعض الدول العربيّة مثل تونس. لكنّها وجدت الدعم من أغلب دول الخليج أبرزها السعوديّة والإمارات. كما دافع عنها الرئيس الروسي بوتين. وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش استخدام قوات الأمن المصرية للقوة في فض الاعتصامات أنه أسوأ حادث قتل جماعي التاريخ المصري الحديث. وقد اتخذ أنصار ضحايا مجزرة رابعة التلويح بإشارة أربعة أصابع اليد مع ضمّ الابهام كرمز لهم.
اختلفت تقديرات عدد ضحايا مجزرة رابعة فقد أعلنت سلطات الانقلاب أن عدد الضحايا بلغ 638 قتيلا، بينما قدّرت منظمة العفو الدوليّة عدد الضحايا بين 800 و1000 ضحيّة، في حين أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أن ضحايا اعتصام رابعة لوحدها فاق 2500 ضحيّة. ومهما كان الرقم الصحيح، فانه من المؤكّد أن هذه المذبحة هي أكبر عمليّة قتل جماعي في يوم واحد في تاريخ مصر، والتي فاقت بشاعتها مذبحة القلعة.
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 146442