
هل بدأت الخطوة الأولى من مفاوضات "مباشرة" بين لبنان وإسرائيل؟
قد يكون مفهوما أن يُخلّف إعلان الرئاسة اللبنانية في ساعات باكرة الأربعاء تعيين سفير سابق للبنان لدى واشنطن رئيسا للوفد اللبناني في اجتماعات الميكانيزم حالة ارتباك.
فالخطوة في ظاهرها صغيرة لكنّها كبيرة في فحواها، وإذا وضعت في السياق اللبناني التاريخي والسياسي "صحّ حتى وصفها بالكبيرة جدا".
فليس عاديا أن يجلس ممثل مدني لبناني بصفة سياسية مع ممثل سياسي إسرائيلي بصفة مدنية. وهو ما حدث اليوم في الناقورة، في مقر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوبي لبنان "اليونيفيل" تحت مظلة "الميكانيزم".
وتشير كلمة ميكانيزم إلى آلية مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل التي تتألف في الأساس من ممثلين عسكريين عن كل من فرنسا ولبنان واليونيفيل وإسرائيل ويرأسها ضابط أمريكي.
وبالتالي فإن أهمية الخطة الحالية تكمن في قبول لبنان بأن يكون له ممثل مدني في اللجنة وهو ما كان مطلبا أمريكيا واضحا، وكان لبنان يعارضه في السابق.
- إسرائيل لا تتوقع أن ينزع حزب الله سلاحه طوعاً في المهلة الدبلوماسية
- عامٌ على الهدنة بين إسرائيل وحزب الله: لبنان لا يزال تحت النار
سياق الإعلان
لكن لتغيّر الموقف اللبناني سياقه أيضا مع تواصل الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على لبنان بما يشكّل ضغطا كبيرا على البلاد. وقد زاد هذا الضغط بشكل كبير في الفترة الأخيرة مع تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بتصعيد جديد في لبنان، وترافق ذلك مع انتقادات إسرائيلية وأمريكية للسلطات اللبنانية بالتقاعس في التعامل مع ملف نزع سلاح حزب الله.
وقد وصل تأثير الانتقادات حد إلغاء زيارة كانت مقررة لقائد الجيش اللبناني إلى واشنطن الشهر الماضي، بعد أن كانت السلطات الأمريكية تعتبر الجيش اللبناني شريكا أساسيا في لبنان.
في هذا الإطار تؤكد السلطات اللبنانية أنها ماضية في تنفيذ خطتها لسحب سلاح حزب الله وتنفي ما تعتبرها مزاعم عن دخول أسلحة جديدة إلى مجموعات مسلحة على رأسها حزب الله. كما تشير إلى أن ما يعيق الانتشار الكامل للجيش اللبناني في منطقة جنوبي الليطاني هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي لخمس نقاط في الجنوب، فضلا عن وجود منطقتين تسيطر عليهما إسرائيل بالنار.
العامل الثاني الذي يُفسّر سياق القرار اللبناني هو موقف رئيس الجمهورية الذي أعلن صراحة عن اقتناعه بخيار التفاوض مع إسرائيل. وقد أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مبادرة من الجنوب اللبناني عشية عيد الاستقلال، الشهر الماضي، تحدث فيها عن استعداد لبنان للتفاوض مع إسرائيل برعاية أممية أو أمريكية أو دولية مشتركة.
وقد تحدث عون بعد ذلك وبكل وضوح عن عدم تجاوب إسرائيل مع دعوته، إلى أن جاء إعلان اليوم ولاقاه إعلان من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فقد أعلن مكتب نتانياهو أنه كلّف القائم بأعمال مستشار الأمن القومي إرسال ممثّل عنه إلى اجتماع مع مسؤولين حكوميين–اقتصاديين في لبنان. وأشار إلى أن اللقاء بمسؤولين لبنانيين سيكون "محاولة أولى لترسيخ أسس العلاقات الاقتصادية بين الطرفين".
وقد أكدت مصادر لبي بي سي أن المساعي الأمريكية هي التي دفعت إسرائيل إلى اتخاذ هذه الخطوة من جانبها أيضا.
وقد كان لافتا ما جاء في بيان الرئاسة اللبنانية عن أن قرار الرئيس تعيين سيمون كرم رئيسا للوفد اللبناني في لجنة الميكانيزم، جاء "تجاوباً مع المساعي المشكورة من قبل حكومة الولايات المتحدة الأميركية" كما أنه أُعلن "بعد الإطلاع من قبل الجانب الأمريكي" عليه.
هذه المفاوضات بين الطرفين هي الأولى من نوعها منذ عام 1983 والتي توجت باتفاق 17 مايو/ آيار في عهد الرئيس أمين الجميل حيث برز ما كان يعد أول مشروع اتفاق سلام بين الدولتين، لكن في 5 مارس/ آذار 1984، وتحت الرفض الشعبي والضغط السوري آنذاك، اضطرت الحكومة اللبنانية والبرلمان إلى إلغاء الاتفاق واعتباره باطلا.
ولكن على ماذا يتفاوض لبنان؟
بالنسبة للبنان تتعلّق القضايا الرئيسية بوقف الهجمات الإسرائيلية المتواصلة بوتيرة شبه يومية منذ انتهاء الحرب الواسعة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي قبل نحو العام.
تقول إسرائيل إنها تقصف أهدافا عسكرية لحزب الله، ولكنّ عددا من المدنيين قُتلوا وأُصيبوا أيضا في تلك الهجمات.
كما أن الجيش اللبناني قال إنه تبيّن أن عددا من المباني التي قصفها الجيش الإسرائيلي في الفترة الأخيرة قائلا إنها تشمل بني تحتية عسكرية لحزب الله، كانت مدنية.
وتتعلّق القضية الثانية بالتفاوض على إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل الذين تم أسرهم في الحرب الأخيرة، وكذلك وعلى الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي تحتلها إسرائيل في لبنان.
من الجانب الإسرائيلي، تقول إسرائيل إنها تريد إنهاء أي تهديد من حزب الله لأمنها. ولكن كيف يُترجم ذلك؟ وما هو سقف المطلوب؟ وهل يقتصر على مصير سلاح حزب الله؟ كل ذلك من ضمن التساؤلات المطروحة.
موقف حزب الله
ويفرض سؤال آخر أساسي نفسه: ماذا عن موقف حزب الله من كل ذلك؟
يرفض الحزب بشكل قاطع أي حديث عن مفاوضات وقد أعلن عن موقفه مرارا على لسان أمنيه العام نعيم قاسم.
كما أن حزب الله يتمسّك بسلاحه ويصرّ على أن نزع السلاح هو محصور فقط في منطقة جنوبي الليطاني الحدودية مع إسرائيل وليس في كافة المناطق اللبنانية. وذلك علي عكس ما أقرته الحكومة اللبنانية.
في هذا الإطار تعمد إعلان الرئاسة اللبنانية الإشارة إلى أن قرار تعيين كرم جاء "بعد التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، ورئيس الحكومة الدكتور نواف سلام".
وبالتالي يقطع هذا الموضوع أي محاولات لاعتبار قرار الرئيس اللبناني قرارا منفردا أو غير مغطّى سياسيا من باقي الأطراف. كما يطرح سؤالا أيضا بشأن العلاقة بين بري وحليفه حزب الله، وإذا ما كان هناك تنسيق بينهما في موضوع التشدد أو التراخي في قضية جدلية أساسية كقضية تفاوض لبنان مع إسرائيل.
من هو سيمون كرم؟
من بين الأمور الأخرى التي أثارت مفاجأة في إعلان الرئاسة اللبنانية - هي هوية من اختير لهذه المهمة الحساسة جدا.
فلم يكن اسم سيمون كرم يتردد في الفترة الأخيرة كخيار ممكن لتمثيل لبنان في حال الدخول في مفاوضات.
هو مسيحي، في الخامسة والسبعين من العمر، محام وسفير سابق للبنان في واشنطن. عُيّن في هذا المنصب عام ثم استقال بشكل مفاجئ بعد عام حين قيل إنه اتخذ هذا القرار بسبب خلافات مع السلطات اللبنانية آنذاك.
لا يُكثر من إطلالاته الإعلامية، ولكنه معروف بمواقفه الحادة وبصراحته الكبيرة وكان من أركان حراك انطلق قبل نحو عشرين عاما ضد الوجود السوري في لبنان آنذاك. ويُعرف عنه كذلك معارضته الواضحة لأي وجود مسلح خارج الدولة اللبنانية.
وقد ألقى مؤخرا محاضرة في إحدى جامعات بيروت أثارت ضجة كبيرة بسبب المواقف التي صرّح بها. فقد قال حينها في إشارة واضحة إلى حزب الله وفي سياق حديثه عن الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل: "إن شروط إنهاء الحرب جاءت أفدح من الحرب، وما يزيد الأمور بشاعة أن الذين أذعنوا لوقف إطلاق النار من طرف واحد مع إسرائيل، يطلقون نارا سياسية وأمنية كثيفة في الداخل، يهاجمون الدولة لاعتمادها الخيار الدبلوماسي وهو الوحيد المتاح بعد النكبة والجيش بحجة أنه عاجز عن حماية البلاد والناس".


حسيبة رشدي - محلاها تذبيلة عينك